استعان بالفنانين في «موقعتى نيويوركوبرلين» ضد «مؤامرة الإخوان».. وأعاد الأدباء للسياسة في «اجتماع الخمس ساعات» طلب من وحيد حامد جمع 30 سيناريو تنتجه الدولة مساندة للفن.. ووعد ب«ميزانية مفتوحة» لدعم الإنتاج الثقافى في مصر عندما قرر الرئيس عبدالفتاح السيسى اصطحاب أهل الفن والثقافة في زيارته الأخيرة إلى ألمانيا، غضبت شرائح بعينها ونقلت اعتراضها بتهكم وسخرية غير مبررة إلى مواقع التوصل الاجتماعى ومنها إلى الشارع.. قد تكون هذه الموجة اعتراضا على شخوص بعينها، فنانة مثلا أو مبدع، وللجميع حق الاعتراض، لكن لم يسأل أحدهم نفسه ماذا كان على الرئيس أن يفعل، وهل يستطيع الرجل أن يرضى الشعب كله بأن يأخذ ممثلا عن كل فئة مثلا، حتى ولو حدث هذا الأمر كان سيجد من يعترض أيضا! الرئيس لم يبتدع أمرا غير متعارف عليه، فجميع رؤساء مصر كانوا على دراية كافية بقيمة الفن ودوره في تشكيل وجدان الشعوب، ولم يكن أول من أدرك أن الفن قوة ناعمة يمكن من خلالها غزو العقول والقلوب، إذ سبقه كل رؤساء مصر إلى ذلك، واستخدموا الفن والأدب كأداة قوية للتأثير وتحقيق المصالح، ففى وقت الحرب حمل الفنانون على عاتقهم مهمة التحفيز وبث الروح الوطنية، ورفع الروح المعنوية بين الجنود، وفى وقت السلم كان هدفهم الأساسى الارتقاء بالفكر وتنمية الوعى والإدراك. في يناير 1961، كان الرئيس الراحل جمال عبدالناصر في زيارة للمغرب لحضور مؤتمر رؤساء أفريقيا، وكان موكب عبدالناصر والملك محمد الخامس بالسيارة المكشوفة يخترق شوارع مدينة الرباط وسط حشود جماهيرية هائلة، ووسط هذا الحشد الضخم ظهر رجل مغربى وظل يصارع الجموع ويخترق الزحام حتى استطاع الوصول إلى السيارة التي تقل الزعيمين، وصرخ بأعلى صوته «يا سيادة الرئيس يا سيادة الرئيس»، ووصل صراخه إلى عبدالناصر، فطلب من السائق إيقاف السيارة وأشار للرجل بأن يقترب، فاقترب الرجل من السيارة وصافح الرئيس وسط ابتسامة ودهشة الملك محمد الخامس، وقال الرجل لعبد الناصر: «سيادة الرئيس متى ستعود إلى القاهرة؟»، فاندهش عبدالناصر وأجابه: «ربما بعد غد إن شاء الله»، وهنا قال الرجل لعبدالناصر «يا سيادة الرئيس بعد أن تعود إلى القاهرة إذا استطعت مشاهدة إسماعيل ياسين سلم لى عليه»، فهز عبدالناصر رأسه موافقا، ثم سرعان ما انفجر هو والملك بالضحك. عبدالناصر، كان على يقين تام بأن قوة مصر لا تكمن فقط في سياستها اتجاه أشقائها والدول الأخرى فقط، لكن أيضا في قوتها الناعمة المتسربة إلى قلوب الشعوب عبر الفن والغناء والسينما والموسيقى والأدب، فكان حريصا كل الحرص على رعاية الفن والفنانين، والمشاركة بوفود في مهرجانات فنية لتقوية العلاقات مع الدول الصديقة. وفى عهد الرئيس الأسبق حسنى مبارك، وفى إحدى زيارات الرئيس التونسى الأسبق زين العابدين بن على إلى مصر، قال للرئيس مبارك، إن التونسيين لا يشاهدون نشرة أخبار تليفزيون تونس، فسأله مبارك عن السبب، فأجابه لأنه في نفس الوقت تذاع حلقات درامية مصرية على الفضائية المصرية، وهنا أعطى الرئيس المصرى أوامره لوزير الإعلام بتزويد الرئيس التونسى بعدد من أشهر أعمال الدراما المصرية، مثل «ليالى الحلمية، الشهد والدموع، رأفت الهجان، الطريق إلى إيلات». ظهر اهتمام الرئيس عبدالفتاح السيسى بالفن منذ أن كان وزيرا للدفاع، إذ دعا عددا من الفنانين بينهم عادل إمام، وحسين فهمى، بجانب عدد من الإعلاميين لحضور تفتيش الحرب الذي أجراه بالفرقة التاسعة مدرعات في مايو عام 2013، في مشهد يعبر عن لحمة وطنية، وتناغم له مذاق خاص لا يشعر به سوى المصريين لخصوصية علاقتهم بجيشهم. أدرك السيسى أهمية رجال الفن، خاصة في ظل حكم جماعة لم تهتم بالفن أو الفنانين، بل كرسوا شيوخهم لسب الفنانات، ورفع دعاوى حسبة عليهم، وبدأ العد التنازلى لعمر الجماعة، الأخيرة لم تدرك أنها تلقى بأحد أهم الأسلحة في أي نظام، لكن السيسى التقط السلاح الذي ألقته الجماعة، وكلف العقيد أحمد محمد على، المتحدث العسكري آنذاك، بنسج خيوط قوية بين المؤسسة العسكرية وبين الفنانين، وهو ما نجح فيه العقيد الشاب لدرجة توطيد صداقته بعدد من الفنانين والنجوم. وامتد استخدام السلاح الناعم حتى وصل إلى الاعتماد على فنانين بدول عربية شقيقة، وكان أبرز الفنانين العرب خلال الفترة الانتقالية الثانية، الفنان الإماراتى حسين الجسمى، والذي تبرع بأجره في بعض الحفلات التي أحياها لصالح القوات المسلحة في احتفالات أكتوبر وغيرها. الرئيس وجه تعليماته إلى إدارة الشئون المعنوية، بإنتاج عدد من الأغانى الوطنية لفنانين ومطربين مصريين وعرب لرفع الروح المعنوية، حتى إن العام الماضى كان أكثر الأعوام الذي أنتجت فيه الشئون المعنوية أغنيات وطنية، إذ تم إنتاج 5 أغنيات، أغنية «أيد على أيد» غناء الطفل سيف مجدى، أغنية «أم الشهيد» غناء المطربة مروة ناجى، أغنية «الله أكبر» غناء المطرب بهاء سلطان، أغنية «جنودنا رجالة» غناء المطربة شيرين عبدالوهاب. كما تم منح درع تكريمى وشهادة تقدير للموزع أحمد عادل، لمشاركته في أوبريت «تسلم الأيادى» والذي عبر عن نبض الشارع المصرى وتقديره لجيش مصر العظيم، حسبما جاء في شهادة التقدير. وأثناء ترشحه للانتخابات الرئاسية التقى السيسى بعدد من الفنانين أبرزهم الراحلة فاتن حمامة، عزت العلايلى، عادل إمام، يوسف شعبان، أحمد السقا، أحمد راتب، إلهام شاهين، حسن يوسف، للتواصل معهم، والاستماع لرؤيتهم حول مستقبل الفن والإبداع، ودور الفنون المختلفة في النهوض بمستوى ثقافة المواطن. وفى احتفالية الشرطة بعيدها مطلع العام، حرص السيسى على وجود الفنانين، ووجه لهم حديثا وديا خاصا أثناء الاحتفالية، داعيا إياهم إلى الالتفات للدور الإعلامي والفنى والتركيز عليه، لما فيه من أهمية في تكوين وعى الجيل الناشئ، مشددا على تأثير الأفلام والمسلسلات في ذلك، وسأل السيسى: «من الذي سيتصدى لذلك؟ من الذي سيشكل هذا الوعى، وتوجه إلى أحمد ويسرا، ليقف الفنان أحمد السقا بين حشد من ضباط الشرطة، ويواصل السيسى وهو يقسم «والله سوف تحاسبون على ذلك». ولأن الفن أحد طرق تسجيل وكتابة التاريخ، دعا الرئيس إلى ضرورة أن تكون هناك أفلام ومواد درامية عن التحديات التي واجهتها مصر، ولا بد أن تتم كتابة التاريخ والواقع بكل دقة وعناية، حتى لا يأتى أحد ليزيف هذا التاريخ. وبعد أيام قليلة من تولى الرئيس منصبه، نظمت مؤسسة الرئاسة ماراثون دراجات، شارك فيه الرئيس ونخبة من نجوم الفن والإعلام، كان مشهدا فريدا من نوعه، فنانون إلى جوار رئيس الجمهورية في الساعات الأولى من الصباح، يستقلون الدراجات من أجل المشاركة في ماراثون رياضى، خاصة أنه من النادر أن تكون هناك فعالية في الصباح الباكر يتواجد بها الفنانون، إلا أن الماراثون سجل حضور ليلى علوى ويسرا وعزت العلايلى وهانى رمزى وحسين فهمى وداليا البحيرى وهانى مهنا، رئيس اتحاد النقابات الفنية ومسعد فودة نقيب السينمائيين. كون الرئيس السيسى جيشه الخاص من الفنانين والإعلاميين ليخوض بهم معارك دبلوماسية شعبية، وأصبح تحريك الوفد الفنى والإعلامي المصاحب للرئيس في زيارات تمثل أهمية خاصة لمصر، وتشهد حربا وهجوما شرسا من قبل الجماعة الإرهابية، أو حتى بعض الساسة بهذه الدول ممن يتخذون موقفا سلبيا تجاه ما حدث في 30 يونيو، وتولى السيسى الحكم. المعركة الخارجية الأولى التي استخدم فيها السيسى جيش القوة الناعمة، كانت بنيويورك، إذ رافق الرئيس وفد فنى وثقافى وإعلامي ضخم في زيارته إلى نيويورك خلال مشاركته في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، وهى زيارة مثلت أهمية كبرى، إذ شهدت اعترافا دوليا بنظام السيسى كرئيس شرعى منتخب يمثل بلاده في أحد أهم المحافل الدولية بالأممالمتحدة، وثانيا لكسر حدة التوتر الذي شاب العلاقات المصرية الأمريكية عقب 30 يونيو والإطاحة بالرئيس المعزول محمد مرسي وجماعته. اصطحاب وفد إعلامي وفنى ضخم، كان بمثابة رسالة ذات وجهين، الأولى للتأكيد على الدعم الشعبى للسيسى أمام الدوائر الغربية المختلفة على المستويين الشعبى والرسمى، وخاصة الإدارة الأمريكية والشعب الأمريكى، والثانية للتشويش على محاولات الإخوان لإفساد زيارة السيسى التي لها مدلول وانعكاسات سياسية هامة، إذ شارك الإعلاميون والفنانون في وقفات أمام مقر الأممالمتحدة، ومقر إقامة الرئيس، مرتدين –تيشيرتات- تحمل صور السيسى وشعارات تحيا مصر وصور الأهرامات الثلاثة. بينما مثلت زيارة السيسى إلى ألمانيا موقعة جديدة من مواقع السيسى التي استخدم فيها سلاح القوة الناعمة، ليؤكد حالة من الدعم الشعبى وراءه، فألمانيا أحد أهم دول الاتحاد الأوربي، إلا أنها اتخذت موقفا حادا عقب 30 يونيو، ومثلت زيارة السيسى لألمانيا أهمية خاصة لمصر لعدة أسباب، أهمها أن استقبال السيسى ببرلين كان آخر ورقة مبعثرة في الاعتراف الدولى بالاستقرار السياسي والاقتصادى بمصر، إلا أن التوتر الذي سبق الزيارة عبر إعلان نوربرت لأمرت، رئيس البرلمان الألمانى، إلغاء لقاء مزمعا عقده مع السيسى خلال زيارته لألمانيا، وزعم رئيس البرلمان أن قراره بإلغاء اللقاء جاء بسبب انتهاكات لحقوق الإنسان في مصر، جعل الرئيس يستعين بسلاحه الناعم مرة أخرى. حيث استبق وفد شعبى مصرى من ساسة وفنانين وإعلاميين الرئيس إلى العاصمة الألمانية برلين، ثلاث طائرات قامت من مطار القاهرة، تحمل على ظهرها أكثر من 1500 فنان وإعلامي وسياسيين وحقوقيين ليقوموا بعقد أكثر من 6 وقفات داعمة للرئيس السيسى، أمام قصر الرئاسة الألمانى، وأثناء اجتماعه بالمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل. لم يكتف الرئيس بالاعتماد على الفنانين، إذ التفت أيضا إلى الأدباء، ففى ديسبمر الماضى وجه السيسى دعوة إلى مجموعة من أدباء وكتاب ومفكرى مصر، ومن بينهم عدد من الشباب، وذلك في إطار إثراء الحوار المجتمعى والاستماع إلى رؤى النخبة المثقفة المصرية، إذ حضره عدد كبير من المبدعين والمثقفين والأدباء في قصر الاتحادية، ووقتها حضر أكثر من 25 مبدعا مصريا منهم: جلال أمين، فاروق جويدة، أحمد عبدالمعطى حجازى، جمال الغيطانى، يوسف القعيد، وحيد حامد، محمد سلماوى، فاروق شوشة، أسامة الغزالى، لميس جابر، فاطمة ناعوت. استمر الاجتماع 5 ساعات كاملة، حيث بدأ السيسى بعبارة واحدة «أريد أن أسمعكم»، لينخرط الحضور في الحديث لمدة 5 ساعات متواصلة، طالت كل شيء، إذ امتد الحديث إلى الأزمات والإرهاب والكهرباء والتعليم وقناة السويس والصحة وغيرها من الملفات المهمة التي تفرض نفسها على الساحة مؤخرا، حيث كان الكتاب والمفكرون يشتكون منذ سنوات من الانفصال بين السياسة والثقافة، واستعادهم السيسى إلى السياسة مرة أخرى في اجتماع الخمس ساعات. وخلال اللقاء طالبهم السيسى بتقديم مبادرات فكرية وثقافية، مؤكدا استعداده لتبنى ورعاية أي مقترحات بناءة، كما طالب الكاتب وحيد حامد بجمع 30 سيناريو لمسلسلات وأفلام، وأكد له أن الدولة ستشرف عليها وتنتجها، لإعادة القوة الناعمة لمصر، ووعد بتخصيص ميزانية مفتوحة من أجل دعم الإنتاج الثقافى، بهدف عودة الريادة لمصر متمثلة في قوتها الناعمة. كما استخدم السيسى العلماء كأحد أسلحة القوة الناعمة، وفى اجتماعه الأول بهم طلب منهم بشكل واضح أن يكونوا سفراء مصر في الخارج، يحظون باحترام وثقل دول منحتهم درجات علمية رفيعة المستوى، وقلدتهم مناصب هامة وحساسة بمنظومتها التنفيذية، ما يعد اعترافا ضمنيا من قبل تلك الدول بكفاءتهم، وصواب رأيهم، إذ اعتمد السيسى خلال مجلس استشارى علماء مصر التابع لرئاسة الجمهورية على مجموعة من أبرز العلماء المصريين في الخارج، ليس فقط لتقديم مقترحات ومشروعات قادرة على حل المشكلات الداخلية المستعصية تنمويا وعلى مستوى البنية التحتية، ولكن أيضا على الصعيد الدبلوماسى بتلك الدول، وبث الطمأنينة حول الأوضاع السياسية والاقتصادية في مصر، والتمهيد لإبرام تعاقدات واتفاقيات مع رجال أعمال أجانب في مجال تخصصاتهم العلمية. فيما لعب ثلاثة علماء بالمجلس الاستشارى دورا هاما خلال الأيام الماضية في إنجاح زيارة السيسى لألمانيا، كونهم مقيمين منذ سنوات في ألمانيا، وذلك عن طريق استثمار علاقاتهم الكبيرة في إجراء العديد من الاتصالات واللقاءات مع كبرى الشركات الألمانية، تمهيدا للزيارة، وبهدف الاتفاق على مشروعات كبرى يتم تنفيذها في مصر، وهم المهندس هانى عازر، خبير الأنفاق العالمى، والدكتور إبراهيم سمك، خبير الطاقة العالمى، والدكتور هانى الكاتب، الخبير في مجال الزراعة المستدامة. وظهرت جهودهم بشكل بارز في الإعداد للزيارة، والترويج الإعلامي لها من خلال البث المشترك لعدد من القنوات الفضائية، إذ حرص الدكتور إبراهيم سمك على إجراء ترتيبات جيدة لزيارة الرئيس إلى ألمانيا، والتنظيم بنفسه، والكثير من المصريين حضروا إلى برلين لاستقباله، والتواصل مع السفير محمد حجازى، سفيرنا لدى ألمانيا، لترتيب الزيارة، كما بذل مجهودات على المستوى السياسي لتوضيح حقيقة الأمور في البلاد، وهو ما كان له بالغ الأثر على العلاقات بين الجانبين. في الوقت نفسه كثف المهندس هانى عازر، جهوده في إبرام اتفاقيات جديدة مع كبريات الشركات الألمانية الرائدة مثل شركات «سيمنز، تيسين جروب، باسف، ار دبليو إى»، الأمر الذي يثبت مدى قوة التعاون الاقتصادى والعلمى بين مصر وألمانيا، كما استطاع أن يحصل على 500 فرصة لتدريب الشباب المصرى في ألمانيا. النسخة الورقية