المحكي والحكَّاي

استقبل الناس فى مصر والعالم العربى خبر وفاة الشاعر العظيم عبد الرحمن الأبنودى (الملقب بالخال)، بكل الأسى والحزن لأن الخال ولو أنه من الشعراء الأفذاذ فى العامية ويكمل الثنائى فؤاد حداد وصلاح جاهين، إلا أنه امتاز بقربه الشديد من جميع الناس وجميع الطبقات خاصة الطبقة البسيطة، وذلك لأنه لم يكتف بالشعر السياسى أو الغنائى أو تجميع التراث والسير الشعبية المختلفة بل أضاف إليهم "الحكاوى" التى كان يحكيها بمصاحبة الرباب (جمع ربابة) وآلات الإيقاع الشعبية والمنشدين فى تجمعات شعبية يشارك فيها بالاستماع والاستمتاع كل طوائف الشعب المصرى والتونسى (السيرة الهلالية)، ولذلك كان لخبر وفاته بعد صراع طويل مع المرض وقع الصاعقة على كل محبيه وعلى خصوصا لأنه كان صديقا، ولو أن التعامل بيننا لم يسفر إلا عن أغنية لمحمد منير (كل الحاجات بتفكرنى)، وأغنيتين لنجاة لم يسمعهم الناس، وتوزيع أغنية التوبة التى غنتها الفنانة منى عزيز التى رفض أن يأخذ أى أجر ولا حتى أجر التنازل لأنه مدح فى هذا التوزيع وفى غنائها ولأنها فى بداية طريقها الفنى.
رحم الله من كان يرحم الناس ويعلى قيمة الفن على القيمة المادية وهكذا كان الأبنودى أو كما تطلق عليه الفنانة الكبيرة نجاة "نودى".
ولأن نودى أو الخال له صلات حميمة بالوجه البحرى كما بالوجه القبلى فقد رثاه الشاعر ودكتور الأسنان محمود مرسى بقصيدة بعث بها إلى تقول:
كلمتك ياخال صعيدية وسيرتك هلالية
آلام فاطنة والعمة آمنة وألارض مصرية
تطلع سواقى تنزل سواقى بالدم مروية
والبنت كبرت وراحت لحالها
لكن إنت خالها والاسم باقى عدوية
كلمتك ياخال محبوبة ومين زيها
الناس تموت وهى باقية لوحدها
جوه البيوت على جذع شجرة توت فوق الخدود ويّا الجنود
ويابختها
حلفت بسماها وبأرضها وإزاى ياخال تغيب
والعندليب غنوته مكتوبة بخطها
تهون كتير وتصحى الضمير
ويوماتى بأرجعلها وأحط راسى على كتفها
وأنا جل ماأقول التوبة ترمينى تانى المجادير
ياخال على شطها
والدكتور محمود مرسى شاعر قاهرى وبعث إلى بهذه القصيدة فى نفس يوم الوفاة وأظن أن الناس تعرفه لأنه يقدم شعره فى حفلات فرقة المصريين وهو الذى كتب أغنية "صلوا على خير الأنام، صلوا على طه الرسول"، وهى من ألحانى وغناء المطرب القادم بقوة "زجزاج".
أيضا بعث إلى الشاعر عبد الناصر قناوى وهو من الأقصر القصيدة الآتية:
يافاطنة جايلك فى البريد مرسال
شيعة حراج الجط فى الحال
عارفه يا فاطنة الواد لسمرانى
أبو جلب أخضرانى
إلى جال فى النهار موال
جاى من بلاده البعيدة
جايبلك غناوى جديدة
أبو ضحكة تطيب الجرح
أحلى ما فى الطرح
زينة الرجال
عرفتيه
مانتى يافاطنة إلى سمتيه
عبد الرحمن
تشوفيه تجولى عليه غلبان
بس جواه أبو زيد
فارس بنى هلال
قلما يتوحد الوجه القبلى والبحرى على شاعر، ولكن أنت يا خال وحدت بين القطرين ورثاك كل الناس كل بطريقته، الشاعر بشعره والمسلم بقراءة الفاتحة والمسيحى بالدعاء لك، ولكنى أزيد على ذلك فقد طلبت وأنا ضيف "دريم 2" والمذيعة رشا نبيل من وزير الثقافة أن يخصص مبنى من مبانى قصور الثقافة أو من القصور الأثرية التى تتبع الوزارة لإكمال مسيرة الأبنودى بأن فى الحكاوى ويطلق عليها "محكى الأبنودى"، ليتقدم من يريد من الشعراء الحكايين بالسير على طريقته فى التفاعل مع الجمهور، وأظن أن هذه هى أفضل طريقة لتذكر هذا الشاعر السياسى والغنائى والكاتب والحكاى الرائع الخال عبد الرحمن الأبنودى.