الأول "جامعيين": التحاقي بالقوات المسلحة كان حلم الطفولة وشرف العمر    وزير الاتصالات: تنفيذ عدد من المشروعات لتوظيف تكنولوجيا المعلومات وتقنيات الذكاء الاصطناعى فى إدارة الموارد المائية    ترامب يغادر البيت الأبيض بعد قليل متجها إلى الشرق الأوسط    نتنياهو: الحرب لم تنته لأن جزءًا من أعدائنا يبني قدراته ويستعد للهجوم علينا    الخارجية الفلسطينية تؤكد أهمية ربط خطة ترمب للسلام بمرجعيات القانون الدولي    الصحفي الذي لم يغادر الميدان إلا شهيدًا.. من هو صالح الجعفري الذي اغتيل على يد ميليشيات مسلحة في غزة؟    منتخب مصر يتقدم على غينيا بيساو بهدف نظيف في الشوط الأول    تدريبات تأهيلية لثلاثي الزمالك خلال مران اليوم    تريلا تدهس توك توك أعلى كوبري بدمياط ومصرع شخص جراء الحادث    "السياحة": منصة رحلة تتيح زيارة 112 موقع أثري في مقدمتها الأهرامات والمتحف الكبير    عضو بالحزب الجمهوري الأمريكى: السيسي أنقذ الشعب الفلسطيني من التهجير    وائل جسار يُحيى حفلا غنائيا فى لبنان الأربعاء المقبل    وكيل صحة سوهاج: انطلاق الفحص الطبى الشامل لطلاب المدارس لمدة 3 أشهر    تعرف على تشكيل كرواتيا ضد جبل طارق بتصفيات المونديال    «مدبولي» يتلقى مكالمة هاتفية من نظيره الجزائري لمتابعة تحضيرات اللجنة العليا المصرية الجزائرية المشتركة    التحريات تكشف تفاصيل جديدة في حادث سقوط السقالة بمدينة السادات في المنوفية    أحمد موسي: كانت هناك محاولات لإفشال مفاوضات شرم الشيخ لكن ترامب ضغط لإجرائها    خطوات إضافة مواليد على بطاقة التموين 2025    نتائج اليوم الثاني لمنافسات الكبار ببطولة العالم لرفع الأثقال البارالمبي بالعاصمة الإدارية    بيحبوا يصحوا بدري.. 5 أبراج نشيطة وتبدأ يومها بطاقة عالية    هل التدخين يبطل الوضوء؟ أمين الفتوى: يقاس على البصل والثوم (فيديو)    أسامة الجندي: القنوط أشد من اليأس.. والمؤمن لا يعرف الإثنين أبدًا    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : أول الحذر..ظلمة الهوى000؟!    إصابة أولمو تربك حسابات فليك قبل مباراة جيرونا    قافلة طبية بجامعة الإسكندرية لفحص وعلاج 1046 مواطنًا بالمجان في الكينج مريوط (صور)    بسبب عدم مشاركته ضد بلغاريا.. حارس تركيا يترك المعسكر دون إذن    قيادات وأساتذة جامعات بقائمة المعينين بمجلس الشيوخ.. بالأسماء    بعد حادث الوفد القطري.. رئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية القطري يستقبل سفير مصر في الدوحة    تأجيل إستئناف المتهم الرئيسي ب " تظاهرات الألف مسكن "    أوسكار عودة الماموث.. فيلم يخطو نحو الإبهار البصري بقصة إنسانية مؤثرة    20 أكتوبر.. انطلاق جولة «كورال وأوركسترا مصر الوطني» بإقليم القناة وسيناء    الخريف.. موسم الانتقال والحنين بين دفء الشمس وبرودة النسيم    تأجيل الدعوى المقامة ضد إبراهيم سعيد لمطالبته بدفع نفقة ابنه    رئيس وزراء لبنان يطلب من الخارجية تقديم شكوى ضد إسرائيل في مجلس الأمن    رئيس منطقة مطروح الأزهرية يكرم الطالبة هاجر إيهاب فهمي لتفوقها في القرآن والخريدة البهية    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم 12-10-2025 في محافظة الأقصر    دمياط: فصل المياه في بعض المناطق منتصف الليل حتى الثامنة صباحا    مصر تدين الهجوم على مركز لإيواء النازحين بمدينة الفاشر السودانية    الخريف موسم الانتقال... وصراع المناعة مع الفيروسات الموسمية    بالأسماء.. الرئيس السيسي يُصدر قرارا بتعيينات في مجلس الشيوخ    نجوم الأهلي في زيارة حسن شحاتة بالمستشفى للاطمئنان على حالته الصحية    سويلم يلتقى نائب وزير البيئة والزراعة السعودى ضمن فعاليات أسبوع القاهرة الثامن للمياه    "سلامة الغذاء" تنفذ 51 مأمورية رقابية على السلاسل التجارية في أسبوع    إصابة 5 فى تصادم سيارة ملاكى وتوك توك وتروسكيل بطريق برج نور أجا بالدقهلية    مستشفيات مطروح تقدم 38 ألف خدمة طبية وتجرى 206 عمليات جراحية خلال أسبوع    رئيس الضرائب: التعامل بالفاتورة الالكترونية والإيصال الإلكتروني يعزز الشفافية    تنفيذ ورش تدريبية مجانية لدعم الحرف اليدوية للمرأة في الأقصر    "الوطنية للانتخابات" تواصل تلقي طلبات الترشح لانتخابات مجلس النواب 2025 لليوم الخامس    الداخلية تضبط أكثر من 106 آلاف مخالفة مرورية في 24 ساعة    محافظ أسوان يتابع استكمال تشغيل المراكز الطبية ضمن منظومة التأمين الصحي الشامل    مدارس التكنولوجيا تعيد رسم خريطة التعليم الفنى    محمود ياسين من نادى المسرح فى بورسعيد إلى ذاكرة الوطن    مراكز خدمات «التضامن» تدعم ذوى الهمم    مصر تتسلم رئاسة المنظمة الدولية للتقييس "أيزو" لمدة 3 أعوام بعد فوز مشرف ومستحق    غدًا.. عرض أفلام مهرجان بردية السينمائي في ضيافة المركز القومي للسينما بالهناجر    «كفى ظلمًا».. حسام المندوه: أدخلنا للزمالك 800 مليون جنيه    وزير الأوقاف فى الندوة التثقيفية بالإسماعيلية: الوعى أساس بناء الوطن    استبعاد معلمي الحصة من حافز ال 1000 جنيه يثير الجدل.. خبير تربوي يحذر من تداعيات القرار    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قواعد الاستقطاب الخمسة في التجنيد
نشر في البوابة يوم 26 - 03 - 2015

لا تحتاج عملية الهدم من الوقت ما يستغرقه البناء، رغم صحة تلك المقولة هندسيًا إلا أن التعويل عليها في التعامل مع فصائل الإسلام السياسي على الساحة المصرية، ومنها في المنطقة ككل، يندرج تحت باب «الظن» الذي لا يسلم بعضه من «الإثم»، وقد يكون تجاهل الطريقة التي دشنت بها الفصائل الإسلامية المختلفة بشقها الإخوانى والسلفى والجهادى الدافع الأكبر خلف الاعتقاد بيسر عملية الهدم، بدرجة تصل إلى التسفيه أحيانًا، فجماعات رصت بنيانها لبنة فوق أخرى على مدى أعوام طويلة وحقب سياسية مختلفة، بعضها أمام أعين الدولة وأخرى متوارية عنها، لن تنجح بضعة شهور في القضاء عليها، كما يظل الحل الأمنى وحده قاصرًا عن ذلك، بل يحتاج إلى خطة ممنهجة وفهم أصيل لإستراتيجية البناء، حتى تتمكن من الهدم وإعادة البناء وإلا لظل الركام المتراص عائقًا أمام الدولة وتقدمها.
«الإخوان» توحشوا قواعديا خلال حقبة «المخلوع» واختلف منهجهم باختلاف الهدف
في إطار فهم «إستراتيجية البناء» بحثت «البوابة» في خطة الاستقطاب التي اعتمدت عليها تلك الفصائل منذ نشأتها إلى الآن لضم عناصر جدد وتوسيع قاعدتها الشعبية، إلى أن وصل عدد المنتمين إلى تلك الجماعات المختلفة من بضعة مئات إلى مئات الآلاف، والوقوف على لغة الخطاب الذي استخدموه، وديموغرافية العناصر المستهدفة، والطريقة التي اعتمدوا عليها في الاستقطاب، ومنها إلى عملية ما بعد الاستقطاب «الدمج والتصعيد»، ونقاط الالتقاء والاختلاف بين تلك الجماعات، والتغيرات التي طرأت على خطتها الاستقطابية عبر الفترات السياسية المختلفة.
ومن الملاحظ أن جماعات الإسلام السياسي على اختلافها انطلقت من أفكار شبه واحدة، ولغة خطاب متقاربة، لا تختلف في الجوهر بقدر ما تختلف في ترتيبهم وتأخير البعض وتصدير الآخر، انطلاقًا من الأهداف التي تسعى إلى تحقيقها، سواء كانت سياسية كما هو الوضع مع جماعة الإخوان المسلمين، وهو ما جعل خطابها يعتمد بصورة رئيسية على الفساد وسلبيات المجتمع، والوقوف للحكومة بالمرصاد، وتقديم نفسها كبديل وإنشاء مجتمع موازٍ، مقدمة ذلك على هدف «إقامة دولة الخلافة»، لاعتماد منهجها على الإصلاح التدريجى، أو دينية كما في الدعوة السلفية التي ظلت بعيدة عن السياسة إلى ما قبل الثورة، واعتبار واقتصار عالمها على «المسجد» والجمعيات الخيرية الملحقة به، ومن ثم اعتمد خطابها على تصدير لهجة «العودة إلى الله وإصلاح الفرد ومن ثم الجماعة» انطلاقًا من الآية: «إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ»، وأخيرًا الجهادية التي اعتمدت على هدم دولة الكفر وإقامة دولة الإيمان، وهو ما يجعل خطابها يصدر مبدأى الجهاد والتكفير.
كما يلاحظ أن الجماعة الواحدة لم تتبن خطابا استقطابيا ثابتا لا يتغير، فلقد كانت لغة تلك الجماعات تتمحور باختلاف البيئة المحيطة والعناصر المتاحة أمامها، فنجد مثلًا أن الجماعات الجهادية لم تكن تتبنى في السبعينيات نفس الخطاب الذي تتبناه «داعش» الآن، من إقامة دولة الخلافة، بل كان ذلك هدفا تاليا يأتى بعد الهدف المصدر، وهو مواكبة القضايا المثارة آنذاك، من مواجهة الكيان الصهيونى، ومناصرة القضايا الإسلامية كالقضية الفلسطينية وأفغانستان، والأمر ذاته مع جماعة الإخوان التي ركزت على الجانب الروحى وحالة الإحباط التي أصابت الشعب عقب هزيمة 67، وتصدير خطابها الدينى والفرار إلى الله، وهو الذي اختلف في فترة مبارك مثلًا، حيث اعتمد خطابها الاستقطابى على مواجهة فساد السلطة، والتركيز على مفاسد الحكومة، وتقديم بديل للمواطنين وتمنياتهم بدولة العدل، وإيهامهم بأنها الأقدر على تحقيقها.
الإخوان اعتمدوا المدارس لتجنيد المراهقين
الخطاب
تباين الخطاب الذي تبنته جماعة الإخوان المسلمين بهدف السيطرة على الشباب واستقطابهم إلى الجماعة، ما بين خطاب دينى بحت في مرحلتها الأولى (التأسيس في الإسماعيلية) اعتمد على القدرة على الخطابة واللباقة التي امتاز بها حسن البنا، وبعد انتقال الجماعة إلى العمل السياسي عام 1938 تغير الخطاب، ليتناسب مع أهداف الجماعة الجديدة من الوصول إلى الحكم، فتحول من الحديث عن عظمة الجنة إلى عظمة الحضارة الإسلامية البائدة، وضرورة استعادتها، وتصدر المسلمين مكانتهم التي يستحقونها في العالم كقائد لا تابع، وعقب النكسة تغير خطابها مرة أخرى ليلائم الحالة النفسية السيئة للمصريين آنذاك، ويوفر لهم جوا روحانيا يمثل مهربا، وخلال الحقبة «الساداتية» تغير خطابهم الاستقطابى مرة أخرى بشيطنة «الشيوعية والاشتراكية»، وترهيب الناس منها وتصدير نفسهم كبديل تحت شعار براق «الإسلام هو الحل»، وهو الذي استمر خلال فترة حسنى مبارك، التي كانت الأنشط «استقطابيا».
وهو ما اتفق عليه عدد من الباحثين في الإسلام السياسي والقيادات السابقة بالجماعة، فقال خالد الزعفرانى: إن الجماعة اعتمدت في خطابها على جذب عناصر جدد على فكرة جاهلية المجتمع، والسعى إلى تطبيق الشريعة، وبيان ما في المجتمع من مفاسد وتقديم رؤية مغايرة عن ذلك تسحر أعين من يسمعها، حتى إذا كان دربًا من خيال وغير قابلة للتنفيذ على أرض الواقع، كما اتضح خلال العام الذي حكمت فيه والذي لم يختلف نموذج الحكم الذي قدمته عن نموذج حكومات مبارك، فضلًا عن خطاب آخر يركز على الجانب الروحانى، مشيرًا إلى أن خطابها كان يتغير بتغير العناصر المستهدفة، والمدخل لكل شخص ليس واحدا، حسب طبيعة ذلك الشخص ونوع الخطاب الذي قد يستهويه ويجذبه.
وقال سامح عيد: إن الجماعة اعتمدت في بعض الفترات على استغلال جرح الكبرياء داخل الجماعات العربية، وانهيار كل المشاريع النهضوية ومواجهتها، سواء مشروع محمد على أو جمال عبد الناصر، ومن ثم اعتمدوا على فشل تلك المشروعات للانطلاق منها من شعارهم «الإسلام هو الحل» الذي كان له أثره النفسى الكبير في الانجذاب له.
الأهداف
وهى العناصر التي تمثل هدفا تسعى الجماعة إلى ضمه إلى قواعدها، انقسمت طبقًا للباحث سامح عيد إلى نوعين، الأول أهداف تسعى الجماعة إلى ضمها، وهم أبناء الطبقة الوسطى، لاسيما المتفوقين منهم دراسيًا، غير المتمردين أصحاب مبدأ «السمع والطاعة»، أما أبناء الطبقة الغنية فقد كانوا العناصر الأكثر جذبًا لها، ومع ذلك كان استقطابهم أكثر صعوبة لتنافى عنصر التكافل المجتمع الذي تستقطب به أبناء الطبقة الوسطى، وكان ضم أحدهم يعد مكسبا لها، وتمنحه وضعه داخل الجماعة، والوجاهة والشعور بالأهمية حتى يستمر معها، ويمثل أحد عناصر الإنفاق عليها فيما بعد. أما النوع الثانى، فهم المتعاطفون مع الجماعة التي لم تكن تسعى إلى ضمهم تنظيميًا حتى لا يمثلون عليها عبئا وهم الطبقة الكادحة والفقيرة، فكانت تكتفى بالتواصل معهم في المناطق العشوائية الفقيرة من خلال الحملات التي تصنعها والشوادر لبيع المنتجات بأسعار مخفضة، ومراعاتهم من جانب جمعياتها، حتى تضمن أصواتها الانتخابية، إلا إذا كان أحدهم «نبغة» ومتفوقا، فتسعى إلى ضمه والإنفاق عليه للاستفادة منه فيما بعد.
«المحبطة- المطيعة- المتفوقة- النشطة».. هذا ما أكد خالد الزعفرانى، القيادى الإخوانى المنشق، أن الجماعة كانت تركز عليه خلال اختيار أهدافها، فما أن يجد الإخوانى في محيطه شخصيات محبطة سواء لظروف شخصية أو ظروف المجتمع يبادرون بالتقرب منهم في محاولة إخراجهم من تلك الحالة واصطحابهم إلى دروسهم، واحتضانهم من قبل المجتمع الإخوانى لحين اندماجه معهم، مشيرًا إلى أنهم يهتمون أيضًا بالشخصيات المطيعة التي لا تكثر الأسئلة والجدال حتى تقبل ب«الأمر والطاعة» ولا تتمرد عليهم.
وأضاف: إن الشخصيات ذات النزعة الدينية المرتفعة تمثل أهدافا جاهزة وسهلة لدى الإخوان، يسهل التقرب منها وضمها من خلال المدخل الدينى، وإقناعهم أنهم يسعون إلى إقامة الشريعة، موضحًا أن ذلك العنصر هو الذي جعل للإخوان سطوة داخل المجتمع الأزهرى، فكثير من الأسر الإخوانية كانت تلحق أبناءها بالتعليم الأزهرى، والذين يتولون مهمة استقطاب زملائهم، والتي كانت يسيرة جدا، خاصة أن كثيرا من طلبة الأزهر مغتربون بعيدًا عن أسرهم، ومن ثم من السهل احتواؤهم من قبل الجماعة، وتوفير جوا أسريا ورعاية بديلة لهم، ومن ثم يصبح الطالب منتميا إلى الجماعة ربما أكثر مما ينتمى إلى أهله.
الإستراتيجية
يؤكد الباحثان سامح عيد وخالد الزعفرانى أن إتاحة مبارك الفرصة للإخوان خلال عصره للعمل العلنى والظهور والاشتراك في الانتخابات النقابية جعل من النقابات أهم العناصر التي ساعدت الإخوان في تشكيل قاعدة جماهيرية ضخمة، من خلال الخدمات التي يقدمونها، والشعارات التي يطلقونها، وفوز العديد منهم برئاستها أو مناصب قيادية فيها.
أما الطبقة الوسطى، فاستقطبت الجماعة العديد من عناصرها في المجتمع الموازى الذي قدمته، والذي يحتك بالمواطن على مستوى المحافظات ويقدم له العلاج عبر مستوصفات صحية بأسعار مخفضة أو قوافل طبية، أو حتى تضامن، إضافة لنوع الإخاء الذي افتقده المجتمع المصرى واستبداله بقيم العولمة، وأضاف سامح عيد: إن الجماعة استطاعت أن تستقطب العديد من عناصرها عبر «المجتمع الرحيم» الذي دشنته لهم، كبديل لانسحاب السلطة، وسدا للفراغ الذي تركته فيهم، وتغير قيم المجتمع،
وبعد عملية الاستقطاب وتسكين العناصر الجديدة في أسرتها تبدأ عملية ملاحظة وفرز يتم على أساسها تصعيد العناصر وترقيتها.
الجهاديون
فيما يتعلق بالمشهد الجهادى، فإنه يحول العديد من الاختلافات وفترات الركود إلى فترة زهوته الحالية، ويقول مصطفى زهران، الباحث في شئون الجماعات الجهادية: إن الجماعات الجهادية تربطها علاقة عكسية مع تيارات الإسلام السياسي الأخرى، ففى الوقت الذي نشطت فيه جماعات الإسلام السياسي على رأسهم الإخوان خفتت فيه تلك الجماعات، والعكس صحيح، ففى الوقت الذي تختفى فيه تظهر تلك الجماعات بصورة أكثر توحشًا، متبنيه خطابًا أكثر عنفًا، كما يحدث الآن من «داعش».
الخطاب
وأشار «زهران» إلى أن الجماعات الجهادية منذ نشأتها في السبعينيات وأبرزهم الجماعة الإسلامية، اعتمدوا على خطاب ملائم مع المرحلة التي نشأوا فيها، حيث الصحوة الإسلامية والاهتمام بقضايا الأمة ومواجهة الكيان الصهيونى، ومن يعتبرونهم عملاء لهم من الحكام العرب، وهو الخطاب الذي تبنى الصدارة، تلاه الخلافة الإسلامية كحلم بعيد أو هدف مؤجل، واتخذت الجهاد كإستراتيجية لتنفيذ ذلك، وأساس لاستقطاب عناصرها، الذين لم تتسع أعدادهم كما في الإخوان والسلفيين، نظرًا لطبيعة المصريين الوسطية وبعدهم عن العنف، إلا أن ذلك لم يمنعهم من استقطاب عدد من الشباب الجامعى، خاصة ممن تفاعلوا بصورة كبيرة مع الأحداث في أفغانستان وإيران، وقامت تلك الجماعات بتسفير عناصرها إلى أفغانستان لتلقى التدريبات العسكرية هناك.
وأشار «زهران» إلى أن تلك الجماعات بدأت تخفت في فترة التسعينيات بفضل الضربات الأمنية الموجعة التي وجهت لهم، ولجوء قاداتهم إلى المراجعات الفكرية، وظلت في فترة ركود، إلا بعض الأنشطة في سيناء، وظهور جماعات بأسماء مختلفة متمركزة في سيناء بهدف معلن، وهو مواجهة الكيان الصهيونى كجماعة «أنصار بيت المقدس».
وأضاف: إنه عقب الثورة وأمام حالة عدم الاستقرار والفراغ الأمنى استطاعت تلك الجماعات في أن تنشط مرة أخرى، إلى أن وجدت البيئة الخصبة لانفجارها عقب سقوط نظام الإخوان وفض اعتصام رابعة، ورغم أن تلك الجماعات تكفر الإخوان ونظام حكمهم، إلا أنها ما كان لها أن تضيع أمامها فرصة في الظهور كبديل لهم، وحمل مظلوميتهم، ومحاولة إعادة تشكيل قواعدها المستمدة من عناصرها.
الأهداف
العناصر المضطهدة الأكثر جذبًا للجماعات الجهادية التي تحدث غالبًا داخل السجون والمعتقلات، فلقد استطاعت الحالة الجهادية استقطاب العديد من العناصر من داخل المعتقلات، سواء في الحقبة الناصرية أو ما تلاها في فترة حسنى مبارك، وانتهاكات وزارة حبيب العدلى، حيث تركز على تنمية هدف «الثأر» لدى تلك العناصر، وتمنيتهم ب«الجنة»، وإقناعهم أنهم على صواب، والقيام بعمليات غسيل مخ لهم، مستخدمين بعض النصوص الدينية وتفسيرها تفسيرًا يحقق أهدافهم.
وتعد قواعد جماعة الإخوان من الأهداف الجاهزة لدى الجماعات الجهادية التي انضم جزء منهم بالفعل إلى تلك الجماعات سواء في سيناء أو بالسفر للانضمام إلى صفوف داعش، أو الانضمام إليهم فكريا من خلال الإيمان بالعمليات المسلح، والكفر بسبل المقاومة السلمية، واستهداف الضباط وحرق سيارات الشرطة والتفجيرات.
الإستراتيجية
وفيما يتعلق بالإستراتيجية التي تعتمد عليها تلك الجماعات لاصطياد أهدافها، فمن خلال زرع عناصرها بين التنظيمات الإسلامية الأخرى «السلفية - الإخوانية»، واختيار أنشط عناصرها وأكثرهم حماسة، لتبدأ تلك العناصر في الحديث إليهم أكثر عن الجهاد، وتبغضهم في المجتمع، وجاهليته، وتفتنه بفكرة الجهاد المسلح، والموت في سبيل الله، ثم تبدأ تلك العناصر في التواصل مع تنظيماتها، لتوفير فرصة سفر إلى تلك الشخصيات سواء إلى سيناء أو خارج مصر.
ويلعب الإنترنت دورا رئيسا في تجنيد الشباب حاليًا، بداية من جذبهم بالفيديوهات التي يخرجونها، وفكرة الجهاد والدولة الإسلامية التي يقنعونهم بها، نهاية إلى التواصل معهم من خلال مواقع التواصل الاجتماعى باستخدام برامج معينة تمنع رصدهم من قبل الأمن، ويظلون على تواصل معهم لحين ضمهم إليهم.
وأكد «زهران» أن ما حققه تنظيم «داعش» فتن العديد من الشباب وجعلهم يشعرون أنهم يستطيعون المشاركة في دولة الخلافة، ويرغبون في أن يصبحوا جزءا من تلك الانتصارات، هروبًا من حالة الإحباط التي تسيطر عليهم.
السلفيون
يعد المشهد السلفى الأكثر تباينًا بين الإخوانى والجهادى، إذ أنه لم يكن يتخذ من السياسة هدفًا له كما فعل المعسكر الإخوانى، كما لم يكن يسعى إلى الصدام مع السلطة كما المعسكر الجهادى، ومن ثم وقف في منطقة وسط، وتصادم مع الإخوان، ونشب فيما بينهما تنافس قوى في عملية استقطاب عناصر جديدة بالتزامن مع الصحوة الإسلامية والثورة الإسلامية في إيران في فترة السبعينيات، وصل إلى درجة التصادم بينهما احيانًا، وكانت الجماعات السلفية تنظر إلى الإخوان بنظرة الريبة والشك، باحتكار تعاليم الدين لتحقيق مصالحها، ونبع ذلك من رفض الأولى العمل في السياسة وتجنبها باعتبارها رجزا، واعتبار الانتخابات نظاما كافرا أتت به الأنظمة العلمانية، على عكس الآخر الذي يشارك فيه.
الخطاب
اعتمد خطاب الجماعات السلفية مُتمثلا في الجمعية الشرعية التي نشأت عام 1912 كجمعية دعوية خيرية، وجمعية أنصار السنة المحمدية التي خرجت من رحمها، وما تلاها في فترة الصحوة الإسلامية من تأسيس للدعوة السلفية في الإسكندرية عام 1972، على العودة إلى أصول الدين وفهم سلف الأمة له باعتباره صحيح الدين، ومواجهة البدع التي تصل إلى «الكفر» في عقيدتهم، والتي تتبعها الصوفية، مُتجنبين الحديث عن السياسة من قبيل عدم اعترافهم بها، لأنها لا تقوم على الشرع، ومن ثم التعامل معها بمبدأ التجاهل والمقاطعة، وتصدير خطاب صلاح الفرد والتوحيد لله.
الأهداف
انتشرت تلك الجماعات في القرى، حيث المستوى التعليمى المنخفض، ومن ثم سهولة السيطرة على هؤلاء، فضلًا عن المجتمع الجامعى، ويقول الدكتور عمار على حسن: إن الجمعية الشرعية لعبت دورا كبيرا جدًا في السيطرة على عقول الناس، الذين كانوا يقدسون علماءها، ويستمعون لكل ما يقولون، مشيرًا إلى أنه خلال زيارته لقريته وهو طالب في الجامعة سمع أصدقاءه يتحدثون عن شيخ الجمعية الشرعية الذي يستمعون له في المسجد بمنتهى الانبهار، ودعوه إلى الذهاب معهم وحضور أحد دروسه، فذهب بالفعل، وصدم من المتحدث الذي لم يكن يستحق ذلك الإبهار، وليس لديه من العلم ما يؤهله للحديث، ووصفه وقتها لأصدقائه ب «الدجال»، إلا أنهم رفضوا حديثه عنه بتلك الطريقة.
الإستراتيجية
مراحل الاستقطاب عند السلفين، في إحدى الأوراق البحثية له في التصفية، وهى تصفية عقائد المسلمين من كل ما يعتبرونه مخالفة شرعية، وإقناعهم بالمنهج السلفى في الحياة، ثانيا، مرحلة التربية، وهى التي تجعل من الفرد سلفيا صالحا، حيث يتم دعوة وتربية أغلبية المسلمين على هذه الكتب الصافية من أي أخطاء، وثالثا المفاصلة، حيث يعلن المؤمنون انفصالهم عن الحكام الذين لا يحكمون بما انزل الله، ويعلنون أن هؤلاء الحكام على باطل، رابعا الجهاد، وهو في حالة إذا ما رفض الحكام الالتزام بالإسلام بعد الإنذار السابق، فحينئذ يجاهدهم أهل الحق، لأن الصفوف في هذه الحالة ستكون قد تمايزت.
من النسخة الورقية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.