قبل نحو 7 سنوات شهدت صحيفة «الدستور» معركة خاضها «تلميذ» ضد «أستاذه». كان الشيخ يوسف القرضاوى، رئيس الاتحاد العالمى لعلماء المسلمين، قد أجرى في هذه الفترة حوارًا صحفيًّا مع «المصرى اليوم»، تحدث فيه عن «التهديدات الإيرانية لوحدة الأمة الإسلامية والعبث الذي تمارسه بجهودها لتشييع مجتمعات سنية». أثار حوار «القرضاوى» جدلًا كبيرًا، سمع دويه في القاهرةوطهران، خصوصًا أنه جاء مقترنًا ب«تصاعد الهيام الشعبى العربى» ب«ظاهرة حزب الله» اللبنانى، المدعوم من إيران، وأمينه العام حسن نصر الله، وذلك بعد معاركه ضد إسرائيل. كان لا بد لطهران أن تتصدى ل«عاصفة القرضاوى» داخل العالم العربى والإسلامى، لكن من يقوم بهذه المهمة؟. اختار فهمى هويدى -لا نعلم بتوجيه أم لا- أن يدخل على خط المواجهة، فكتب مهاجمًا «القرضاوى» تحت عنوان: «أخطأت يا مولانا». لم يتوقف «هويدى» عند حاجز تفنيد تصريحات «القرضاوى»، إنما دخل «منطقة محظورة»، إذ اتهم أستاذه ب«التمهيد لتوجيه ضربة عسكرية ضد إيران». أنقل هنا جزءًا من مقال «هويدى» في «الدستور»: «لو أن الدكتور يوسف القرضاوى استخدم في حديثه عن الشيعة معيار (الموازنات) الذي تعلمناه منه، وألف فيه كتاب (الأولويات) لما قال ما قاله في الأسبوع الماضى (يقصد تصريحات القرضاوى عن المد الشيعى)، ذلك أننا إذا افترضنا أن كلامه صحيح والآراء التي عبر عنها لا غبار عليها، فإن ذلك سيكون بمثابة دعوة إلى مخاصمة الشيعة، والاحتشاد ضد إيران، والتهوين من شأن إنجازات ودور حزب الله في لبنان، وإثارة الشقاق والفرقة بين الشيعة والسنة في أكثر من بلد عربى، خصوصًا في العراق ودول منطقة الخليج، وهو ما سيؤدى تلقائيا إلى تراجع أولوية الصراع ضد إسرائيل، وتهيئة الأجواء لتوجيه الضربة العسكرية الأمريكية ضد إيران». احتد على شيخه أكثر مما ينبغى واستغرب كثيرون ذلك، وكتب البعض: «فهمى هويدى عندما يعظ القرضاوى»، لكنه لم يبالِ، فإذا تعلق الأمر بإيران فليذهب «القرضاوى» إلى الجحيم. قبل أيام وقعت بين يدى ورقة بحثية تحت عنوان: «هل إيران تشكل خطرًا على الدول العربية؟»، أعدها الباحث عبدالرحيم البخارى. اتخذ «البخارى» جانب إيران في كل القضايا والأزمات، سواء في العراق، أو سوريا، أو لبنان، أو اليمن، وكان طبيعيا أن يعتمد بشكل رئيسى في «المراجع» على ما كتبه فهمى هويدى. اختتم «البخارى» بحثه بجزء مهم وكاشف من كتاب فهمى هويدى «إيران من الداخل»: «إلى حد كبير، فقد نجحت الآلة الإعلامية الجبارة، ذات القدرة الفائقة على تشكيل الأعماق وغسيل المخ، في قلب الصورة الإيرانية بالكامل في الوعى العام. واستثمرت في ذلك أخطاء إيرانية، إضافة إلى هزال الإعلام الإيرانى وعجزه، وطوق الحصار المحكم الذي فرض على الثورة الإيرانية، بعد أشهر قليلة من نجاحها». هذا النص يكشف كيف يفكر فهمى هويدى، وما موقفه من طهران، وحكم «الملالى»، بل إنه يُرجع كل أخطاء إيران إلى «المؤامرة الكونية» على ما يعتبره «حصن المقاومة الأخير»، وينقد «ضعف الإعلام الإيرانى» في التصدى ل«الهجوم العربى الغربى». هل كان هويدى يعرض خدماته على إيران؟ قصة كتاب «إيران من الداخل» الذي صدر في عام 1987، وقت أن كانت إيران من المحرمات في «العقل المصرى» بل العربى، تستحق أن تروى هنا. إذا أمسكت هذا الكتاب ليس بعيدًا أن «تتعمم» بعد أن تفرغ منه، «الإعجاز» في تصوير «الثورة الإسلامية» باعتبارها «ظاهرة سماوية»، كان مدهشًا. غامر «هويدى» بكل شىء -العلاقات بين مصر وإيران شبه منقطعة من بعد قيام الثورة واستقبال السادات للشاه رضا بهلوى- من أجل الترويج ل«حكم الملالى»، بل لا نبالغ إذا اعتبرنا كتابه هذا وكتاباته الأخرى من أهم أدوات «الاختراق الشيعى» للعالم العربى. بعد سنة تقريبًا من المواجهة بين «هويدى» و«القرضاوى»، كان الأول ضيفًا على إيران بعد إجراء الانتخابات الرئاسية لعام 2009، ليكون أول صحفى عربى يجرى حوارًا شاملًا مع الرئيس الإيرانى وقتها محمود أحمدى نجاد. العودة إلى الأرشيف في هذه الحالات على قدر كبير من الأهمية، ولننظر مثلًا إلى صياغة «وكالة أنباء فارس» لخبر زيارة فهمى هويدى إلى طهران. قالت «وكالة أنباء فارس» في تغطيتها للزيارة إن فهمى هويدى من «المفكرين المصريين المؤيدين للمواقف المعادية ضد الكيان الصهيونى التي يعتمدها الرئيس محمود أحمدى نجاد، ويدافع دائمًا عن مواقف النظام الإسلامى في إيران». ما مناسبة كل هذا الحديث الآن؟ مع تدهور الأوضاع في اليمن وتصاعد قوة جماعة عبدالملك الحوثى عاد «الحديث الغائب» عن الدور الإيرانى في زعزعة الاستقرار في كل الدول العربية تقريبًا. في لبنان من خلال «ميليشيا حزب الله»، وفى العراق من خلال الدعم الكامل لحكومة رئيس الوزراء العراقى السابق نورى المالكى، ومذابحه ضد السنة، التي أفضت إلى تفكيك العراق تقريبًا، وفى سوريا عبر وضع كل الإمكانيات المادية والتسليحية في خدمة نظام بشار الأسد، وفى اليمن بدعم «المتمردين الحوثيين». في اعتقادنا أن المواجهة مع إيران لن تكون عسكرية، أو دبلوماسية فقط، إنما تتطلب بشكل رئيسى الوقوف ضد كل رجال المرشد الأعلى، وفى مقدمتهم فهمى هويدى. يقف هويدى مع إيران في كل الأزمات، لا يرى أي خطورة في محاولاتها «التبشيرية»، ف«لا يوجد تبشير بالشيعة، فهذه مجرد دعوة لمذهب يقوم به بعض الأفراد المقتنعين بأن من واجبهم الدعوة إلى هذا المذهب»، كما يرى صاحبنا. يعتقد «هويدى» أن الخوف من «المد الشيعى» في مصر مثلا «غير مبرر»، بل يتجاوز ذلك: «لا يوجد ما يسمى المد الشيعى أصلًا، إنما يوجد إعجاب بالنموذج الشيعى في إسقاط الشاه، ويوجد إعجاب بالنموذج الشيعى في مقاومة إسرائيل». لا يخفى الرجل إعجابه بكل ذلك: «أنا نفسى معجب بهذه النماذج، وهذا لا يعنى أننى شيعى أو أدعو إلى التشيع». يغفل كل أطماع إيران في المنطقة العربية، ويرى أنه «لا وجود للأطماع الإيرانية»: «هذا ما يريدونه في الغرب أن نخاف من إيران، فلا نتحد معها سياسيا، لأنهم يعرفون لو أن السنة اتحدوا مع الشيعة سياسيا لتغيرت موازين القوى في العالم كله، ولكن المقصود من الدول المهيمنة الكبرى ألا يحدث أي تقارب بين إيران والدول السنية». من بين أبرز المشاهد في علاقة فهمى هويدى وإيران، كان هجومه على شيخ الأزهر أثناء زيادة الرئيس الإيرانى ووفد مصاحب له إلى المؤسسة -إبان حكم الرئيس المعزول محمد مرسي- بعد حديث الإمام الأكبر في المؤتمر الصحفى الذي أعقب اللقاء عن اضطهاد السنة في طهران وبغداد. المشهد الثانى كان مهاجمته «مرسي» بسبب «ترضيه» على الصحابة أثناء حضوره قمة عدم الانحياز بطهران، لقد تخلى فهمى هويدى حتى عن أصدقائه من الإخوان من أجل إيران. لا تكفى هذه الأوراق للحديث عن علاقة فهمى هويدى مع إيران أو استرجاع مشاهد كثيرة جمعت بينها، فقد وضع الرجل كل أوراقه ومدافعه تحت «أقدام المرشد الأعلى». مجلة "البوابة"