لا يمكنك أن تتوقف ذاكرتك عن العودة للوراء عامين، حين يلقى عليك المذيع نبأ إن المخرج أخبره توًا ضرورة الانتقال لفاصل إعلاني، هنا تلتقط أذنيك موسيقى "البرومو" التي تجبرك إن تستعيد تلك الأناشيد الدينية التي كانت تحل في الفواصل حين كان للقناة لحية وجلباب. وما أن تحاول استعادة التفاصيل تفاجأ بهذا الفارق الجديد بين القناة الآن وما كانت عليه، حيث إعلان عن برنامج جديد تقدمه مذيعة، مذيعة أي أنثى هو إذا الكائن الذي كان يحرم عليه المرور من أمام القناة وليس الظهور على شاشتها كما ترى الآن. هو إذا الشيء ونقيضه إن أمكنك الوصف، حالة تمر بها قناة الناس التي تخرج على المواطن المصري، اليوم الجمعة الموافق 17 أبريل، خالعة الرداء السلفي القصير، مستبدلة به عمائم أزاهرة و"دراويش"، لتهدف من ذلك لنشر الدين الوسطي كما يرددون. ومحطة "الناس" التي تعود بعد غلقها بعامين، تجد نفسها أمام اختبار في المقارنة مع الإطار الذي وضعت فيه أثناء تبعيتها للفصائل السلفية، حيث مطالب الجهات الدينية المشرفة عليها من الأزهر والصوفية، أن تقدم خطابا يشبع احتياج المواطن العادي للفكر الديني، خاصة في ظل حالة الارتباك التي تمر بها الساحة المصرية والعربية بعد ظهور تنظيم "داعش" الإرهابي، ومطالبات تنقيح التراث الديني. والقناة العائدة اليوم، مرت منذ انطلاقها في 2006 بثلاث مراحل، الأول كانت الترفيهية، حيث بث الأغاني الدينية، والفقرات الترفيهية، وبرامج تفسير الأحلام، علاوة على عرض لحفلات الزفاف، وطلبات التعرف بين الجنسين، وفي إطار البحث عن المال فكانت لا تمانع القناة في عرض إعلانات للمرشحين في الانتخابات البرلمانية، وخدمات الاستشارة القانونية والاقتصادية. والمرحلة الثانية ل"الناس" بدأت بعد عام من انطلاقها، أي في 2007، عندما اشترتها شركة "البراهيم" السعودية، حيث اتجهت القناة مع هذه النقلة للاتجاه السلفي وظهر عليها مشايخ الفكر السلفي بداية من الشيخ محمد حسان، والشيخ محمد حسين يعقوب، والشيخ أبوإسحاق الحوينى، والشيخ محمود المصرى. وشهدت القناة نقلة نوعية بانطلاق الثورة، حيث كانت في البداية ترفض الخروج على الحاكم، فيما بعدها بشهرين بالضبط، راحت تروج لما عرف وقتها وجاء على لسان "يعقوب" ب"غزوة الصناديق"، لتبدأ القناة من هنا بث نوع من الخطاب الديني المتسيس والذي كان أحد أسباب الاستقطاب السياسي في المشهد المصري منذ انطلاق الثورة وحتى اليوم. أم المحطة الأخيرة للقناة والتي تبدأها اليوم، هو عودتها ولكن بثوب أزهري، صوفي، حيث اشتراها رجل الأعمال محمد أمين، ويقدم من خلالها مضمونا يقال انه سيكون "إسلاميا وسطيا". والمضمون المرتقب يقول المحلل في شئون الطرق الصوفية، مصطفى زهران، في حاجة لأن يكون مدققا جدًا ومجودا، حتي يستطيع منافسة الخطاب السلفي الذي استطاع جذب شرائح كبيرة من الشارع المصري. ولفت إلى أن الصوفية تحديدًا أمام اختبار كبير بهذه القناة، حتى تستطيع أن تعيد اتصالاتها مع المواطنين، وتخرج من عزلتها، مشددًا على أنها امام تحدي بأن تشعر المواطن من خلال القناة الاختلافات التي تعاني منها الطرق الصوفية. وشدد على إن عودة القناة بنفس الاسم ونفس الشعار، يحتاج لتفسير، حيث يطرح السؤال هل القائمون على القناة غير قادرين على ان يقدموا قناة باسم او شعار جديد. يذكر إن مالك القناة وشريكيه السعوديين باعوا القناة، لإحدى الشركات الإعلامية الجديدة التابعة لرجل الأعمال المصري محمد أمين، وجرى اجتماع في الهيئة العامة للاستثمار، منذ أسبوعين، للموافقة على المحتوى، والبرامج التي ستقدمها القناة، وسياستها العامة، ومدى اتفاقها مع الشروط المتعارف عليها لإطلاق أي قناة. وتمت الموافقة على نقل الملكية وإطلاق القناة من نفس التردد على القمر الصناعي النيل سات، واستوديوهات القناة بمدينة الانتاج الإعلامي.