25 نوفمبر 2025.. الدولار يواصل الارتفاع أمام الجنيه لليوم السادس    الثلاثاء 25 نوفمبر 2025.. أسعار الحديد والأسمنت بالمصانع اليوم    وزير التعليم: ، جهود حثيثة لإعداد كوادر فنية مؤهلة قادرة على المنافسة    أكسيوس: ترامب أبلغ مستشاريه نيته التواصل مباشرة مع مادورو    واشنطن تدرج جماعة كارتل دي لوس سولس الفنزويلية على قائمة الإرهاب    مساعد رئيس حزب الأمة القومي السوداني ل "الفجر":الحرب والانقسامات تهدد السودان... والحل السياسي الفوري هو الطريق لإنهاء الأزمة(حوار)    بدء جلسة محاكمة رمضان صبحي وباقي المتهمين بقضية التزوير    عاجل- الأرصاد تكشف استمرار تدفق السحب الممطرة وفرص أمطار رعدية وسيول على عدة محافظات    نيابة دمياط تواصل تحقيقاتها مع المرشح لانتخابات النواب عصام بشتو و12 من مرافقيه بعد اقتحام قسم فارسكور    عبداللطيف: نعتز بالعلاقات المصرية الإيطالية الراسخة بمجال التعليم الفني والتي امتدت لعقود    ارتفاع مؤشرات البورصة المصرية بمستهل تعاملات جلسة منتصف الأسبوع    التشيك تنصح رعاياها بمغادرة فنزويلا فى أقرب وقت    تنسيقية شباب الأحزاب : توافد الناخبين بمدرسة أجهور الصغرى ثانى أيام انتخابات النواب    محافظ شمال سيناء: المواطنون قدموا صورة مشرفة خلال انتخابات النواب    رومانيا تنشر طائرات مقاتلة بعد اختراق مسيرتين مجالها الجوي    في اتصال هاتفي.. ترامب لرئيسة وزراء اليابان: اتصلي بي في أي وقت    باسل رحمي: نعمل على مساعدة المشروعات المتوسطة والصغيرة الصناعية على زيادة الإنتاجية والتصدير    السلة يكشف كواليس وقرارات أحداث مباراة الاتحاد والأهلي بنهائي دوري المرتبط    تشكيل الهلال المتوقع أمام الشرطة في دوري أبطال آسيا    شوبير: جلسة منتظرة بين الأهلى وديانج لحسم ملف التجديد    التمثيل التجاري: 17.378 مليار دولار أمريكي حجم التجارة بين مصر والصين    إقبال كبير للناخبين فى الدائرة الخامسة بالغربية    انتخابات مجلس النواب 2025.. محافظ القليوبية يترأس غرفة العمليات الرئيسية لمتابعة اليوم الثاني    وزيرة التضامن توجه فريق التدخل السريع بالتعامل مع حالات كبار بلا مأوى    الزراعة تطلق حملة لمواجهة مقاومة المضادات الحيوية في الثروة الحيوانية    وزير الصحة يلتقي وفد اتحاد الغرف التركية لبحث التعاون الصحي والاستثمار المشترك    «الصحة»: تقديم 21.9 ألف خدمة في طب نفس المسنين خلال 2025    عثمان ديمبلي: علمت بالفوز بالكرة الذهبية في هذا التوقيت    الاستعلام عن الحالة الصحية ل 11 عاملا أصيبوا في انقلاب سيارة على طريق السويس    وكيلهما: الجزار كان قريبا من الأهلي.. وتوروب لم يطلب رحيل أحمد رضا    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 25-11-2025 في محافظة الأقصر    هشام حنفي: مباراة شبيبة القبائل الأفضل لتوروب مع الأهلي حتى الآن    محافظ المنوفية: انتظام عملية التصويت وفتح اللجان لانتخابات مجلس النواب في يومها الثاني    أسعار الفاكهة اليوم الثلاثاء 25 نوفمبر في سوق العبور للجملة    الصحة: تقديم 22 ألف خدمة في طب نفس المسنين خلال 2025    إزالة 327 حالة تعدٍ على نهر النيل في 3 محافظات    انطلاقة قوية للتصويت بشبرا الخيمة.. تنظيم محكم وحضور لافت من المواطنين    احتفالية بجامعة القاهرة الأهلية بمناسبة اليوم العالمى للسكرى    محامي المجنى عليهم في واقعة مدرسة سيدز الدولية: النيابة أكدت تطابق اعترافات المتهمين مع أقوال الأطفال    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 25-11-2025 في محافظة قنا    بعد أزمة نقابة الموسيقيين، نجل مصطفى كامل يدعم والده برسالة مثيرة    الآثاريون العرب يدعون لتحرك عاجل لحماية تراث غزة وتوثيق الأضرار الميدانية    معرض مونيريه بالاكاديمية المصرية للفنون بروما | صور    "درش" يشعل سباق رمضان 2026... ومصطفى شعبان يعود بدور صادم يغيّر قواعد الدراما    إعلام فلسطيني: جيش الاحتلال ينفذ عمليات نسف للمباني شرقي مدينة غزة    عزيز الشافعي يخطف الأنظار بلحن استثنائي في "ماليش غيرك"... والجمهور يشيد بأداء رامي جمال وروعة كلمات تامر حسين وتوزيع أمين نبيل    دعاء وبركة | أدعية ما قبل النوم    أميرة أبو زهرة تعزف مع لانج لانج والأوركسترا الملكي البريطاني في مهرجان صدى الأهرامات    الداخلية تكشف تفاصيل واقعة محاولة اقتحام مرشح وأنصاره لمركز شرطة فارسكور    10 حقائق مذهلة عن ثوران بركان هايلي غوبي.. البركان الذي استيقظ بعد 10 آلاف عام    محافظ قنا يعلن رفع درجة الاستعداد القصوى لمواجهة حالة عدم الاستقرار الجوي    "الطفولة والأمومة": نعمل على توفير الدعم المادي والنفسي للأطفال الذين تعرضوا لاعتداءات    أحمديات: تعليمات جديدة لدخول السينما والمسارح والملاعب    محاكمة 115 متهماً في خلية المجموعات المسلحة.. اليوم    اليوم| أولى جلسات محاكمة طفل المنشار بالإسماعيلية    هل يجوز للزوج الانتفاع بمال زوجته؟.. أمين الفتوى يجيب    وزارة الأوقاف الفلسطينية تُشيد ببرنامج "دولة التلاوة"    بث مباشر.. مانشستر يونايتد ضد إيفرتون في الدوري الإنجليزي 2025/2026    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محمد الباز يكتب : الرسول العاشق
نشر في الفجر يوم 18 - 02 - 2013


من حجر السيدة خديجة.. إلى خلوة السيدة مارية -

قراءة مختلفة لعلاقات النبى محمد بأربع من زوجاته -

"الحب- أعزك الله- أوله هزل وآخره جد. دقت معانيه لجلالتها أن توصف فلا تدرك حقيقتها إلا بالمعاناة. وليس بمنكر فى الديانة ولا بمحظور فى الشريعة، إذا القلوب بيد الله عز وجل"

ابن حزم الأندلسى

"طوق الحمامة فى الإلفة والإيلاف"

«لقد صار قلبى قابلا كل صورة فمرعى لغزلان ودير لرهبان

وبيت لأوثان وكعبة طائف وألواح توراة ومصحف قرآن

أدين بدين الحب أنى توجهت ركائبه فالحب دينى وإيماني

ابن عربى

«ترجمان الأشواق»



كانت الجلسة جامعة، الرسول صلى الله عليه وسلم بين أصحابه الأربعة الكبار أبو بكر وعمر وعثمان وعلى رضى الله عنهم جميعا، سألهم النبى عن أحب الأشياء إليهم.

قال أبو بكر الصديق: أحب من دنياى ثلاثًا.. النظر إليك والجلوس بين يديك وإنفاق مالى عليك، وقال عمر: أحب الحق والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، وقال عثمان: أحب إفشاء السلام وإطعام الطعام والصلاة بالليل والناس نيام، وقال على: أحب إكرام الضيف وصيام الصيف وضرب المشركين بالسيف.

انتهى الصحابة رضوان الله عليهم من كلامهم ثم نظروا إلى النبى فى انتظار إفصاحه عما يحبه، لم يتأخر عليهم، قال: أما أنا فحبب إلى من دنياكم ثلاث.. الطيب والنساء وجعلت قرة عينى فى الصلاة.

الفارق كان واضحا، فكل صحابى جليل قال عن نفسه: أحب من دنياى.. أما النبى صلى الله عليه وسلم فقال: حبب إلى من دنياكم.. فالله هو الذى قدر له أن يحب الطيب والنساء.. وقبل ذلك وبعده جعل الله قرة عينه فى الصلاة.. ثم أنها دنياكم.. وليست دنياه.

ينكر بعض المحدثين هذا الحديث جملة وتفصيلا.. يستكثرون على الرسول -صلى الله عليه وسلم- أن يتحدث عن الحب، وتحديدا عن حب النساء، رغم أنه تحدث وأفاض، بل عبر عن حبه الذى وصل إلى العشق.. وسيرة الرسول بين زوجاته يمكن أن تدلنا على الكثير.

الإمساك بملامح الحب الإنسانى والعشق فى حياة الرسول صلى الله عليه وسلم يضطرنا إلى الدخول إلى بيته ليس كنبى ولكن كزوج، وهنا تظهر بنت الشاطئ الدكتورة عائشة عبد الرحمن التى تقول فى كتابها الأهم والأشهر "نساء النبى": حياة محمد صلى الله عليه وسلم فى بيته تبدو رائعة فى بشريتها، فقد كان يؤثر أن يعيش فى بيته رجلا ذا قلب وعاطفة ووجدا، ولم يحاول إلا فى حالات الضرورة القصوى، أن يفرض على نسائه شخصية النبى لا غير، ونحن اليوم نقرأ ما وعى التاريخ من مرويات عن تلك الحياة الزوجية، فيبهرنا ما فيها من حيوية فياضة لا تعرف العقم الوجدانى ولا الجمود العاطفى، إذا كان صلى الله عليه وسلم سوى الفطرة، فأتاح بذلك لنسائه أن يملأن دنياه الخاصة حرارة وانفعالا وينحين عنها كل ظلال الركود والفتور والجفاف.

هذه الحالة التى تصفها عائشة عبد الرحمن بدقة تتجلى فى حالات معينة بدا بها وعليها الرسول صلى الله عليه وسلم، فهو لم يكن مع جميع زوجاته على حالة وجدانية واحدة، كان من بينهن من تزوجها لأسباب تتعلق بمصلحة الإسلام لا أكثر ولا أقل، دون أن يكون راغبا فيهن رغبة رجل فى امرأة حتى لو كانت جميلة بهية الحسن.

الحالة الأولى هى حالة النبى صلى الله عليه وسلم مع السيدة خديجة التى أحبته ودعته للزواج منها دون أن تهتم برد فعل قومها ومجتمعها، لم تكن السيدة خديجة التى كانت تكبر النبى بخمسة عشر عاما على المشهور من الروايات فى كتب السيرة مجرد زوجة، كانت أما عوضته غياب أمه فى صباه.

كثيرا ما تحدث النبى عن السيدة خديجة بعاطفة الابن الممتن لأمه، ولعل قوله عنها بعد موتها: " والله ما أبدلنى الله خيرا منها، آمنت بى حين كفر الناس، وصدقتنى إذ كذبنى الناس، وواستنى بمالها إذ حرمنى الناس، ورزقنى منها الله الولد دون غيرها من النساء".

الحديث هنا بلا عاطفة من رجل عن امرأة، كانت هى أول امرأة فى حياته، فقد عصمه الله من فتنة النساء قبل زواجه، ذاق معها متعة أن ينفرد رجل بامرأة، كانت هى المرأة الناضجة – سبق لها الزواج مرتين – تعرف جيدا ما يحتاجه الشاب، فمنحته إياه دون أن تبخل عليه بشىء.

عشق السيدة خديجة يظهر فى مواقف أخرى، لم يفصح فيها النبى عن مكنون قلبه، بل كشفته تصرفاته وأفعاله، فبعد موتها أقبلت هالة بنت خويلد أخت خديجة لزيارة المدينة، وسمع محمد صلى الله عليه وسلم صوتها فى فناء بيته وكان يشبه صوت خديجة، فهتف خافق القلب: اللهم هالة.

وقتها سمعته السيدة عائشة فما ملكت نفسها أن قالت: ما تذكر من عجوز من عجائز قريش حمراء الشدقين هلكت فى الدهر أبدلك الله خيرا منها، فتغير وجهه عليه الصلاة والسلام ورد عليها: والله ما أبدلنى الله خيرا منها.

وعندما جرته السيدة عائشة إلى الحديث مرة أخرى عن السيدة خديجة بقولها: كأن لم يكن فى الدنيا إلا خديجة، فرد عليها: إنها كانت وكانت وكان لى منها ولد، ورأته عائشة إذا ذبح الشاة يقول: أرسلوا إلى أصدقاء خديجة، فحدثته فى ذلك مرة: فقال: إنى لأحب حبيبها.

وحتى يوم الفتح وقد مضى على وفاة خديجة أكثر من عشر سنين، يختار مكانا إلى جوار قبرها، ليشرف منه على فتح مكه، وليقيم فيه قبة ضربت له هناك تؤنسه روح خديجة.

الحالة الثانية كانت بطلتها السيدة عائشة رضى الله عنها، وهى المرأة التى لم يخف الرسول صلى الله عليه وسلم عشقه لها، كانت هى المرأة الأولى الخالصة له فى حياته.. فقد كانت السيدة عائشة هى العذراء الوحيدة التى تزوجها الرسول، فكل زوجاته قبلها وبعدها ثيبات، وحتما كان لذلك قيمته وقدره عندها.

عندما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "كمل فى الرجال كثير.. ولم يكمل فى النساء إلا ثلاث.. مريم بنت عمران وآسية زوجة فرعون وخديجة بنت خويلد".. كان السؤال الطبيعى هو: أين عائشة رضى الله عنها إذن.

لم يتركنى ما قاله الرسول كثيرا، اكتمل الحديث وتمت الرواية، فقد أعطاها ما تستحقه: "وفضل عائشة على النساء كفضل الثريد على الطعام".

لست أمام رجل يدلل زوجته، فيمنحها أحيانا ما لا تستحقه حتى ترضى، لكنى أمام رسول أرسلته السماء، ولا يمكن أن ينطق إلا صدقا، كما أنه لم يكن يوزع العطايا على الغادين والرائحين بغير حساب، بل كان يضع الكلمات فى مواضعها تماما.. ولذلك فقد وضع عائشة الموضوع الذى تستحقه.. والذى رآه هو كذلك.

فضلها على النساء كفضل الثريد على الطعام.. وهو معنى يعرفه الفقراء أكثر.

هل تريدون ما هو أكثر من ذلك؟

كان الرسول صلى الله عليه وسلم يقول لها: إنى أعرف غضبك إذا غضبت.. ورضاك إذا رضيت، قالت له: وكيف تعرف ذلك يا رسول الله؟ قال: إذا غضبت قلت:يا محمد، وإذا رضيت قلت يا رسول الله.

وحتى تكتمل الصورة.. لابد من بعض ما قالته السيدة عائشة واصفة المشهد الأخير فى حياة الرسول صلى الله عليه وسلم.

تقول عائشة: "مات رسول الله صلى الله عليه وسلم فى بيتى ويومى، وبين سحرى ونحرى، فدخل عبد الرحمن بن أبى بكر ومعه سواك ثم دفعته إليه، فاستن كأحسن ما رأيته مستنا قط، ثم ذهب يرفعه إلى مسقط يده، فأخذت أدعو الله عز وجل بدعاء كان يدعو به جبريل عليه السلام، وكان هو يدعو به إذا مرض، فلم يدع به فى مرضه ذلك، فرفع بصره إلى السماء وقال: الرفيق الأعلى.. الفريق الأعلى.. وفاضت نفسه، فالحمد لله الذى جمع بين ريقى وريقه آخر يوم من أيام الدنيا".

إننى لا أحاول بالطبع أن أرسم صورة قلمية للحياة الزوجية أو العاطفية بين الرسول صلى الله عليه وسلم والسيدة عائشة رضى الله عنها، لكننى أحاول فقط أن أضع السيدة عائشة رضى الله عنها فى المكان والمساحة التى تستحقها وتحتلها ليس عند الرسول صلى الله عليه وسلم، ولكن فى التاريخ الإسلامى كلها.. تفاعلا وسيرة، لقد رحل الرسول صلى الله عليه وسلم، أما هى فقد بقيت بعده أكثر من 47 عاما كاملة، فقد توفيت 16 رمضان من العام 58 هجرية، أى أنها عاشت عمرا كاملا بعد الرسول.

كان طبيعيا أن تصبح السيدة عائشة هى السيدة الأولى فى الدولة الإسلامية أيام الرسول صلى الله عليه وسلم، وكان طبيعيا أيضا أن تكون السيدة الأولى بعد وفاته، ليس فى أمور الحكم، فقد تركته لأهلها، لكنها كانت مرجعية دينية، ومفتية يأخذ عنها المسلمون دينهم، ولم يكن أحد منهم مخالفا لما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم، حين أشار إليها ذات يوم قائلا: خذوا نصف دينكم عن هذه الحميراء.

كل هذا الفضل لم يمنع أن تكون السيدة عائشة رضى الله عنها امرأة فى حياة رجل هو النبى صلى الله عليه وسلم، وأننا نتحدث عن رجل وامرأة فلابد أن تتسرب الغيرة إلى الحديث.

تقول عائشة عبد الرحمن: كانت السيدة عائشة بين أزواج النبى أشدهن غيرة عليه، ونضالا فى سبيل الاستئثار بحبه، وعذرها أنها أول من تفتح لها قلبه بعد خديجة، وأنها وحدها التى تزوجها بكرا".

لم تخف السيدة عائشة جزعها من أخريات دخلن حياة الرسول صلى الله عليه وسلم وتحديدا السيدة زينب بنت جحش، فما أعلن الرسول زواجه منها وهى ابنة عمته، بعد أن عاتبه فيها الوحى حتى قالت عائشة فى غيرة وغضب: ما أرى ربك يسارع فى هواك.

لا يمكن بأى حال من الأحوال أخذ هذه الكلمة القاسية إلا على أنها من امرأة تغار على زوجها، وليست من أم المؤمنين لزوجها النبى، فهى من طرف خفى ترمى الدعوة كلها بأنها من هوى محمد صلى الله عليه وسلم، ولذلك فالأسلم لنا جميع أن ندخلها فى خانة المرأة التى عشقت زوجها، للدرجة التى جعلتها تتجاوز مع الأقدار التى رتبتها السماء، خاصة أن قصة زينب بنت جحش كانت مقدمة لإلغاء التبنى فى الإسلام.

ويقارن الدكتور نظمى لوقا بين حب الرسول صلى الله عليه وسلم لكل من زوجتيه خديجة وعائشة فى كتابه «محمد فى حياته الخاصة» بقوله: كانت عائشة أحب زوجات محمد إليه بعد خديجة، أحبها أولا لأنها بنت أبى بكر، ودللها تدليل الأب، كان يأتيها فى السنوات الأولى من زواجها بأترابها ليلعبن معها بالدمى، والعرائس، وكان يحملها لترى من فوق كتفه وخدها لصق خده ملاعب الأحباش بالرماح والدرق، وكان يتغاضى عن هناتها فى ترفق وحنان، كان يشعر بالبنوة وهو مع خديجة، وكان يشعر بحنان الأبوة وهو مع عائشة، كان حب حنان وترفق، لا حب توحش وانتهاك، كان لها الأب والزوج معا، وهو لم يتزوجها لأنه يحبها، فما كانت إلا صبية يدللها تدليل العم لبنت أخيه قبل أن يخطبها، بل تزوجها كرامة لأبى بكر، ثم أحبها وهى بين سمعه وبصره، تدرج فى بيته بشبابها الرائق وبراءتها وذكائها المتوقد وخفة روحها، أحبها وقد أذكت فيه فطرة الأبوة الرحيمة وملأت حياته بالصبا الناضر والأبوة معا، أحبها الحب الذى طالما عبر لها عنه بقوله: حبك يا عائشة فى قلبى كالعروة الوثقى".

الحالة الرابعة هى قصة حب النبى لزوجته زينب بنت جحش، وهى القصة التى يدخل منها أعداء النبى للنيل منه، يقولون إنها وقعت فى قلبه، عندما ذهب ليزور ابنه بالتبنى زيد بن حارثة، والموقف يروى هكذا – برواية الإمام الطبرى: عند وقوف الرسول بباب زيد عبث الهواء بستر من الشعر مسدل على حجرة زينب فانكشف عنها وهى فى حجرتها حاسرة، فوقع إعجابها فى قلب الرسول صلى الله عليه وسلم، ونهضت زينب تدعوه للدخول كالعادة المتبعة فى المجاملة، فأبى وولى وهو يهمهم بكلمات لم تميز منها زينب سوى قوله: سبحان الله العظيم.. سبحان مصرف القلوب، فلما حضر زيد روت له زينب ما كان من حضور النبى وما سمعته من كلامه وهو منصرف، فذهب زيد إلى الرسول وعرض عليه أن يفارقها".

يجتهد من يعتقدون أن الرواية مدسوسة على الرسول أنهم بإنكار ذلك يدفعون الهجوم على مقام النبى، إنهم وقفوا عند عتبة الباب لم يدخلوا، لم يتعد الرسول صلى الله عليه وسلم حدوده – حاشا لله أن يفعل ذلك، لكنه كان ماضيًا فى قدر الله، وعندما دخلت زينب بنت جحش داره، كانت سيدة من سيداته الكبيرات، ولم يكن يخفى حبه لها وارتياحه فى هواها.. وكانت السيدة زينب تتدلل على زوجها النبى بقولها: يا رسول الله ما أنا كإحدى نسائك، ليست امرأة منهن إلا زوجها أبوها أو أخوها أو أهلها غيرى.. زوجينك الله من السماء.

الحالة الرابعة كانت السيدة مارية القبطية التى أتت للرسول صلى الله عليه وسلم بريح مصر وعطرها، كانت ابنة حضارة وثقافة مختلفة، رأى الرسول صلى الله عليه وسلم فيها امرأة مختلفة، ولأنه أدرك ذلك منذ البداية فقد حملها إلى بيت بعيد عن بيوت زوجاته، فقد كان يعرف أن العروس الجديدة لن تروق لبقية نسائه.

تقول عائشة عبد الرحمن: لم تقم السيدة مارية القبطية فى دور النبى الملحقة بالمسجد، إلا أن أثرها فى هذه الدور وساكناتها كان جد بعيدًا، وحسبنا أن نذكر أنها وحدها التى تظاهرت عليها أزواج النبى جميعا، فكدن يظفرن بها بتحريمها على زوجهن المصطفى، لولا أن نزلت فيها آيات التحريم: "يا أيها النبى لم تحرم ما أحل الله لك تبتغى مرضاة أزواجك".

ومن بين ما قالته السيدة عائشة عن المصرية القادمة إلى صحراء المدينة: ما غرت على امرأة إلا دون ما غرت على مارية، ولذلك أنها كانت جميلة جعدة، فأعجب بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان أنزلها أول ما قدم بها فى بيت لحارثة بن النعمان، فكانت جارتنا، فكان عامة الليل والنهار عندها، فجزعت، فحولها إلى العالية، وكان يختلف إليها هناك، فكان ذلك أشد علينا ثم رزقه الله منها الولد وحرمناه منه".

لقد منحت السيدة مارية الرسول الولد، وقبل أن تفعل ذلك منحته حبا خاصا ومختلفا.. فآنس لها.. كان يمكن لمارية أن تظل فى مصر.. أن تبقى إلى جوار النيل دون أن يذكرها التاريخ بشىء، لكنها عندما دخلت بيت النبى منحها مجدها وأصبحت واحدة من أمهات المؤمنين.. وهذا يكفيها.

إننى أضع بعضا من ملامح سيرة الرسول مع زوجاته أمام من يتعاملون مع المرأة وكأنها سلعة ووعاء للجنس ليس أكثر ولا أقل، هؤلاء الذين يستبدلون النساء بدافع الشهوة.. لماذا لم يتعلموا من النبى الذى لم يخف حبه بنسائه.. فلم تكن المرأة بالنسبة له أداة للمتعة.. بقدر ما كانت شريكة وحبيبة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.