المستثمرون العرب في مصر على دين ملوكهم

مع استمرار حالة “,”عدم اليقين “,” التي تعيشها مصر ، وفي ظل المتغيرات السياسية والتطورات الأمنية المتلاحقة ، وعلى أساس إن الاستثمار يخضع عادة إلى عدة عوامل ، أهمها طبيعة النظام القائم وسلوكه في ادارة حكم البلد ، فقد أعلنت المجموعة المالية “,” هيرمس “,” وهي واحدة من أكبر بنوك الاستثمار في الشرق الأوسط ، اعتزامها الاستمرار في توسيع أنشطتها بدول الخليج خلال الفترة المقبلة ، لمواجهة التحديات التي تشهدها سوقها الرئيسية في مصر .
ولوحظ في الوقت ذاته أن عدداً من المستثمرين الخليجيين وخصوصاً السعوديين والإماراتيين ، بدأوا التفكير بالعودة إلى مصر ، بعد أن خرجوا منها في العام الماضي ، حتى أن رئيس مجلس ادارة الشركة المصرية السعودية حسني رضا توقع أن تتجاوز الاستثمارات التي سيتم ضخها في السوق المصري خلال الفترة المقبلة ال 100 مليار دولار .
ولاشك في أن حالة “,” عدم اليقين “,” ليست في مصر فقط ، بل تعم المنطقة العربية ، ولاسيما بلدان “,” الربيع العربي “,” والدول المجاورة لها والمتأثرة بتطوراتها السلبية و الإيجابية ، وهي تنوء تحت ثقل الأحداث الأمنية والتجاوزات والصراعات السياسية ، ورغم ذلك شهد الاقتصاد العربي تحسناً في النمو بلغ 3.5 % في العام 2012 ، مقارنة مع انكماش بنسبة 2.2 % في العام 2011 ، ويتوقع البنك الدولي أن يستمر هذا النمو على حاله في العام 2013 ، على أن يتحسن إلى 3.9 % في العام 2014 ، ثم إلى 4.3 % في العام 2015 .
ويُعتبر معدل النمو في المنطقة العربية أفضل من معدل نمو الاقتصاد العالمي الذي بلغ 2.3 % في العام 2012 ، على أمل أن يتحسن إلى 2.4% في العام 2013 ، ثم إلى 3.1% في العام 2014 ، ولكنه أفضل بكثير من معدل نمو منطقة اليورو الذي سجل انكماشاً بلغ 0.4% في العام 2012 ، ويتوقع أن يصل إلى 0.6 % في العام 2013 على أن ينمو 1.1% في العام 2014 ، وذلك وفق منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية التي تخوفت من الوصول إلى مرحلة انكماش تضخمي ، مما يمكن أن يؤثر سلباً على أداء الاقتصاد العالمي .
وبما أن الاستثمار أهم عنصر من عناصر التنمية والعلاقات الدولية ، فقد شهد عام 2012 والنصف الأول من عام 2013 ، هدوءاً نسبياً في حركة الاستثمارات الدولية الخارجية المباشرة بعيداً عن التقلبات الحادة ، لكن معدلات نموها تباطأت على نحو ملحوظ عن بداية الانتعاش الذي سجل في العامين السابقين ، وقد سجلت انخفاضاً بنسبة 18% عام 2012 إلى 1.3 تريليون دولار ، مقارنة ب 1.6 تريليون دولار في عام 2011 .
وهذا التراجع يكاد يساوي المنخفض الذي وصلت إليه عام 2009 ، بسبب التباطؤ المشهود في النمو في الدول الصاعدة ، إلى جانب تفاقم ضعف الاقتصاد العالمي ، مما يؤثر في ارتفاع هوامش “,” عدم اليقين “,” بالنسبة إلى المستثمرين الدوليين .
وعلى الرغم من استمرار عوامل الضعف الهيكلي في اقتصادات الدول المتقدمة وفي النظام المالي الدولي ، يتوقع “,” وفق تقرير اونكتاد “,” أن ترتفع الاستثمارات الدولية الخارجية المباشرة بشكل متواضع إلى 1.4 تريليون دولار عام 2013 ، ثم إلى 1.6 تريليون دولار عام 2014 ، وهو نفس المستوى الذي سجله فى عام 2011 ، ولكن في حال استمرار المخاطر الحالية على حالها ، يمكن أن يتأخر الانتعاش لفترة أبعد من ذلك .
الاستثمار في الخليج
خلافاً لوضع حركة الاستثمارات العالمية المتراجعة ، سجل تدفق الاستثمارات الخارجية المباشرة الوافدة إلى العالم العربي زيادة بنسبة 9.8 % إلى 47 مليار دولار عام 2012 مقارنة مع 42.9 مليار دولار عام 2011 ، وذلك وفق تقرير حديث صادر عن المؤسسة العربية لضمان الاستثمار وائتمان الصادرات .
وجاء هذا الارتفاع كمحصلة لمزيج من العوامل السلبية والإيجابية المؤثرة على مناخ الاستثمار في الدول العربية ، والتي تتضمن تراجع استقطاب الاستثمار في غالبية الدول التي تشهد التحولات والدول المجاورة والمتأثرة بها ، في مقابل زيادة التدفقات إلى بعض الدول المستقبلية الرئيسية ولاسيما الخليجية منها .
وقد برزت خلال العقد الماضي امكانات هامة في دول مجلس التعاون الخليجي ، حيث ارتفع رصيد الاستثمار الأجنبي المباشر فيها بمقدار عشرة أمثال ، ولاسيما في كل من السعودية والإمارات اللتين تشكلان حالياً أكبر اقتصادين في المنطقة ، ولوحظ أنه منذ عام 2003 ، حدثت زيادات كبيرة في تدفق الاستثمارات بين دول المجلس ، مما ساهم في ارتفاع الاستثمارات من متوسط مليار دولار سنوياً بين عامي 1990 و2000 ، لتصل إلى أكثر من 40 مليار دولار عام 2012 ، وتحتل السعودية المرتبة الأولى بحصة 12.2 مليار دولار ، والإمارات المرتبة الثانية بحصة تجاوزت 9.6 مليارات دولار ، لذلك تم تصنيف هاتين الدولتين بأنهما الأفضل لجذب الاستثمارات .
الاستثمار في مصر
على الرغم من استمرار حالة “,” عدم اليقين “,” في مصر وهي من بلدان الربيع العربي التي لاتزال تشهد متغيرات سياسية وتطورات أمنية ، فقد حلت المرتبة السادسة على لائحة حركة تدفق الاستثمارات الواردة إلى العالم العربي ، وبلغت حصتها 2.8 مليار دولار في العام 2012 ، وهو رقم كبير جداً مقارنة مع العام 2011 الذي سجل انكماشاً بمبلغ 483 مليون دولار ( وفق المؤسسة العربية لضمان الاستثمار ) .
ولاشك في أن الوضع الاقتصادي المصري المتردي ، كان من الأسباب الرئيسية لاندلاع الثورة في مصر ، وواضح أن حقبة الثورة انعكست كساداً في السياحة وتدفق الاستثمارات ، ولكن العام 2012 كان يحمل آمالاً واعدة للمصريين في عهد “,” الإخوان المسلمين “,” برئاسة محمد مرسي .
وترافق ذلك بوعود قطرية على لسان رئيس وزراء قطر ووزير خارجيتها في حينه ، الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني ، بضخ استثمارات في مصر بقيمة 18 مليار دولار خلال 5 سنوات ، منها 8 مليارات في مشروعات ضخمة تشمل محطات للكهرباء والغاز الطبيعي المسال ومصانع في مختلف النشاطات ، إلى جانب 10 مليارات دولار في مشروع سياحي عملاق في الساحل الشمالي ويشمل مرسى يخوت بمارينا ، اضافة إلى ذلك مشروعات عمرانية وإسكانية في التجمع الخامس والغردقة وشرم الشيخ ، على أن تمول الاستثمارات القطرية مشروعات مشتركة تحقق أرباحاً للبلدين .
وخلافاً لتدفق الاستثمار القطري ، وعقب تولي جماعة الإخوان المسلمين الحكم في مصر منتصف عام 2012، هرب عدد من المستثمرين السعوديين والإماراتيين والكويتيين وحتى المصريين ، مع استثماراتهم ، بانتظار أن يحدث أمرين : الأول ، حالة من التوافق السياسي والثاني عودة الأمن .
ويرى بعض هؤلاء المستثمرين أن هذين الأمرين في طريقهما إلى التحقيق تدريجاً في “,” العهد الجديد “,” بعد الإطاحة بعهد “,” الإخوان المسلمين “,” ، مع الإشارة إلى أهمية الدعم الخليجي لمصر والبالغ 12 مليار دولار من 3 دول هي السعودية والإمارات والكويت ، حتى أن قطر ( في رأي هؤلاء المستثمرين ) لن تتوقف عن سلسلة الدعم الذي سبق أن قدمته لمصر في السنوات الماضية .
استثمارات “,”هيرمس “,”
في ظل الأوضاع السياسية والاقتصادية التي تشهدها السوق المصرية ، تضاءلت فرص تنمية ايرادات مجموعة “,” هيرمس “,” المالية التي أشارت إلى أن هذه السوق لم تشهد منذ عام 2010 أي طروحات أولية جديدة ، الأمر الذي أثر على أداء بنوك الاستثمار وشركات السمسرة في مصر بشكل كبير ، ولكن “,” هيرمس “,” استطاعت خلال الربع الثاني من العام الحالي تنمية ايراداتها المجمعة بنسبة 6% ، وجاء معظمها من عملياتها الإقليمية .
وبحسب قوائمها المالية ، بلغت الإيرادات التشغيلية المجمعة للشركة خلال الربع الثاني من العام الجاري نحو 506 ملايين جنيه ( 72.3 مليون دولار ) ، كما بلغ صافي الربح بعد خصم الضرائب وقبل خصم حقوق الأقلية ورسوم خفض قيمة الأصول 81 مليون جنيه ( 11.6 مليون دولار (
وأوضحت “,” هيرمس “,” أن رسوم خفض قيمة الأصول المرتبطة ببعض الاستثمارات أدت إلى تحقيق صافي خسائر بعد خصم الضرائب وقبل حقوق الأقلية بلغ 29 مليون جنيه ( 4.1 مليون دولار (
وقالت المجموعة إنها تعمل على تطبيق استراتيجية متكاملة لخفض المصروفات التشغيلية إلى نحو 500 مليون جنيه ( 71.4 مليون دولار ) في عام 2014 .
وأشار الرئيس التنفيذي لبنك الاستثمار بالمجموعة المالية “,” هيرمس “,” كريم عوض ، إلى أن الشركة استمرت في توسيع أنشطتها بدول الخليج على مدار النصف الأول من العام ، سعياً للتغلب على تراجع الإيرادات من أنشطتها بالسوق المصرية ، مؤكداً استمرار تطبيق هذه السياسة في المستقبل مع دراسة جميع الفرص المتاحة لتعظيم الإيرادات من العمليات بمصر .
ويبدو أن فشل “,” هيرمس “,” بالحصول على موافقة هيئة الرقابة المالية بمصر على صفقة اندماجها مع “,” كيو انفست “,” القطرية ، والتي كانت ستضخ 300 مليون دولار في الاقتصاد المصري ، قد خيب آمالها لجهة الاستمرار في توسيع استثماراتها في مصر ، والاتجاه نحو التوسع في منطقة الخليج .
وفي عملياتها الإقليمية نجحت الشركة في تنفيذ صفقة استثمارية ضخمة بسوق الإمارات المتحدة ، لكن تأخر الموافقات الرقابية أدى إلى تأجيل تسجيل الإيرادات الخاصة بها للربع الثالث من العام الحالي . كما شارك فريق العمل في عدة صفقات هامة لم يتم استكمالها ، مثل تقديم الاستشارات لشركة “,” فيمبلكوم “,” (VIMPELCOM ) الروسية في محاولتها للاستحواذ على الأسهم حرة التداول لشركة “,” أوراسكوم للإتصالات “,”
ولفتت الشركة إلى أن الفريق الخاص بترويج وتغطية الاكتتابات نجح في تأمين عقود استشارات لصفقات جديدة في الأسواق الإقليمية الرئيسية مثل الإمارات والسعودية ، ويكثف جهوده لزيادة عملياته في منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا ومنطقة جنوب الصحراء الكبرى الإفريقية .
وأضافت الشركة أن فريق الاستثمار المباشر يدرس عدداً من الفرص الاستثمارية الجذابة في قطاع البنية التحتية لإدراجها تحت صندوق “,” إنفراميد “,” الذي يعد أكبر كيان استثماري متخصص في استثمارات البنية التحتية بمنطقة شمال وشرق البحر الأبيض المتوسط الذي يحصل على الاستشارات الفنية من إحدى الشركات التابعة لها .
بنك الاعتماد اللبناني
وتعليقاً على نتائج أعمالها ، أعلنت “,” هيرمس “,” أنها ملتزمة بالخطة المتعلقة ببيع أصولها غير الرئيسية وتوزيع جزءا كبيرا من العائد الناتج عن عمليات البيع على المساهمين ، مع المحافظة على رأسمالها بشكل يضمن قدرتها على تنمية عملياتها في المستقبل ، ويبدو في هذا المجال نيتها بيع حصتها في بنك الاعتماد اللبناني والبالغة 65% ، مع العلم أن هذا الاستثمار حقق لها دخلاً في العام الماضي بقيمة 39.3 مليون دولار ، وعوض جزءاً من خسائرها المحققة في استثمارات أخرى .
وفي رأي المراقبين فأن سبب اقدام هيرمس على بيع حصتها في بنك الاعتماد اللبناني يعود إلى حاجتها إلى السيولة ، خصوصاً وأنه سبق لها أن باعت حصتها في بنك عودة اللبناني مطلع العام 2010 بمبلغ 913.4 مليون دولار ، وحققت ربحاً بنحو 290 مليون دولار ، ثم اشترت في ذلك الوقت 65% من بنك الاعتماد اللبناني بمبلغ 542 مليون دولار ، إلا أن بيع الحصة في الوقت الحاضر ( وفق مصادر مصرفية ) قد لا يحقق ربحاً مقبولاً ، في ظل الأسعار الرائجة ، حيث تشهد الأسهم المصرفية في لبنان تراجعاً كبيراً ، حتى أن سعر سهم بنك الاعتماد اللبناني تراجع من 2.2 دولار ( سعر مبيع السهم لهيرمس ) إلى 1.2 دولار حالياً ، ما يعني أن الشركة ستخسر من هذا الاستثمار ، مع الإشارة إلى أن خروج “,” هيرمس “,” من الصيرفة التجارية في هذا الوقت ، ليس مناسباً بسبب الظروف المتعثرة للمصارف الاستثمارية .
الأناضول
Normal
0
false
false
false
EN-US
X-NONE
AR-SA