صلاح عيسي: الأبنودي ابن الجنوب المخلص لفنه يقوله عنه الكاتب الصحفي والمؤرخ صلاح عيسي: "عبد الرحمن الأبنودي شاعر من العلامات البارزة في الشعر العربي وخاصة شعر العامية المصرية، في خلال النصف قرن الأخير، قدم إضافة كيفية إلي ديوان الشعر العربي فضلا عن دوره المهم جدا والرائد الذي لعبه في تطوير الأغنية العربية وإضافة رافد جديد متعلق بتطور الأغنية الوطنية، فهو من الشعراء الذين حولوا الأغنية الوطنية إلي أغنية يمكن للناس أن يتغنوا بها ويرددونها، فهي مختلفة عن الأغاني ذات الخطاب الحماسي التي كانت شائعة قبل ذلك، أغانيه يتحول فيها الوطن إلي شيء محسوس ويتفجر من خلالها المشاعر الوطنية، وهذا ما جعله عابر للأجيال منذ بدأ في ستينيات القرن الماضي حتي الآن". ويضيف: "هو رائد في مجالات متعددة كبيرة، أيضا كان رمز لتعبير الشعر عن بيئته، فمدرسة شعر العامية المصرية عندما نلاحظ تنوع الأصوات فيها، نجد صلاح جاهين ابن المدينة، وسيد حجاب ابن البحيرة، وأحمد فؤاد نجم ابن حواري القاهرة وما نسميه الأحياء العشوائية، يتخلق من ذلك شعر الأبنودي، الذي يعد من أكثر الشعراء تعبيرا عن بيئة جنوب مصر في صورها وأخيلتها وتجربتها الخاصة جدا التي ربما يندر أن نجدها سواء في الشعر الفصيح أو العامي إلا عند الأبنودي، مما يؤكد التصاقه بالبيئة وتأثره بها وبأغانيها، كما أنه كان مخلصا لفنه جدا، ومن المميزات التي تلفت النظر فيه أنه يكاد يكون الشاعر الوحيد الذي حقق جماهيرية كاسحة بشعره، فربما لم يتحقق لشاعر من جماهيرية قدر ما تحقق لعبد الرحمن الأبنودي، فشوقي وحافظ شعراء كبار ومعروفين علي مستوي الأمة العربية، وإنما علي مستوي العوام وكل المدن والقري حققها الأبنودي". ويختتم عيسي: "الأمة العربية مليئة بالمواهب وكل أبناء الأبنودي، كما كان هو ابن لفؤاد حداد وصلاح جاهين، اللذان كانا أبناء لبيرم التونسي... وهكذا، فسيكون هناك دائما أجيال أخري تجدد باستمرار، يكفيه أنه حفر مسارا جديدا سواء في شعر العامية أو الفصحي". عبد المنعم رمضان: الأبنودي الشاعر أكبر بكثير من الإنسان بينما الشاعر عبد المنعم رمضان، الذي جمعته بالأبنودي رحلة إلي الرباط بالمغرب، فيقول عنه: "كان عبد الرحمن الأبنودي شاعرا موهوبا، يكاد يكون الشاعر فيه أكبر كثيرا من الإنسان، وكانت وجوه عبد الرحمن الأبنودي الإنسان تبدو وكأنها بلا عدد، وبين تلك الوجوه وتحت مظلة الرؤساء المتعاقبين فيما عدا مرسي كان وجهه السياسي هو الوجه الجدير بالشفقة والرثاء، عموما مات عبد الرحمن الإنسان رحمه الله، وسوف تبقي بعض قصائد عبد الرحمن الشاعر شاهدة علي قدرته وموهبته". عبد الرحيم كمال: فقدنا آخر الكبار المحترمين أما الكاتب عبد الرحيم كمال، الذي جمعه بالأبنودي كثير من الأحداث، من أبرزها أولي مسلسلاته "الرحايا"، الذي كتب الأبنودي أغانيه، فيقول: "فقدنا واحدا من أهم شعراء العامية في مصر، وإن سبقه بيرم وصلاح جاهين وفؤاد حداد، فهو الرابع والأهم، شاعر كبير ولا يقل أهمية في مجاله عن أم كلثوم وعبد الحليم وفاتن حمامة أو عبد الوهاب، إنه الجنوبي الذي استطاع أن يأتي للقاهرة ويصبح فيها نجم، ليس شاعرا كبيرا فحسب، وإنما أول جنوبي يستطيع تحقيق هذه النجومية بشعره ومجهوده وفنه وأن ينتصر علي العاصمة، مثلما استطاع من قبل عبد الحليم حافظ الفقير أن يأتي من الشرقية وينتصر أيضا، هؤلاء أناس خاضوا التجربة والرحلة ونجحوا فيها وصنعوا نجوميتهم بفنهم وأنفاسهم، لقد استطاع أن يعجن لغة خاصة به، قوية جدا تجاوزت فكرة العامية والفصحي، فهو النجم المثال لأطفال الصعيد الموهوبين طوال الوقت، فقد فقدنا قامة كبيرة جدا وآخر الكبار المحترمين، سيبقي الشعر، ولكن فكرة النجم ذهبت، فالرواية مثلا مستمرة وهناك روائيين ولكن ليس هناك الموهبة الجامعة العظيمة مثل نجيب محفوظ، فقط روايات عظيمة لا روائي عظيم، وهكذا الأبنودي، سيكون هناك أشعار عظيمة ولكن ليس شاعر عظيم مثله". ويتذكر كمال: "كانت علاقتي به جميلة جدا، فقد حلمت أن يكون أول مسلسل لي أشعاره وأغانيه من تأليف الأبنودي وقد تحقق ذلك، تقابلنا مرتين كانتا غاية في الجمال وظل التواصل عبر الهاتف بيننا، وحتي الأسبوع الماضي قبل وفاته، فقد اتصل بي وأخبرته أنني كتبت عنه مقال وأريد منه أن يقرأه، فقال لي "اللي يعيش يابني.. اللي يعيش"، فكانت تلك آخر كلماته لي". إبراهيم عبد المجيد: رحل صانع قلوبنا وباعث دفئها وبكثير من الحزن، ينعيه الكاتب إبراهيم عبد المجيد، قائلا: "الأبنودي حي لايموت، كانت أغنيته "عدي النهار" مع لحن العبقري بليغ حمدي وغناء حليم، هي التي رفعت رؤوسنا بالثقة بعد الهزيمة عام 1967، عرفنا أننا أقوي من كل معتدي، وأننا لن نستسلم للظلام، كانت أقوي من حر ب الاستنزاف، هكذا كان شعره وأغانيه وأفلامه، كان وسيظل روح الأمة التي لا تنام ولا تنهزم، كان ولا يزال وسيظل وطنا حين يعز الوطن". ويستطرد عبد المجيد: "لقد غادرنا الأبنودي، لكن ماضينا وحاضرنا ومستقبلنا سيظل يعزف ويغني وينتصر علي كل ظالم من الخارج أو من الداخل، غادرنا إلي مكان أفضل وجعلنا نعيش دائما واثقين في قدرتنا علي خلق زمن أفضل، عقلي يصدق الآن رحيله لكن قلبي يعرف أنه لم يرحل ولن يرحل، لأنه صانع قلوبنا وباعث دفئها«. حسني صالح: فقدنا التلقائية والعذوبة وأهم ضلع في الفكر كما جمع "الرحايا" أيضا بين الأبنودي ومخرج العمل حسني صالح، فينعيه قائلأ: "لقد فقدنا قيمة كبيرة وإنسان مخلص لأهله وناسه وبلده، فقدنا فطرة مثلما خلقت خالية من الزيف ومن أي ضغينة أو شوائب، إنه ناصع البياض، يحمل داخله كنوز الدنيا من المعرفة، والكلمة التي تسوي قوة جيوش كاملة". ويستكمل بأسي: "لا أنساه أبدا ولا أنسي حبه لي ولكل الناس ولأهله، وأصله لوالدته وزوجته وبلده والصعيد وكل شيء، لقد كان بأكمله موقف لن يتكرر، لا يمكن إيجازه، فقد فقدنا أهم ضلع في الفكر عموما وليس الشعر فقط، في الوطنية والعروبة نفسها، قيمة ليس لها حدود، فقدنا التلقائية الصعبة في تكرارها، والعذوبة، لا يمكن تلخيصه في كلمة أو اثنتين". طاهر البرنبالي: الأبنودي هو الوحيد الذي أبكاني وأنا اقرأ له ويضيف إلي ما قيل، الشاعر طاهر البرنبالي: "لقد فقدنا قامة شعرية كبيرة، فهو الوحيد الذي أبكاني وأنا اقرأ شعره عندما كنت صغيرا في شبابي، بكيت وأنا اقرأ ديوان أحمد إسماعيل، فهي سيرة ذاتية لواحد من أبناء الصعيد الذين حاولوا العيش والعمل بالقاهرة، شعر الأبنودي فيه دراما،غير منفصل عن شعبه أو أهله أو ناسه، لقد أخذهم معه بداخله، وفي الغناء أيضا، سواء أغنيات عبد الحليم حافظ أو الشعبية لمحمد رشدي وغيرها، بالإضافة إلي أغاني المسلسلات المميزة، فقد كان يتكلم بلسان حال الشعب". ويتذكر البرنبالي: "لن أنسي له أنني عندما خضعت لعملية زراعة الكبد أخبروني أنه أتي خصيصا لاتحاد الكتاب وطلب بيانات بعض الكتاب وكنت من بينهم، لتقديمها لوزير الثقافة، فأنا لم أخبره أو أشتكي له وإنما إحساسه بالآخر كان عاليا، لأن الواثق في نفسه وأشعاره يسعد ويفرح بالشعراء الآخرين". يوسف القعيد: يمثل صفحة كاملة في تاريخ العامية المصرية ومن جهة أخري، يتحدث الكاتب يوسف القعيد قائلا: "إنه رجل يمثل صفحة كاملة في تاريخ العامية المصرية وأعاد لها الاعتبار وأكمل طريق عبدالله النديم مرورا ببيرم التونسي، صلاح جاهين، وأضاف مع أحمد فؤاد نجم وسيد حجاب كثيرا للعامية المصرية، كما جعل للأغنية المصرية شكل معين، لأول مرة لا نجري وراء صوت المطرب أو اللحن، وإنما الكلمات، وأكبر مثال علي ذلك أغنيتين، الأولي "عدي النهار" التي شدت من أزر مصر بعد عام 1967، والثانية "أحلف بسماها وبترابها" بعد العدوان الثلاثي، فقد جعل كلمات الأغنية ركن أساسي للإقبال عليها، شاعر ومثقف مهم جدا، كما كان يهتم جدا بالفصحي ويراعيه أثناء كلامه، فهو صعيدي حتي أطراف أصابعه". ويستطرد القعيد: "لقد عرفته جيدا، كان يجلس معنا يوم الثلاثاء من كل أسبوع مع نجيب محفوظ، فكنا أول من يسمع شعره بمجرد الانتهاء منه، لا أنسي له عندما ذهبنا إلي قريته وزرنا متحف السيرة الهلالية، وتحمل المشقة لكي نذهب إلي قبر أمل دنقل بالقرية المجاورة له في قنا لقراءة الفاتحة، فأخذ يتذكر أوقاته مع أمل وحكاياتهم، فهم يشكلون قبيلة الصعيد مع يحيي الطاهر عبدالله وبهاء طاهر، فكانت تجمعهم دائما صلات جغرافية شديدة الأهمية". د.عمار علي حسن: الأبنودي كان ظاهرة.. ومن يبدع لا يموت وأخيرا، يرثيه الدكتور عمار علي حسن: "سمعت اسم عبد الرحمن الأبنودي في طفولتي مقترنا بالسيرة الهلالية، فظل يثير في وجداني شدو الربابة وفروسية أبي زيد وتغريبة بني هلال، ورحت أتابع دواوينه وأحاديثه ومواقفه وكلمات الأغاني التي أبدعها والحكايات التي رواها، فاختلفت مع بعض مواقفه السياسية، لاسيما منذ أوائل التسعينيات وحتي قيام ثورة يناير، ولكني اتفقت مع كل شعره كفن خالص وراقت لي قدرته الهائلة علي الامتلاء بروح الثورة حين أسترد عافيته ليصير شاعرها، وكعادته تعلم من الشعب الذي ألهمه الكثير طيلة حياته، فالأبنودي لم يكن فردا بل ظاهرة، فترك علامة لم تمحي، وكما عاش بيرم التونسي وفؤاد حداد وصلاح جاهين وأحمد فؤاد نجم سيعيش الأبنودي، يعيش لأن من يبدع لا يموت".