تلقى تنظيم «القاعدة» الإرهابى، ضربة جديدة فى اليمن، بمقتل أمير التنظيم فى جزيرة العرب، ناصر الوحيشى، المعروف ب«أبى بصير»، فى غارة أمريكية، استهدفته فى مدينة المكلا، عاصمة حضرموت، شرق اليمن. وتعد هذه الضربة الثانية للتنظيم، فى أقل من أسبوع، بعد مقتل الإرهابى الجزائرى، مختار بلمختار، أحد القياديين البارزين فى نتظيم القاعدة، فى ليبيا. والمعروف أن تنظيم «قاعدة الجهاد فى جزيرة العرب»، مدرج على اللائحة الأمريكية للمنظمات الإرهابية الأجنبية، وعرضت واشنطن 45 مليون دولار، مكافأة لمن يرشدها على قاداتهم، خاصة بعد أن استولى التنظيم على مدينة المكلا، مستغلين الفوضى التى تُعم اليمن. وسرعان ما أعلن التنظيم الإرهابى تنصيب قاسم الريمى، المكنى ب«أبى هريرة»، أميرًا للتنظيم، خلفًا ل«الوحيشي»، لكن الغريب فى الأمر أنه لم يصدر تنظيم القاعدة، حتى هذه اللحظة، بيانًا يُنعى فيه «الوحيشي»، كما هو متبع منهم، فى نعى قيادات بارزة فى التنظيم، قضت فى غارات أمريكية سابقة. جاء اعتراف تنظيم «القاعدة»، أمس الثلاثاء، بمقتل ناصر الوحيشي، قائد التنظيم الإرهابى فى جزيرة العرب، والرجل الثانى المرشح لخلافة أيمن الظواهري، فى غارة أمريكية بطائرة دون طيار، على مدينة «المكلا» اليمنية، ليثير تساؤلا عن أسباب تركيز واشنطن على تصفية قادة «القاعدة» وترك من يديرون تنظيم الدولة الإرهابى «داعش». اختراق «قاعدة» الإرهاب الحادثة لم تكن الأولى، ولن تكون الأخيرة، فعلى مدار 3 أشهر فقط، تمكنت واشنطن من تصفية عدد كبير من قادة «القاعدة» باليمن وفى مقدمتهم: « مأمون حاتم، عبدالمجيد الهتارى»، ما دفع التنظيم للبحث عن أسباب سقوط قادته. وتبين أن اختراقا كبيرا للتنظيم نجحت فيه المخابرات السعودية، عبر زرعها أحد القيادات بين الصفوف الأولى فى «القاعدة»، ما جعل الجهاز الأمنى للتنظيم فى جزيرة العرب، يقبض على هذا العضو، ويقرر إعدامه، إلا أن مقتل الرجل الأول «الوحيشى»، يؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن عمليات الاختراق مستمرة. كما تمثلت تلك الاختراقات فى رصد مكالمات ومراسلات تجرى شبه أسبوعيا بين «الظواهرى»، ورجله الثانى «الوحيشى»، ولعل الوصول إلى مكان مختار بلمختار فى ليبيا مقدمة لما يمكن أن نشهده من عمليات اغتيال منظمة ستجرى لقادة الإرهاب فى العالم. لماذا «الوحيشى»؟ أسباب اختيار «الوحيشى» واغتياله معروفة، فهو «أبو بصير» الذى كان يوما ما أحد المقربين من زعيم تنظيم «القاعدة» أسامة بن لادن، وسبق أن عرضت الولاياتالمتحدة مبلغ 45 مليون دولار مكافأة لمن يرشدها إلى مكانه. كان «الوحيشى» غادر أفغانستان 2001، وتم اعتقاله فى إيران وتسليمه للسلطات اليمنية ليقضى سنتين داخل سجن الأمن المركزى بصنعاء، وكان واحدا من 23 هاربا من السجن فبراير 2006 بعد أسبوع واحد من إعلان «واشنطن» أن اليمن لم يعد يشكل تهديدًا على أمنها القومى. ادعت الحكومة اليمنية مقتله فى 28 أغسطس 2011، لكن «الوحيشى» أصدر بيانا فى 6 ديسمبر 2011 تعهد فيه بمشاركة التنظيم فى فك الحصار الذى فرضه الحوثيون على «دماج». ويعد «الوحيشى» المخطط الأول لكل العمليات المسلحة فى الجزيرة العربية، وساهم فى جعل التنظيم أقوى فروع «القاعدة» فى العالم، ومركز إعلام التنظيم، بجانب مساهمته فى تجنيد «الذئاب المنفردة»، والتخطيط للعمليات الخارجية، وآخرها «عملية باردو». «الريمى» خليفة الإرهاب والدم من جانبه أصدر التنظيم الإرهابى بيانا نعى فيه قائده، وكشف عن تعيينه القائد العسكرى للتنظيم بالجزيرة قاسم الريمي، من المملكة العربية السعودية، خلفا ل«الوحيشى» كقائد أعلى. ولا يقل «الريمى» شراسة عن «الوحيشى»، فهو القائد العسكري، وأول من أعلن فى 20 ديسمبر 2012 تبنى «القاعدة» لاقتحام مستشفى وزارة الدفاع اليمنية، الذى راح ضحيته اكثر من 60 شخصًا، منهم أطباء ومرضى كانوا فى مبنى المستشفى التابع للمجمع، وأعلن عن استعداد «القاعدة» لدفع ديات القتلى وتعويض الجرحى وترميم المستشفى بعد ذلك. «داعش» بعيدا عن «نيران واشنطن» السؤال المهم الذى يطرح نفسه: « لماذا تركز الولاياتالمتحدة على تصفية قادة تنظيم القاعدة، ولا تقوم بعمليات مشابهة لداعش؟، وهل تنجح تلك الاغتيالات فى الحد من قدرات التنظيم؟». الحقيقة، رغم بلوغ «داعش» المدى، وسيطرته على مساحات شاسعة من الأراضى بلغت كحجم دولة بريطانيا، إلا أن سياساته القائمة على مقاتلة العدو القريب دون البعيد، جعلته فى المرتبة الثانية بعد «القاعدة»، الذى لا يزال يفضل مقاتلة العدو البعيد، ويعتبر أن «البغدادى» وأتباعه بسياساتهم الجاذبة للمقاتلين الأجانب وتجميعهم فى منطقة واحدة، يساعدون أمريكا فى القضاء على «الجهاد العالمى». هل تنجح أمريكا؟ بدأت الولاياتالمتحدة مؤخرا فى حربها مع «القاعدة» تعتمد على عنصرين أساسيين، الأول استقطاب خصوم التنظيم المحليين وتجنيدهم كعملاء، ثم بناء منظومة عريضة من مصادر المعلومات تنتشر فى المناطق المتوقع أن ينتشر فيها التنظيم، حتى يسهل القضاء عليه. وحتى اللحظة، لم تنجح الطائرات دون طيار فى منع تمدد «القاعدة»، ورغم تركيز العالم على «داعش»، إلا أن شبكة «القاعدة» العالمية أقامت إمارات فى مناطق متنوعة ومنها اليمن، وفى الصومال، وبعض مناطق ليبيا، و60٪ من أفغانستان. كما أن للتنظيم بؤرا يتحرك فيها بسهولة، وهى الواقعة فى ساحل الصحراء، وفى بعض مناطق المغرب العربى وموريتانيا. النسخة الورقية