في العاشر من يونيو 2014 استيقظ العالم على مفاجأة مدوية هزت أروقة السياسة العالمية، تمثلت بإعلان تنظيم داعش سيطرته على مدينة الموصل. وبدأت القصة في الخامس من يونيو من عام 2014 حينما قام تنظيم داعش بمناورة غريبة وسريعة ومفاجأة، حيث اقتحم أحياء مدينة سامراء في محافظة صلاح الدين، كأنها محاولة لجذب الانتباه، وبعد أن توجهت عيون الحكومة إلى سامراء، سارع التنظيم في السادس من يونيو إلى الموصل وبدأ باقتحام المدينة من الجانب الأيمن. وسبق دخول التنظيم حركة تغييرات عسكرية غريبة في الموصل، حيث تم قبل أسبوع من دخول داعش انسحاب العجلات العسكرية، وإعلان حظر التجوال في المدينة، وكانت أمورًا مريبة لم يفهما المواطنين. وفى فجر السادس من يونيو وصلت سيارات رباعية إلى اطراف الجانب الأيمن لمدينة الموصل، ودخل التنظيم إلى بعض الاحياء مدججا بالسلاح وبجرافات لفتح الطرق أمام عناصره، ورغم إعلان الحكومة المحلية فرض حظر التجوال، بدأ التنظيم بالتقدم باتجاه مركز المدينة من دون أن تواجهه قوة حكومية وبعض الجيوب التي تصدت له أثناء التقدم سرعان ما تراجعت أمام اندفاع التنظيم بقوة. وفى نهاية يوم التاسع من يونيو كان التنظيم قد فرض سيطرته بشكل كامل على جانبي المدينة بعد أن انسحبت الفرق العسكرية وقوات الشرطة الاتحادية والمحلية باتجاه أربيل.. وفى يوم العاشر من يونيو بسط داعش سيطرته الكاملة على المدنية، وفى الحادي عشر من الشهر أعلن التنظيم الإرهابي الموصل ولاية كاملة ل"داعش". ثم انطلق التنظيم من الموصل إلى مناطق المحافظة الأخرى وبدأ يهاجم المناطق المحاذية لإقليم كردستان، واستطاع الوصول إلى أبعد نقطة لكن طيران التحالف أجبره على التراجع، وخلال فترة بسط نفوذه على تلعفر والبعاج وجبل سنجار وربيعه وزمار وسد الموصل. وبدأت عمليات كر وفر واشتباك مع قوات البيشمركة التي استطاعت فيما بعد من ابعاده وأجبرته على التراجع من بعض المناطق. في التاسع والعشرين من يونيو أعلن تنظيم داعش إعلان الخليفة، وتم إعلان أبو محمد العدناني ( الناطق الرسمي للتنظيم ) قيام الخلافة الإسلامية وتنصيب ومبايعة عبدالله إبراهيم "أبوبكر البغدادي" خليفة للمسلمين. وبدأ التنظيم بمهاجمة القرى المسيحية ومناطق الأيزيدين في شمال نينوي، فقام بتهجير العوائل واحتجاز عدد منهم، لاغراض منها المساومة والسبي وغيرها. وما إن ثبت التنظيم وجوده في هذه المدينة حتى قام بتفجير بعض المساجد والأضرحة بحجة أنها تخالف تعاليم الإسلام. وفي الرابع والعشرين من يوليو قام التنظيم بتفجير أكبر معلم إسلامي، وتاريخي وحضاري في الموصل. جامع النبي يونس. هذا المكان له رمزية خاصة ومكانه في قلوب العراقيين عامة والموصليين خاصة، وقد أثار هذا التصرف سخط الأهالي ورفضهم لهذه الأعمال التي تمس جوهر تاريخهم وحضارتهم وارتباطهم بها. وفي بداية مارس 2015 نشر التنظيم فيديو يظهر فيها تحطيم آثار مدينة النمرود وتجريفها بالآليات الثقيلة مستبيحا بذلك المعالم الأثرية التي تعود إلى القرن الثالث عشر قبل الميلاد وما بعده. وكان التنظيم قبل أسبوع قد قام بتحطيم تماثيل وقطع أثرية في متحف الموصل. وترتب على سيطرة التنظيم على الموصل أزمة إنسانية تتمثل جوانبها في موجات النزوح الجماعية التي أعقبت العمليات العسكرية وسيطرة التنظيم على المدينة، فخرجت آلاف العوائل باتجاه اقليم كردستان هربا من الاشتباكات الجارية، حتى إن قسما كبيرا منهم اضطر إلى الخروج أثناء الاشتباكات إلى أماكن مجهولة. ثم إزدادت هذه الأزمة بعد مهاجمة التنظيم مناطق سهل نينوي الذي يتمتع بأغلبية مسيحية مثل منطقة قرقوش التابعة لقضاء الحمدانية، لتبدأ بذلك مأساة إنسانية أخرى تضع العالم أمام اختبار صعب. ولم تنتظر الولاياتالمتحدةالأمريكية طويلا فتفاعلت مع هذه التطورات وقررت تشكيل تحالف دولي - عربي مكونا من اربعين دولة من بينها عشر دول عربية،وكانت مهمة هذا التحالف هي مواجهة التنظيم جوا بالاعتماد على الضربات الجوية وتجفيف منابع تمويل التنظيم واعتماد سياسة التطويق من خلال إقفال الحدود لتلك المناطق التي يسيطر عليها التنظيم. وفي 13 من يونيو دعت المرجعية الدينية في النجف في خطبة الجمعة إلى التطوع وحمل السلاح والانخراط في صفوف القوات الأمنية لمواجهة التنظيم،وتشكلت هذه القوة بموجب الفتوى التي اطلقها المرجع الديني على السيستاني كرديف للقوة العسكرية الحكومية، على أن يتم عملها في إطار الدولة وتمتثل بأوامر القيادة العسكرية. لكن هذه القوة أثارت موجة خلافات في الأوساط السياسية والشعبية. توسع نفوذ التنظيم: استطاع التنظيم بعد السيطرة على مدينة الموصل أن يوسع مناطق نفوذه ابتداء من الرقة في سوريا إلى الأنبار ثم تكريت ومنها إلى الموصل في العراق، حيث تقدر المساحة التي يسيطر عليها التنظيم ب 40 ألف كيلو متر وهو ما يعادل مساحة دولة بلجيكا، معنى ذلك أن نصف مساحة العراق يسيطر عليها التنظيم، وعمد قبل ذلك إلغاء الحدود الفاصلة بين سورياوالعراق بعد أن سيطر على المعابر الحدودية للبلدين.