لم يعد الأمر كلية معتمدًا على الكتمان، فأحيانًا يكون للموقف دواعيه التي تدفع نحو الإعلان المتقطع عن خبر أو اثنين بصيغة استفزازية، لا لشيء إلا أنك تريد أن ترسل لمعارضيك مضامين فحواها: "إنني ما زلت هنا". هكذا يتعامل الشيعة المصريون مع ملف "الحسينيات"، متخذين سياسات الإعلان من وقت لآخر عن تدشين "حسينية" في غفلة من الدولة، ليخرج المهتمون بمحاربة التشيع رافضين متوعدين. وفي قراءة لثقافة "الحسينيات" التي يعتمدها المذهب الشيعي، تلقى "البوابة نيوز" الضوء على مدى انتشار هذه الثقافة لدى الشيعة في مصر، وكيف لهم التحايل على المنع الذي تمارسه الدولة المصرية، تجنبًا لانتشار هذا المذهب. ما هي الحسينية؟ تعرف الحسينيات أولًا في المذهب الشيعي بمكان تقام فيه الطقوس، وفي نفس الوقت يصلح للصلاة، فالحسينية لديهم يمكن أن تكون مسجدًا، أما المسجد لا يكون حسينية. ويختلف المسجد عن الحسينية في أنها ليس لها نفس القدسية التي يحظى بها المسجد، بما يعني أنها لا تشترط في دخولها الطهارة. وتقام أيضًا في الحسينيات حفلات الزواج، ومناسبات العزاء سواء كانت الخاصة أو العامة منها ويقصد بها إحياء ذكرى وفاة الأئمة الاثني عشرية. وتعتمد الحسينية على فكرة إحياء ذكرى كربلاء واعتبارها محاولة لدفع اتباعهم للسير على خط التضحية على غرار الحسين حفيد النبي -صلى الله عليه وسلم- ويعد أول من وضع هذه الفكرة هو الأمام الرابع في الأئمة الاثني عشر ويعرف بزين العابدين. في مصر فقط... الحسينيات تخشى أن ترفع نقابها "حسينيات في مصر" ربما يكون هذا نوع من الهراء، أو البحث عن العدم إن حاولت أن توصف، لا تعرف إن كان ذلك راجع لموقف أزهري رافض كلية لهذه الطقوس الشيعية ومن ثم يمتد هذا الرفض للأماكن الذي تقام فيه، أما لموقف من تلك المؤسسات الأمنية التي تتعقب كل ما يحمل حرف "الحاء" لإغلاقه، ربما يكون هذا وذاك ومعهم ثالث يبرر هذا الاختفاء هو رفض أو تخوف شعبي من كل ما يحمل لفظ شيعي. ولكن هذا الاختفاء لم يلبث أن يكون دائمًا حتى قطعه زيارة للرمز الشيعي اللبناني، والمقيم في مدينة "قم" الإيرانية، الشيخ على الكوراني، ليعلن في زيارته للقاهرة في مايو 2012، عن أول حسينية في مصر وتحديدًا في القاهرة. وأعقب هذا الإعلان موجة من الرفض الأزهري، التي خلفت في النهاية غلق للحسينية الأولى. وفي ثاني إعلان رسمي عن حسينيات في مصر، كانت بعد زيارة "الكوراني" بعام ونصف، على لسان رئيس البحوث العلمية بالبحرين، محسن العصفور، عندما أعلن على حسابه الخاص على موقع التغريدات القصيرة "تويتر"، عن تدشين اربع حسينيات في القاهرةوالجيزة والإسكندرية، بالتعاون مع مكتب المرجع الشيعي المعروف آية الله السيستاني. وتعد لحظات الإعلان الصريح عن وجود حسينيات في مصر استثنائية، حيث كان ومازال الشيعة في مصر، يتبنون منهج الخشية من فكرة الإعلان والمجاهرة بحسينياتهم، حيث يذهبون إلى إقامتها في منازلهم وتحت نوع من السرية الكاملة لتفادي تعقب الأمن أو الأهالي. قيادات الشيعة منازلهم والحسينيات سواء وفي محاولة لتفادي حالة الرفض الرسمي والشعبي التي يحملها المصريين ضد فكرة الحسينيات وثقافتها، لجأت القيادات الشيعية في مصر لتحويل منازلهم لحسينيات، ولكن وفقًا لمعايير وظروف معينة. في البداية قال علاء السعيد، المتحدث الإعلامي باسم ائتلاف الصحاب وآل البيت: إن القيادات الشيعية عندما تقرر أن تحول منازلها لحسينيات، فهي تشترط أن يكون البيت على أطراف المدن والمحافظات حتى لا يسمع منها صوت ويبلغ عنها الأهالي، مثلما حدث مع الشيعي المقتول حسن شحاتة منذ عام، الذي قيل وقتها أنه حول بيته إلى حسينية. وأوضح إن أبرز المناطق التي يتواجد فيها حسينيات في مصر، هي مدينة 6 أكتوبر، حيث يتركز العراقيون، مشيرًا إلى أن الشيعة منهم يقومون على إقامة حسينيات في بيوتهم، علاوة على قرية الرجدية في طنطا، حيث منزل القيادي الشيعي المعروف عماد قنديل، المشرف على جمعية "أحباب العترة المحمدية". ومن ضمن القيادات الشيعية الذي يشرف على حسينية خاصة في منزله هو سالم الصباغ في المحلة. ولفت السعيد إلى أن أبرز المناطق التي توجد في قلب الجيزة ومشهورة بالحسينيات هي منطقة العمرانية، حيث يوجد بها مكان ثابت لا يتغير وعلى علم من الدولة، وأشار إلى أن في عرف التحايل الذي يتبعه الشيعة يتم تغير المنازل التي يقومون فيها بحيث لا يتم رصدهم أو التعرف عليهم. وواصل: أن المشهد في أسوان وصل لمرحلة خطيرة، حيث حول بعض المتشيعين أماكن بعض الساحات الشعبية إلى أسماء شيعية، مثل ساحة الرسول الأعظم، وساحة موسى الكاظم، علاوة على رفع الرايات الخضراء ومكتوب عليها "لبيك يا حسين" فوق الأضرحة. وشدد السعيد على أن القانون والدستور المصري لا يحتاج لأي إضافات تفيد منع وتجريم إقامه الحسينيات، مشيرًا إلى أن هذا التجريم موجود بالفعل من خلال رفض الدولة إقامة أي دور للعبادة بخلاف المساجد والكنائس. الصوفية المتهمة دومًا بستر التشيع استمرارًا لتلك الاتهامات الموجهة دومًا للطرق الصوفية، بكونها تمارس التستر على النشر الشيعي في مصر، وما إذا كانت تتعمد فعلًا هذا التستر أو أنها مستخدمه من قبل الشيعة ويسهل اختراقها؛ إلا أن هذا لا يمنع أن الصوفية في مصر يسمحون بترك باب خلفي للشيعة لضمان تواجدهم. ومن أبرز سبل استغلال الصوفية في مصر من قبل الشيعة، قال "السعيد": إنهم إذا ما أرادوا الحصول على تراخيص لتدشين حسينيات فهم يحصلون على تراخيص ما يعرف ب" الحضرة الصوفية" لا للحسينية". وفي هذا الإطار نجح الشيعة في الحصول على تراخيص لترميم أضرحة صوفية قديمة، أو إقامة أضرحة جديدة، بهدف تحويلها لحسينية سرًا. وتم ذلك مع ضريح الإمام سلامة الرضا، والسيد الشاذلى، وضريح السيد أبو العزائم، وضريح الإمام صالح الجعفري، وضريح الإمام على زين العابدين بن على، وضريح الإمام محمد بن الحنفية الأخ غير الشقيق لسيدنا الحسن والحسين، وأخيرًا ضريح الإمام مالك الأشتر، الذي يعد أخطر وأحدث حسينية في مصر، نظرًا لمكانة الأشتر لدى الشيعة، علاوة على دفن شقيق شيخ طائفة البهرة في نفس الضريح.