وزارة الإسكان تقرر تعميم و نشر المعايير الإرشادية لمعلومات البناء    عاجل- حراس المسجد الأقصى يحبطون محاولة مستوطنين ذبح "قربان حي" في باحاته    وزير الخارجية التركي يطالب برفع العقوبات الغربية عن سوريا    مجلس النواب يحيل 33 تقريرا عن اقتراحات النواب للحكومة    موعد امتحان الأنشطة والمواد غير المضافة للمجموع لطلاب «تانية ثانوي» في القليوبية 2025    وزير التعليم العالي يعلن سياسات تنفيذ إطلاق الجامعات المتخصصة لدعم رؤية مصر 2030 ومتطلبات الثورة الصناعية الخامسة    أكبر انخفاض يومي .. سعر الذهب فى مصر يهبط لأدنى مستوى فى شهر    أشرف العربى إطلاق تقرير "حالة التنمية في مصر" 18 مايو بشراكة مع "الإسكوا"    ما موقف من تضرر من أزمة البنزين المغشوش ولا يمتلك فاتورة؟.. البترول توضح    الحركة الوطنية: «تكافل وكرامة» نجح في توفير مظلة الحماية الاجتماعية    موعد تسليم دفعة جديدة من وحدات مشروع جنة بالقاهرة الجديدة    رسميًّا.. 30 فرصة عمل في شركة مقاولات بالسعودية -تفاصيل    روسيا تسقط 230 مسيرة أوكرانية خلال أسبوع    العراق يتسلم رئاسة القمة العربية التنموية الاقتصادية والاجتماعية من لبنان    جدل في واشنطن حول نية ترامب قبول طائرة فاخرة هدية من قطر    مدرب الأهلي المحتمل - لا ينام عند الخسارة ولا يستهدف إسعاد اللاعبين في أبرز تصريحات ريفيرو    ماذا يحتاج اتحاد جدة للتتويج بلقب الدوري السعودي    دياز: أتمنى البقاء في ليفربول لأطول فترة ممكنة    نور خالد النبوي أمام النيابة.. اتهام بالتسبب في اصطدام مروري والفرار من الموقع    حبس متهم بإدارة كيان تعليمي وهمي للنصب على المواطنين بالجيزة    المشدد 6 سنوات لعاملين لاتجارهم في الهيروين بالقناطر الخيرية    «بعبع» تسريب امتحانات الثانوية العامة.. هل يتكرر في 2025؟| ننشر خطة «التعليم» كاملة    تأجيل محاكمة عامل وعمه قتلا شابا فى شبرا الخيمة ليونيو المقبل    عاجل.. الأرصاد تحذر من موجة حارة جديدة في هذا الموعد    وزير الأوقاف: شيخ الأزهر الإمام الشيخ حسن العطار شخصية مصرية جديرة بعشرات الدراسات    تكريم غادة جبارة ومنال سلامة في افتتاح مهرجان المسرح العالمي    الجمهور يفاجئ صناع سيكو سيكو بعد 40 ليلة عرض.. تعرف على السبب    إعلام عبرى: قوات من الجيش ودبابات وناقلات جند تمركزت قرب نقطة تسليم عيدان    أحمد زايد: تطوير الأداء بمكتبة الإسكندرية لمواكبة تحديات الذكاء الاصطناعى    البحث عن السعادة.. «الطائر الأزرق» يختتم عروضه على مسرح 23 يوليو    موعد وقفة عرفة 2025.. فضل صيامها والأعمال والأدعية المستحبة بها    مجلس الوزراء يستعرض بالإنفوجراف جهود الدولة لتوطين صناعة الدواء    استمرار حملة "تأمين شامل لجيل آمن" للتعريف بالمنظومة الصحية الجديدة بأسوان    طب القاهرة تحصد اعتمادًا أوروبيًا كأحد أفضل مراكز رعاية مرضى قصور عضلة القلب    التعليم: فتح باب التقديم للالتحاق بالمدارس المصرية اليابانية (المرحلة الثانية) لعام 2025- 2026    سقوط المتهم بالنصب على راغبي السفر ب«عقود وهمية»    فابريزيو: ألونسو يوقع عقود تدريب ريال مدريد    حسام المندوه يكشف تفاصيل الوعكة الصحية لحسين لبيب    عاجل- رئيس الوزراء يتابع ملفات الاتصالات.. ومبادرة "الرواد الرقميون" في صدارة المشهد    هل يجوز للحامل والمرضع أداء فريضة الحج؟    سهير رمزي: بوسي شلبي جالها عرسان ورفضت بسبب محمود عبدالعزيز    جامعة المنيا: الكشف على 570 مواطنًا بالقافلة المتكاملة فى قرية بني خيار    إنبي: ننتظر نهاية الموسم لحساب نسبة مشاركة حمدي مع الزمالك.. وتواصل غير رسمي من الأهلي    براتب يصل ل 500 دينار.. 45 فرصة عمل بالأردن في شركات زراعية وغذائية وصناعات خشبية (قدم الآن)    محافظ أسيوط: توفير 706 فرصة عمل لشباب الخريجين بمراكز المحافظة    لماذا يرتدي الحجاج "إزار ورداء" ولا يلبسون المخيط؟.. د. أحمد الرخ يجيب    أكبر صندوق سيادي بالعالم يسحب استثماراته من شركة إسرائيلية بسبب المستوطنات    ما حكم الأضحية إذا تبين حملها؟.. الأزهر يوضح    الجيش الملكي يتأهل لدوري أبطال أفريقيا.. والوداد يذهب للكونفدرالية    البنك الأهلي يرغب في ضم كريم نيدفيد    طالب بهندسة قناة السويس يواصل تألقه العالمي بتحكيمه في أكبر مسابقة روبوتات دولية بأمريكا    انطلاق فعاليات الدورة التدريبية الرابعة بجامعة القاهرة لأئمة وواعظات الأوقاف    الرعاية الصحية: لدينا 13 ألف كادر تمريضي بمحافظات التأمين الصحي الشامل    رئيس جامعة حلوان يشهد افتتاح فعاليات المهرجان الأول لتحالف جامعات إقليم القاهرة الكبري    رئيس «دي إتش إل» يتوقع استفادة من التوترات التجارية بين واشنطن وبكين    ما شروط وجوب الحج؟.. مركز الأزهر للفتوى يوضح    المجلس الوطني الفلسطيني: قرار الاحتلال استئناف تسوية الأراضي في الضفة يرسخ الاستعمار    3 أبراج «مكفيين نفسهم».. منظمون يجيدون التخطيط و«بيصرفوا بعقل»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قواعد الاستقطاب الخمسة في التجنيد
نشر في البوابة يوم 26 - 03 - 2015

لا تحتاج عملية الهدم من الوقت ما يستغرقه البناء، رغم صحة تلك المقولة هندسيًا إلا أن التعويل عليها في التعامل مع فصائل الإسلام السياسي على الساحة المصرية، ومنها في المنطقة ككل، يندرج تحت باب «الظن» الذي لا يسلم بعضه من «الإثم»، وقد يكون تجاهل الطريقة التي دشنت بها الفصائل الإسلامية المختلفة بشقها الإخوانى والسلفى والجهادى الدافع الأكبر خلف الاعتقاد بيسر عملية الهدم، بدرجة تصل إلى التسفيه أحيانًا، فجماعات رصت بنيانها لبنة فوق أخرى على مدى أعوام طويلة وحقب سياسية مختلفة، بعضها أمام أعين الدولة وأخرى متوارية عنها، لن تنجح بضعة شهور في القضاء عليها، كما يظل الحل الأمنى وحده قاصرًا عن ذلك، بل يحتاج إلى خطة ممنهجة وفهم أصيل لإستراتيجية البناء، حتى تتمكن من الهدم وإعادة البناء وإلا لظل الركام المتراص عائقًا أمام الدولة وتقدمها.
«الإخوان» توحشوا قواعديا خلال حقبة «المخلوع» واختلف منهجهم باختلاف الهدف
في إطار فهم «إستراتيجية البناء» بحثت «البوابة» في خطة الاستقطاب التي اعتمدت عليها تلك الفصائل منذ نشأتها إلى الآن لضم عناصر جدد وتوسيع قاعدتها الشعبية، إلى أن وصل عدد المنتمين إلى تلك الجماعات المختلفة من بضعة مئات إلى مئات الآلاف، والوقوف على لغة الخطاب الذي استخدموه، وديموغرافية العناصر المستهدفة، والطريقة التي اعتمدوا عليها في الاستقطاب، ومنها إلى عملية ما بعد الاستقطاب «الدمج والتصعيد»، ونقاط الالتقاء والاختلاف بين تلك الجماعات، والتغيرات التي طرأت على خطتها الاستقطابية عبر الفترات السياسية المختلفة.
ومن الملاحظ أن جماعات الإسلام السياسي على اختلافها انطلقت من أفكار شبه واحدة، ولغة خطاب متقاربة، لا تختلف في الجوهر بقدر ما تختلف في ترتيبهم وتأخير البعض وتصدير الآخر، انطلاقًا من الأهداف التي تسعى إلى تحقيقها، سواء كانت سياسية كما هو الوضع مع جماعة الإخوان المسلمين، وهو ما جعل خطابها يعتمد بصورة رئيسية على الفساد وسلبيات المجتمع، والوقوف للحكومة بالمرصاد، وتقديم نفسها كبديل وإنشاء مجتمع موازٍ، مقدمة ذلك على هدف «إقامة دولة الخلافة»، لاعتماد منهجها على الإصلاح التدريجى، أو دينية كما في الدعوة السلفية التي ظلت بعيدة عن السياسة إلى ما قبل الثورة، واعتبار واقتصار عالمها على «المسجد» والجمعيات الخيرية الملحقة به، ومن ثم اعتمد خطابها على تصدير لهجة «العودة إلى الله وإصلاح الفرد ومن ثم الجماعة» انطلاقًا من الآية: «إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ»، وأخيرًا الجهادية التي اعتمدت على هدم دولة الكفر وإقامة دولة الإيمان، وهو ما يجعل خطابها يصدر مبدأى الجهاد والتكفير.
كما يلاحظ أن الجماعة الواحدة لم تتبن خطابا استقطابيا ثابتا لا يتغير، فلقد كانت لغة تلك الجماعات تتمحور باختلاف البيئة المحيطة والعناصر المتاحة أمامها، فنجد مثلًا أن الجماعات الجهادية لم تكن تتبنى في السبعينيات نفس الخطاب الذي تتبناه «داعش» الآن، من إقامة دولة الخلافة، بل كان ذلك هدفا تاليا يأتى بعد الهدف المصدر، وهو مواكبة القضايا المثارة آنذاك، من مواجهة الكيان الصهيونى، ومناصرة القضايا الإسلامية كالقضية الفلسطينية وأفغانستان، والأمر ذاته مع جماعة الإخوان التي ركزت على الجانب الروحى وحالة الإحباط التي أصابت الشعب عقب هزيمة 67، وتصدير خطابها الدينى والفرار إلى الله، وهو الذي اختلف في فترة مبارك مثلًا، حيث اعتمد خطابها الاستقطابى على مواجهة فساد السلطة، والتركيز على مفاسد الحكومة، وتقديم بديل للمواطنين وتمنياتهم بدولة العدل، وإيهامهم بأنها الأقدر على تحقيقها.
الإخوان اعتمدوا المدارس لتجنيد المراهقين
الخطاب
تباين الخطاب الذي تبنته جماعة الإخوان المسلمين بهدف السيطرة على الشباب واستقطابهم إلى الجماعة، ما بين خطاب دينى بحت في مرحلتها الأولى (التأسيس في الإسماعيلية) اعتمد على القدرة على الخطابة واللباقة التي امتاز بها حسن البنا، وبعد انتقال الجماعة إلى العمل السياسي عام 1938 تغير الخطاب، ليتناسب مع أهداف الجماعة الجديدة من الوصول إلى الحكم، فتحول من الحديث عن عظمة الجنة إلى عظمة الحضارة الإسلامية البائدة، وضرورة استعادتها، وتصدر المسلمين مكانتهم التي يستحقونها في العالم كقائد لا تابع، وعقب النكسة تغير خطابها مرة أخرى ليلائم الحالة النفسية السيئة للمصريين آنذاك، ويوفر لهم جوا روحانيا يمثل مهربا، وخلال الحقبة «الساداتية» تغير خطابهم الاستقطابى مرة أخرى بشيطنة «الشيوعية والاشتراكية»، وترهيب الناس منها وتصدير نفسهم كبديل تحت شعار براق «الإسلام هو الحل»، وهو الذي استمر خلال فترة حسنى مبارك، التي كانت الأنشط «استقطابيا».
وهو ما اتفق عليه عدد من الباحثين في الإسلام السياسي والقيادات السابقة بالجماعة، فقال خالد الزعفرانى: إن الجماعة اعتمدت في خطابها على جذب عناصر جدد على فكرة جاهلية المجتمع، والسعى إلى تطبيق الشريعة، وبيان ما في المجتمع من مفاسد وتقديم رؤية مغايرة عن ذلك تسحر أعين من يسمعها، حتى إذا كان دربًا من خيال وغير قابلة للتنفيذ على أرض الواقع، كما اتضح خلال العام الذي حكمت فيه والذي لم يختلف نموذج الحكم الذي قدمته عن نموذج حكومات مبارك، فضلًا عن خطاب آخر يركز على الجانب الروحانى، مشيرًا إلى أن خطابها كان يتغير بتغير العناصر المستهدفة، والمدخل لكل شخص ليس واحدا، حسب طبيعة ذلك الشخص ونوع الخطاب الذي قد يستهويه ويجذبه.
وقال سامح عيد: إن الجماعة اعتمدت في بعض الفترات على استغلال جرح الكبرياء داخل الجماعات العربية، وانهيار كل المشاريع النهضوية ومواجهتها، سواء مشروع محمد على أو جمال عبد الناصر، ومن ثم اعتمدوا على فشل تلك المشروعات للانطلاق منها من شعارهم «الإسلام هو الحل» الذي كان له أثره النفسى الكبير في الانجذاب له.
الأهداف
وهى العناصر التي تمثل هدفا تسعى الجماعة إلى ضمه إلى قواعدها، انقسمت طبقًا للباحث سامح عيد إلى نوعين، الأول أهداف تسعى الجماعة إلى ضمها، وهم أبناء الطبقة الوسطى، لاسيما المتفوقين منهم دراسيًا، غير المتمردين أصحاب مبدأ «السمع والطاعة»، أما أبناء الطبقة الغنية فقد كانوا العناصر الأكثر جذبًا لها، ومع ذلك كان استقطابهم أكثر صعوبة لتنافى عنصر التكافل المجتمع الذي تستقطب به أبناء الطبقة الوسطى، وكان ضم أحدهم يعد مكسبا لها، وتمنحه وضعه داخل الجماعة، والوجاهة والشعور بالأهمية حتى يستمر معها، ويمثل أحد عناصر الإنفاق عليها فيما بعد. أما النوع الثانى، فهم المتعاطفون مع الجماعة التي لم تكن تسعى إلى ضمهم تنظيميًا حتى لا يمثلون عليها عبئا وهم الطبقة الكادحة والفقيرة، فكانت تكتفى بالتواصل معهم في المناطق العشوائية الفقيرة من خلال الحملات التي تصنعها والشوادر لبيع المنتجات بأسعار مخفضة، ومراعاتهم من جانب جمعياتها، حتى تضمن أصواتها الانتخابية، إلا إذا كان أحدهم «نبغة» ومتفوقا، فتسعى إلى ضمه والإنفاق عليه للاستفادة منه فيما بعد.
«المحبطة- المطيعة- المتفوقة- النشطة».. هذا ما أكد خالد الزعفرانى، القيادى الإخوانى المنشق، أن الجماعة كانت تركز عليه خلال اختيار أهدافها، فما أن يجد الإخوانى في محيطه شخصيات محبطة سواء لظروف شخصية أو ظروف المجتمع يبادرون بالتقرب منهم في محاولة إخراجهم من تلك الحالة واصطحابهم إلى دروسهم، واحتضانهم من قبل المجتمع الإخوانى لحين اندماجه معهم، مشيرًا إلى أنهم يهتمون أيضًا بالشخصيات المطيعة التي لا تكثر الأسئلة والجدال حتى تقبل ب«الأمر والطاعة» ولا تتمرد عليهم.
وأضاف: إن الشخصيات ذات النزعة الدينية المرتفعة تمثل أهدافا جاهزة وسهلة لدى الإخوان، يسهل التقرب منها وضمها من خلال المدخل الدينى، وإقناعهم أنهم يسعون إلى إقامة الشريعة، موضحًا أن ذلك العنصر هو الذي جعل للإخوان سطوة داخل المجتمع الأزهرى، فكثير من الأسر الإخوانية كانت تلحق أبناءها بالتعليم الأزهرى، والذين يتولون مهمة استقطاب زملائهم، والتي كانت يسيرة جدا، خاصة أن كثيرا من طلبة الأزهر مغتربون بعيدًا عن أسرهم، ومن ثم من السهل احتواؤهم من قبل الجماعة، وتوفير جوا أسريا ورعاية بديلة لهم، ومن ثم يصبح الطالب منتميا إلى الجماعة ربما أكثر مما ينتمى إلى أهله.
الإستراتيجية
يؤكد الباحثان سامح عيد وخالد الزعفرانى أن إتاحة مبارك الفرصة للإخوان خلال عصره للعمل العلنى والظهور والاشتراك في الانتخابات النقابية جعل من النقابات أهم العناصر التي ساعدت الإخوان في تشكيل قاعدة جماهيرية ضخمة، من خلال الخدمات التي يقدمونها، والشعارات التي يطلقونها، وفوز العديد منهم برئاستها أو مناصب قيادية فيها.
أما الطبقة الوسطى، فاستقطبت الجماعة العديد من عناصرها في المجتمع الموازى الذي قدمته، والذي يحتك بالمواطن على مستوى المحافظات ويقدم له العلاج عبر مستوصفات صحية بأسعار مخفضة أو قوافل طبية، أو حتى تضامن، إضافة لنوع الإخاء الذي افتقده المجتمع المصرى واستبداله بقيم العولمة، وأضاف سامح عيد: إن الجماعة استطاعت أن تستقطب العديد من عناصرها عبر «المجتمع الرحيم» الذي دشنته لهم، كبديل لانسحاب السلطة، وسدا للفراغ الذي تركته فيهم، وتغير قيم المجتمع،
وبعد عملية الاستقطاب وتسكين العناصر الجديدة في أسرتها تبدأ عملية ملاحظة وفرز يتم على أساسها تصعيد العناصر وترقيتها.
الجهاديون
فيما يتعلق بالمشهد الجهادى، فإنه يحول العديد من الاختلافات وفترات الركود إلى فترة زهوته الحالية، ويقول مصطفى زهران، الباحث في شئون الجماعات الجهادية: إن الجماعات الجهادية تربطها علاقة عكسية مع تيارات الإسلام السياسي الأخرى، ففى الوقت الذي نشطت فيه جماعات الإسلام السياسي على رأسهم الإخوان خفتت فيه تلك الجماعات، والعكس صحيح، ففى الوقت الذي تختفى فيه تظهر تلك الجماعات بصورة أكثر توحشًا، متبنيه خطابًا أكثر عنفًا، كما يحدث الآن من «داعش».
الخطاب
وأشار «زهران» إلى أن الجماعات الجهادية منذ نشأتها في السبعينيات وأبرزهم الجماعة الإسلامية، اعتمدوا على خطاب ملائم مع المرحلة التي نشأوا فيها، حيث الصحوة الإسلامية والاهتمام بقضايا الأمة ومواجهة الكيان الصهيونى، ومن يعتبرونهم عملاء لهم من الحكام العرب، وهو الخطاب الذي تبنى الصدارة، تلاه الخلافة الإسلامية كحلم بعيد أو هدف مؤجل، واتخذت الجهاد كإستراتيجية لتنفيذ ذلك، وأساس لاستقطاب عناصرها، الذين لم تتسع أعدادهم كما في الإخوان والسلفيين، نظرًا لطبيعة المصريين الوسطية وبعدهم عن العنف، إلا أن ذلك لم يمنعهم من استقطاب عدد من الشباب الجامعى، خاصة ممن تفاعلوا بصورة كبيرة مع الأحداث في أفغانستان وإيران، وقامت تلك الجماعات بتسفير عناصرها إلى أفغانستان لتلقى التدريبات العسكرية هناك.
وأشار «زهران» إلى أن تلك الجماعات بدأت تخفت في فترة التسعينيات بفضل الضربات الأمنية الموجعة التي وجهت لهم، ولجوء قاداتهم إلى المراجعات الفكرية، وظلت في فترة ركود، إلا بعض الأنشطة في سيناء، وظهور جماعات بأسماء مختلفة متمركزة في سيناء بهدف معلن، وهو مواجهة الكيان الصهيونى كجماعة «أنصار بيت المقدس».
وأضاف: إنه عقب الثورة وأمام حالة عدم الاستقرار والفراغ الأمنى استطاعت تلك الجماعات في أن تنشط مرة أخرى، إلى أن وجدت البيئة الخصبة لانفجارها عقب سقوط نظام الإخوان وفض اعتصام رابعة، ورغم أن تلك الجماعات تكفر الإخوان ونظام حكمهم، إلا أنها ما كان لها أن تضيع أمامها فرصة في الظهور كبديل لهم، وحمل مظلوميتهم، ومحاولة إعادة تشكيل قواعدها المستمدة من عناصرها.
الأهداف
العناصر المضطهدة الأكثر جذبًا للجماعات الجهادية التي تحدث غالبًا داخل السجون والمعتقلات، فلقد استطاعت الحالة الجهادية استقطاب العديد من العناصر من داخل المعتقلات، سواء في الحقبة الناصرية أو ما تلاها في فترة حسنى مبارك، وانتهاكات وزارة حبيب العدلى، حيث تركز على تنمية هدف «الثأر» لدى تلك العناصر، وتمنيتهم ب«الجنة»، وإقناعهم أنهم على صواب، والقيام بعمليات غسيل مخ لهم، مستخدمين بعض النصوص الدينية وتفسيرها تفسيرًا يحقق أهدافهم.
وتعد قواعد جماعة الإخوان من الأهداف الجاهزة لدى الجماعات الجهادية التي انضم جزء منهم بالفعل إلى تلك الجماعات سواء في سيناء أو بالسفر للانضمام إلى صفوف داعش، أو الانضمام إليهم فكريا من خلال الإيمان بالعمليات المسلح، والكفر بسبل المقاومة السلمية، واستهداف الضباط وحرق سيارات الشرطة والتفجيرات.
الإستراتيجية
وفيما يتعلق بالإستراتيجية التي تعتمد عليها تلك الجماعات لاصطياد أهدافها، فمن خلال زرع عناصرها بين التنظيمات الإسلامية الأخرى «السلفية - الإخوانية»، واختيار أنشط عناصرها وأكثرهم حماسة، لتبدأ تلك العناصر في الحديث إليهم أكثر عن الجهاد، وتبغضهم في المجتمع، وجاهليته، وتفتنه بفكرة الجهاد المسلح، والموت في سبيل الله، ثم تبدأ تلك العناصر في التواصل مع تنظيماتها، لتوفير فرصة سفر إلى تلك الشخصيات سواء إلى سيناء أو خارج مصر.
ويلعب الإنترنت دورا رئيسا في تجنيد الشباب حاليًا، بداية من جذبهم بالفيديوهات التي يخرجونها، وفكرة الجهاد والدولة الإسلامية التي يقنعونهم بها، نهاية إلى التواصل معهم من خلال مواقع التواصل الاجتماعى باستخدام برامج معينة تمنع رصدهم من قبل الأمن، ويظلون على تواصل معهم لحين ضمهم إليهم.
وأكد «زهران» أن ما حققه تنظيم «داعش» فتن العديد من الشباب وجعلهم يشعرون أنهم يستطيعون المشاركة في دولة الخلافة، ويرغبون في أن يصبحوا جزءا من تلك الانتصارات، هروبًا من حالة الإحباط التي تسيطر عليهم.
السلفيون
يعد المشهد السلفى الأكثر تباينًا بين الإخوانى والجهادى، إذ أنه لم يكن يتخذ من السياسة هدفًا له كما فعل المعسكر الإخوانى، كما لم يكن يسعى إلى الصدام مع السلطة كما المعسكر الجهادى، ومن ثم وقف في منطقة وسط، وتصادم مع الإخوان، ونشب فيما بينهما تنافس قوى في عملية استقطاب عناصر جديدة بالتزامن مع الصحوة الإسلامية والثورة الإسلامية في إيران في فترة السبعينيات، وصل إلى درجة التصادم بينهما احيانًا، وكانت الجماعات السلفية تنظر إلى الإخوان بنظرة الريبة والشك، باحتكار تعاليم الدين لتحقيق مصالحها، ونبع ذلك من رفض الأولى العمل في السياسة وتجنبها باعتبارها رجزا، واعتبار الانتخابات نظاما كافرا أتت به الأنظمة العلمانية، على عكس الآخر الذي يشارك فيه.
الخطاب
اعتمد خطاب الجماعات السلفية مُتمثلا في الجمعية الشرعية التي نشأت عام 1912 كجمعية دعوية خيرية، وجمعية أنصار السنة المحمدية التي خرجت من رحمها، وما تلاها في فترة الصحوة الإسلامية من تأسيس للدعوة السلفية في الإسكندرية عام 1972، على العودة إلى أصول الدين وفهم سلف الأمة له باعتباره صحيح الدين، ومواجهة البدع التي تصل إلى «الكفر» في عقيدتهم، والتي تتبعها الصوفية، مُتجنبين الحديث عن السياسة من قبيل عدم اعترافهم بها، لأنها لا تقوم على الشرع، ومن ثم التعامل معها بمبدأ التجاهل والمقاطعة، وتصدير خطاب صلاح الفرد والتوحيد لله.
الأهداف
انتشرت تلك الجماعات في القرى، حيث المستوى التعليمى المنخفض، ومن ثم سهولة السيطرة على هؤلاء، فضلًا عن المجتمع الجامعى، ويقول الدكتور عمار على حسن: إن الجمعية الشرعية لعبت دورا كبيرا جدًا في السيطرة على عقول الناس، الذين كانوا يقدسون علماءها، ويستمعون لكل ما يقولون، مشيرًا إلى أنه خلال زيارته لقريته وهو طالب في الجامعة سمع أصدقاءه يتحدثون عن شيخ الجمعية الشرعية الذي يستمعون له في المسجد بمنتهى الانبهار، ودعوه إلى الذهاب معهم وحضور أحد دروسه، فذهب بالفعل، وصدم من المتحدث الذي لم يكن يستحق ذلك الإبهار، وليس لديه من العلم ما يؤهله للحديث، ووصفه وقتها لأصدقائه ب «الدجال»، إلا أنهم رفضوا حديثه عنه بتلك الطريقة.
الإستراتيجية
مراحل الاستقطاب عند السلفين، في إحدى الأوراق البحثية له في التصفية، وهى تصفية عقائد المسلمين من كل ما يعتبرونه مخالفة شرعية، وإقناعهم بالمنهج السلفى في الحياة، ثانيا، مرحلة التربية، وهى التي تجعل من الفرد سلفيا صالحا، حيث يتم دعوة وتربية أغلبية المسلمين على هذه الكتب الصافية من أي أخطاء، وثالثا المفاصلة، حيث يعلن المؤمنون انفصالهم عن الحكام الذين لا يحكمون بما انزل الله، ويعلنون أن هؤلاء الحكام على باطل، رابعا الجهاد، وهو في حالة إذا ما رفض الحكام الالتزام بالإسلام بعد الإنذار السابق، فحينئذ يجاهدهم أهل الحق، لأن الصفوف في هذه الحالة ستكون قد تمايزت.
من النسخة الورقية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.