قال الكاتب أحمد الخميسي: إن الوسط الثقافي تلقى ببالغ الآسى نبأ رحيل الشاعر الكبير عبد الرحمن الأبنودي، لافتا إلى أنه جاء إلى القاهرة في الستينيات واستطاع مبكرا أن يلفت الأنظار إليه بقوة بديوانه الأول "الأرض والعيال". وتابع: "أظن أن حرارة الاحتجاج التي تضمنتها قصائد ذلك الديوان ستبقى طويلا. وقد ساعده الشاعر العظيم صلاح جاهين وقدمه للوسط الأدبي ونشر له كما ساعد الكثيرين من شعراء تلك المرحلة". وأضاف "اعتقل الأبنودي نحو ستة شهور في عهد عبد الناصر، مع مجموعة من الأدباء، وحينما غادر المعتقل قرر على ما يبدو ألا يعطل شعره وإبداعه بالمواقف السياسية، فانصرف إلى الشعر وكتابة الأغنية وما يعرف بالرواية الشعرية كما في "خطابات حراجي القط"، وكان السائد في مصر هو ما يكتبه صلاح جاهين، ومحاولات لتقليد ما كتبه العظيم فؤاد حداد، وأيضا أصداء لتجارب بيرم التونسي. كان شعر العامية يصب في تلك التيارات الثلاثة. وكان الكثيرون يقلدون وينسخون بدرجة أو بأخرى إعلام تلك الاتجاهات، لكن الأبنودي برز كأنما ولد شاعرا مكتملا بلغته الخاصة به وحده، وصوره، ومفرداته الجريئة التي لا يخطر لأحد أنها قد تصلح لقصيدة". وتابع "لن تسمع في كل ما كتبه الأبنودي صدى شاعر آخر سوى الأبنودي. العجيب أنه كان يظن أنه يمتاز بأنه صوت الصعيد، ولهجة الصعيد، ولو أنه كان كذلك لما أصبح شاعرا عظيما. كانت هموم الأبنودي أبعد من منطقة محددة أو لهجة محددة، وما زالت قصيدته الجميلة "لامبو" عن العجوز الذي توفى في ليل إسبانيا شاهدا على أن هموم الأبنودي كشاعر كانت أكبر من كل منطقة أو بلد. وأكد أن الأبنودي أيضا قام بتطوير الأغنية المصرية وجدد دماءها بأغنيات لا تتكرر مثل "آه ياليل ياقمر" وغيرها، منوها إلى أنه برحيل الأبنودي ينضم تراثه الشعري الجميل إلى دفتر أشواق وأحلام الشعر المصري، الدفتر الذي بدأته قامات عظيمة مثل بيرم التونسي وفؤاد حداد وصلاح جاهين. أصبح الأبنودي برحيله كلمة لا تنسى في كتاب الشعر المصري. من المؤسف جدا أن يفارقنا عبد الرحمن. رحمه الله.