دموع وحزن وبكاء وصراخ وصور ولافتات، هكذا كان المشهد في منطقة الوراق بالجيزة، هنا كان يسكن الشهيد، الأمين عمرو عزت، الذي لقي مصرعه بطلقات نارية على يد عناصر مجهولة أثناء خروجه من مركز شباب ناهيا. استيقظ أهالي المنطقة على خبر وفاة أمين الشرطة، وأصابتهم حالة من الحزن والألم خيمت على وجوه سكان المنطقة بالكامل، غير مصدقين لما حدث، ومصرين على القصاص مهما يكون الجاني، مؤكدين أنهم لن يتركوا حق جارهم الذي استشهد، وأنهم سينتقمون من القتلة. التقت «البوابة» والد الشهيد عقب تشييع جنازة نجله، وقلنا له: ماذا تقول للشهيد نجلك؟». فكان رده: «أقول قلبى وربى راضيين عنك، تمنيت الشهادة وربنا رزقك بيها، وده حظك ونصيبك، ورغم حزنى عليه لكن يعلم الله إنى راض بقضاء الله، وصابر، لأنى نفسى أنال درجة (وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون)». وعن آخر لقاء جمعه بالشهيد «عمرو» قال والده: «ابنى حضر في الساعة التاسعة مساء يوم الثلاثاء، كان نبطشية في القسم، وجاء وتناول معى العشاء، ومع حلول الساعة الحادية عشرة، قالى أستأذنك يا حاج لأنى رايح ألعب كورة، فقلت له يا بنى أنت مش بتتعب، ولسة راجع من شغلك اقعد ريح ونام، لكنه شهيد كان عارف نفسه ظل يمازحنى وكان متعجل، تشعر إنه ذاهب للموت وللشهادة بنفسه، ثم طلبت منه شراء دواء لأنى مريض، وده كان آخر طلب أطلبه منه». وعن صفات الشهيد قال والده: «ابنى كان معروفا للجميع بتفانيه في العمل، كان شغال في تنفيذ الأحكام، وتجار المخدرات كانوا يتمنوا رضاه، لأنه كان بينزل حملات على العناصر الجنائية الصادرة بحقها قرارات ضبط وإحضار، والصادرة ضدهم أحكام، وكان يعرض عليه العديد من الرشاوى، لكنه كان يرفض يدخل علينا وعلى أولاده قرش حرام». وقبل وفاته بأسبوع شارك في حملة تنفيذ أحكام على منطقة وراق العرب ومنطقة وراق الحضر، وتمكن من ضبط عناصر صدرت ضدها أحكام، وبعدها بيوم تلقى تهديدات بالقتل من أقارب تلك العناصر، وكنت أقوله له خد بالك، ولكن رده دائما ليا «مفيش حد بيموت ناقص عمر، عاوزك تطمئن الرب واحد والعمر واحد»، ابنى ليس له علاقة بحملات ضبط عناصر جماعة الإخوان، والشرطة تعلم من القاتل، ابنى مات لأنه صائد تجار المخدرات في الوراق، ولن أستريح حتى يتم القصاص لنجلى وضبط هؤلاء المجرمين، كنت نائمًا عندما تلقيت خبر الوفاة، أنا راجل مسن وبنام بدرى شوية، فوجئت بصراخ زوجة ابنى، واستيقظت على الخبر إن فيه ملثمين أطلقوا النار على عمرو وصاحبه بعد ماخلصوا لعب كورة، وإن هو اتصاب وذهبوا بيه للمستشفى، وعندما وصلنا علمت بخبر وفاته». واختتم والد الأمين عمرو حديثه معنا قائلًا: «أنا راضِ بقضاء الله ويكفى أن الجنازة كان بها ناس كتير، والحزن خيم على جوه الجميع، وأتمنى من الله تكون جنازتى كبيرة، ويصلى عليا ناس كتير زى جنازة ابنى الشهيد رحمة الله عليه». وقال شقيقه «إن عمرو تمنى الشهادة وكان يقول عند وفاة أي ضابط ربنا رزقه ونال الشهادة، كان طيب الخلق ويمتاز بالحزم في عمله وكان حريصًا على تطبيق القانون، نفسنا ناخد حقه ونقتص من القتلة، وكل من لوثت يده بدماء أبناء الشرطة والجيش». وقالت منى مصطفى «جارة الشهيد»: «إن عمرو وأسرته كانوا متواضعين ولم يؤذى أحدا، أو يحاول استخدام سلطته ضد الأهالي، وأغلب البلطجية كانوا بيخافوا منه في المنطقة، وحسبنا الله ونعم الوكيل في القتلة، ده لسه ربنا رزقه بمولود جديد». وفى جنازة الشهيد في شارع كفر السلمانية بالوراق، اختير «وهدان» - المُجند بقطاع الأمن المركزى - لحمل الورود، وأثناء تشييع الجنازة، خرج المجند عن شعوره، ليقود الهتافات ومن خلفه الآلاف من الضباط والمواطنين والقيادات الأمنية. وقال «وهدان» ل«البوابة»: أنا مجند بقطاع الأمن المركزى، وتم اختيارى ضمن المجندين حاملى الورد أثناء تشييع جنازة شهداء الشرطة بالجيزة، وهذا أمر صعب جدًا أن أحمل الورود لناس ضحت بعمرها علشان البلد تعيش بسلام، ومجرد التفكير في عدم تنفيذ الأمر لم يخطر على بالى، إحنا في «ميري»، وكان نفسى ماكنش ضمن المجندين الذي يتم اختيارهم لتشييع جنازة الشهداء، لأنى مش بقدر أستحمل، ومن يوم دخلت الميرى وأنا بشيع جنازات، وده أمر صعب جدًا عليا لأنى بشوف أبطال يموتوا إما على يد إرهاب غاشم، أو تجار مخدرات أيا كان السبب». وأضاف المجند: «حضرت جنازات للشهداء بعدد شعر رأسى، ونفسى مصر تكون بلد الأمن والأمان، أتمنى يأتى اليوم ويحمل لى أحد الجنود الورود، وأموت شهيد في سبيل الله، وعاوز أقول لكل أم شهيد سواء من الجيش أو الشرطة، محدش يزعل لأن الشهيد راح عند ربنا وهو في نعيم كل اللى عايشين في الدنيا يتمنوا الخير اللى هو فيه». واختتم حديثه قائلًا: «يوم الجنازة لم أشعر بنفسى، والمفترض أن أحمل الورود في الجنازة العسكرية فقط، ولكن وجدت نفسى بهتف بحرقة وأردد هتاف «لا إله إلا الله الشهيد حبيب الله»، وربنا يرحم جميع الشهداء الذين ضحوا علشان ناس كتير غيرهم تعيش في أمان وسلام». النسخة الورقية