تعرّف هذه الدراسة التي أعدها الباحث مصطفى زهران صعود بالتيارات الإسلامية الجديدة في مصر بعد ثورة 25 يناير سنة 2011، والتي ولم يكن لها تواجد يذكر قبل ذلك وأتاح طقس الحرية الذي أنتجته الثورة في حراك سياسي وثقافي واجتماعي كبير سمح بالكثير من الدعوات أن تظهر بعد انقشاع موجات الكبت والقمع التي مارستها الأجهزة الامنية القمعية في ابان النظام البائد.. أولها تيار أبناء أبوإسماعيل المنتسب للشيخ السلفي التوجه الإخواني الأصل والمرشح المستبعد في أول انتخابات رئاسية بعد الثورة، وثانيها حزب التحرير الطارئ على الحالة المصرية والسلفية الجهادية التي استعادت نشاطها بقوة بعد فترة جمود آواخر عهد مبارك أو مراجعات سحبت من رصيدها وعدلت من مواقفها في هذه الفترة السابقة. ويقف تيار أبوإسماعيل وأبناؤه على رأس هذه التيارات لكونه مثّل حالة وسط ما بين السلفية الكلاسيكية والإخوانىة التقليدية وقام بمزجهما والذي رمز الى ما يسمى بحالة تسلف الإخوان او تآكل الأطروحة الإخوانية وصعود السلفية في جماعة الاخوان المسلمين فضلاً عن تشابه هذه الظاهرة الجديده بالسرورية وتيارها بالسعودية. وتطرح الدراسة قدرة هذا التيار في المرحلة القادمة على التعاطي مع مستجدات الاحداث وقدرته على تحقيق مكاسب على الارض، على حساب التيارات الاسلامية الاخرى التي تشهد ارتدادا بعض الشيء خاصة مع قرب الانتخابات البرلمانية المصرية، والتي يستعد لها الحزب السياسي الجديد المنبثق من تيار ابو اسماعيل والتي نرجح أنها ستكون لاعبا رئيسا وهاما في هذه الانتخابات فضلا عن وجوده بالساحة السياسية. ثم انتقلت الدراسة الى رصد ظاهرة جديدة اخرى وهى "حزب التحرير- ولاية مصر" والذى طفى على السطح بشده خاصة مع بياناته وتصريحاته التى اعتبرت شاذه عن التيارات الاسلامية التقليدية فضلا عن انفصامه عن التيارات والاحزاب السياسية الاخرى في البلاد. رؤية الحزب تجاه الاحداث السياسية في مصر بعد الثورة تبدو مختلفة بشكل كبير عن رؤية الاحزاب الاسلامية والجماعات .فالحزب يرى النظام الجمهوري نظاما كافرا وفي الدولة المدنية والديمقراطية شرائع الغرب الكافر وبطبيعة الحال لا تناسب معتقداتنا الاسلامية زد على ذلك اعتبار الرئيس محمد مرسي ذى الجذور الاخوانية والمرجعية الاسلامية ما هو الا عميل غربي أمريكي اخر جاء بمعاونه الغرب الكافر الى سدة الحكم. وبهذه التصورات طرحنا رؤية تكاد تقترب من أدبيات الحزب الممثلة في بياناته وتصريحاته والتي تؤكد اغراق هذا الحزب في عزلته على الرغم من نشاطه الدؤوب في توصيل فكرته التى تنادى بحتمية عودة الخلافة الاسلامية فإعلامه نشط بكل كبير عما سواه فضلا عن محاولاته المستمرة التواصل مع اجهزه الاعلام والهيئات لتعريفهم بالحزب فهم مخلصون لفكرتهم لدرجه كبيره تجعلهم في حراك دائم لامثيل له. ومع تطورات الاحداث على الحدود المصرية الاسرائيلية وتردد مصطلح السلفية الجهادية والذى ارتبط اسمه بتفجيرات انابيب الغاز كان لزاما ان نقوم برصده ومن ثم محاولة كشف ملامحه وفكر اغواره للتعرف عليه من قرب خاصة بعد احداث رفح الاخيرة والتى اتهمت خلالها السلفية الجهادية بنها ورائها على الرغم من نفيها لذلك وشددت الدراسة على شيء خطير وهو خشية التحولات الفكرية لدى السلفية الجهادية في ان يتحول جهاد الخارج الى الداخل كردة فعل لما يحدث من اعتقالات ومداهمات للأجهزة الامنية بشكل كبير في صفوف هذا التيار فينتج مشهد مشابه لما كانت عليه مصر في التسعينيات في صحوة جماعات العنف الإسلامي. أولا: تيار أبناء أبو إسماعيل كان الظهور التقليدى والشبه دائم للداعية "حازم صلاح أبو إسماعيل" على الشاشات الدينية، خاصة ذات الطابع والمضمون السلفى، والتى غزت السوق الإعلامى المصرى بشدة كقناة "الناس" و"الحافظ "و"الرحمة" وغيرها, والتى كانت بمثابة بداية حقيقية لعقد أرضية مشتركة, وقناة اتصال رئيسة بين الرجل والجمهور المصرى المتدين بقسمية المنظم -"أى المؤطر فى جماعة أو تيار"- والآخر "الذى يغلب عليه طابع التدين الشعبى". وبهذه الوسيلة المباشرة عرفه الناس, وتابعوه على شاشات هذه القنوات وابتسامته الملاصقة له دومًا وأسلوبه التبشيرى إن جاز الوصف، استطاع أن يجذب إليه قلوب العامة والخاصة. ونجح أبو إسماعيل فى توظيف بعض المهارات لديه مثل قدرته العالية فى الخطابة وتعبيرات وجهه وبساطة كلماته فى طرح نفسه بقوة كحالة جديدة داخل هذا الصخب الإعلامى الجديد ذى التوجه الدينى؛ مما جعله محط أنظار الكثيرين وجذب أعداد غفيرة من شرائح هذا المجتمع الذى لم ينتفض بعد أو يقم بثورة، فضلاً عن دروسه التقليدية التى كان يلقيها على أنصاره ومحبيه فى مسجد أسد بن الفرات، الشهير بحى الدقى، خلفاً لوالده القطب الإخوانى صلاح أبو إسماعيل. "أبو إسماعيل" ما بين "تسلّف الإخوان والسرورية" ويمكننا القول إن أبو إسماعيل هو إفراز لما عرف بتآكل الأطروحة الإخوانية وتمدد السلفية إذ أن الرجل كان إخوانيًا ومن بيت إخوانى، فوالده كان رمزًا كبيرًا داخل الجماعة العجوز، وله من الأثر الكثير داخل محطات جماعة الإخوان المسلمين، ولكن مع تمدد السلفية بشكل كبير داخل الجماعة كان من الطبيعى أن تتأثر بهذا المد الجديد، خاصة أن السلفية فى مصر استفادت من بنية الفرص السياسية التى خلقها الوضع السياسى والاجتماعى والاقتصادى أوائل عهد السادات متزامنة مع حالة التراجع الدينى لمصر ومؤسستها الأزهر الشريف وانفتاح مشهدها الدينى المجتمعى على تأثير التمدد السلفى الوهابي. ومافعلته جماعة الإخوان تجاه هذا المد الوهابى السلفى القادم من الخليج حيث النفط هو عدم التسليم به كأمر فرضته معطيات الواقع الجديد، وإنما قامت بتطويعه لخدمة التيار؛ حتى لا ينقض عليه، وذلك عبر إعادة تأطير وضبط الفكرة السلفية الوهابية وتكييفها أى "تمصيرها". وتفاديًا لتأثير نجاح السلفية المصرية فى استثمار انكسار المشروع الإخوانى فى منتصف التسعينيات، والذى شهد هبات حركية لتيارات إسلامية جديدة كانت السلفية محورًا مهمًا ورئيسًا فى مكونها العقدى والفكرى. هذه الحالة الجديدة من التمازج والتزاوج ما بين السلفية الوهابية والفكرة الإخوانية، التى شكلها الإمام البنا فى رسائله وأدبياته كان لابد أن يتمخض منها إفرازًا نجح فى دمج هاتين الرؤيتين الأصوليتين "السلفية" التقليدية و"الإخوانية" الممارسة فعليًا داخل الجماعة، وكان "أبو إسماعيل" أحد إفرازات هذا التمدد السلفى داخل البيت الإخوانى إن لم يكن هو الصورة الحقيقية لهذا التزاوج وإن جاء متأخراُ بعض الشىء. إلا أنه بلاشك مثّل حالة خاصة وفريدة داخل التيار الإسلامى المصرى العريض، خاصة أنه اُعتبر بمثابة الجسر الرابط بين جماعة الإخوان من جهة والتيارات السلفية من جهة أخرى. ومن ناحية أخرى، نجد ذلك التشابه الكبير بين هذا المكون المتمثل فى أبو إسماعيل وتياره الناشئ, والحالة الأصولية التى يرمز لها ب"السرورية" فى المملكة العربية السعودية عبر أخونة السلفية هناك، وهو ما قام به "محمد سرور"، السورى الأصل، من خلال مزجه بين السلفية والإخوانية فى بيئة سلفية قحة استطاع زين العابدين أن يقتحمها ويأخّونها بشكل أو بآخر عن طريق تأصيل الحركية داخلها. وهو المشهد ذاته الذى فعله أبو إسماعيل ذو الجذور الإخوانية فى البنية السلفية التقليدية والتى بث داخلها "الثورية وصبغها ب"الحركية" فكانت أداة جذب قوية استطاع من خلالها استقطاب التيارات السلفية بتعدد أشكالها وألوانها وطرقها عن غيرها، وتحديدًا "جماعة الإخوان". وإذا كانت تجربة "السرورية" قطعت عقودًا من العمل والحركة وأظهرت فى عقد التسعينيات زخمًا كبيرًا، وعلى الرغم من التجربة الوليدة ل"أبو إسماعيل" إلا أن المتبصر والمتأمل فى هذا الكيان الوليد يؤكد أنه جاء مخاص "التزاوج السلفى الإخوانى" وأن ملامح السرورية تبدو فى وجه هذا الوليد بقوة، خاصة أنه يعتزم تقديم نفسه وحزبه بشكل جاد وقوى من خلال انصهار هذين المكونين وطبعهما بالثورية والقفز على الرؤى الكلاسيكية للسلفية التقليدية أو الإخوانية المنزوعة الثورية. "أبو إسماعيل والثورة والمجلس العسكري" كانت ولادة الرجل الحقيقية هى الثورة المصرية، حيث سطع نجم الرجل بقوة عبر تصريحاته وخطبه القوية والرنانة، والتى اتخذت طابعًا ثوريًا ساهمت بقدر كبير فى الحشد خلفه وتجميع الأنصار، والإعجاب بالشكل الجديد داخل الحركة الإسلامية. رفع أبو إسماعيل شعار لا لتفاوض التيارات السياسية مع بقايا نظام مبارك، الذى يحاول لملمة نفسه وإعادة ترتيب أوراقه من جديد لبسط سيطرته ونفوذه، وأنكر على القوى المفاوضة، وعلى رأسها الإخوان هذا المسلك، وكانت قضية التفاوض نقطة الخلاف الرئيسة بين الشيخ أبو إسماعيل من جهة وجماعة الإخوان المسلمين من جهة أخرى، وذلك بعد أن تواردت الأنباء حينذاك عن عقد جلسات سرية بين قادة ورموز الجماعة وعدد من رموز نظام مبارك، وتحديداً مع "عمر سليمان" رئيس المخابرات المصرية حينذاك، الأمر الذى دفع الرجل إلى أن يصف "المتفاوضون" بأنهم لايفقهون, لا يعلمون، فضلاً عن خطب عدة كانت حاضرة فى قلب ميدان التحرير حيث توجيه الثوار لمسار اختلف عن بقية التيارات الإسلامية الأخرى. وبذلك نجح أبو إسماعيل فى أن يكسب أرضًا جديدة بين مَن يعرفه ومَن لا يعرفه من شتى التيارات، وساهم خطابه الحاد ضد المجلس العسكرى فى جذب الكثير حوله، ومثلت عائقًا فيما بعد فيما كان يرنو إليه، والتى دفعت العديد من القوى الإسلامية إلى تجنب دعمه حين اعتزامه خوض السباق الرئاسى نظرًا لقناعاتهم بأن خطاب أبو إسماعيل الثورى وغير المنضبط تجاه المؤسسة العسكرية مثّل وبالاً على الحركة الإسلامية جمعاء، وذلك إيماناً منهم بمبدأ درء المفاسد المقدم على جلب المنافع، وكان حزب النور الخارج من رحم العباءة السلفية أول مَن وقف أمام الرجل. ومع ازدياد شعبية الرجل وتألق كاريزمته وتصريحاته الثورية التى لاتنطبق فى كثير منها للواقع المتغير فى المجتمع المصرى - اعتبرت فى كثير منها خطابات غير مدروسة وخارجة بدون روية - تجمع حوله المئات والآلاف من المريدين والأتباع فى تجربة هى الأولى من نوعها بعيد الثورة، إذ أن الثورة كانت جسدًا بلا رأس إلا أن الرجل استفاد من ذلك واستثمر هذا المشهد ونجح فى حشد أتباعه وأطلق عليهم فيما بعد أبناء أبو إسماعيل وأطلقوا هم على أنفسهم مسميات عدة، كان منها "حازمون" و"لازم حازم" وطلاب الشريعة" و"حازم لكل المصريين"، والتى ظهرت بالتوازى مع الأحداث المتغيرة على المشهد السياسى المصرى. أبو إسماعيل.. و"تمصير السلفية المصرية" لا يمكن بأى حال التكهن بأن أبو إسماعيل كان يطمح فى أن يقيم جماعة خاصة أو حزبًا سياسيًا بعينه أو أن يكون بمثابة الزعيم الروحى لتيار جديد على غرار القيادات الكلاسيكية فى الحركة الإسلامية فيكون بناويًا جديدًا أو وهابيًا آخر، بل كان السر فى العفوية تلك التى دفعت هؤلاء الشباب للتحلق من حوله والتجمع تأييداً لفكرته، إذ أن الظروف هى التى هيأت له ذلك. والمتأمل فى أنصاره أو ممن أطلق عليهم أبناء أبو إسماعيل أو من تشكلوا فيما بعد فى "مجموعة مسميات وتنظيمات" ورصد مدى تنظيمهم وقدرتهم على الحشد، والآلة الإعلامية الخاصة بهم وقناعاتهم الفكرية بزعيمهم الجديد وفكرته التى وصفت بالإحيائية داخل البنية الإسلامية الجديدة بعد الثورة يدرك جيدًا أن هناك كيانًا إسلاميًا جديدًا بات يتشكل فى مصر. ولكنه لم يتبلور بعد فى هذه الأشكال التقليدية المتعارف عليها منذ عقود وعقود من "الجماعة"أو "حزب" أو"الجمعية" أو "الحركة" وما شابه. حسابات المكسب والخسارة لم تكن فى خلد أى ناشئ فى هذا الكيان الوليد المختلف فيما بينه فى دوره على الأرض والمتفق على الرجل "أبو إسماعيل"، حتى فكرة تقبلهم داخل الشارع المصرى وفى الخارج لم تكن مطروحة وسط هذه الكيانات المتباينة من أبناء أبو إسماعيل إذ أن الحماسة لديهم طغت على كل شىء ووجدوا مَن يلملمهم ويعبد طريقهم نحو مبتغاهم من الرغبة فى تطبيق الشريعة. "الصفة الثورية" الخصيصة الواضحة التى تجمعت حولها القوى الإسلامية والليبرالية وغيرها حول أبو إسماعيل كانت جزءًا لا يتجزأ من الأدوات الاستقطابية التى دفعت أبناء أبو إسماعيل للتجمع من حوله، فضلاً عن السلفية التى كانت هى السمة المذهبية والعقدية لغالبية هذا الجمع، الذى التف حوله من السواد الأعظم من الأتباع إلا أن أبو إسماعيل استطاع وبشكل قوى أن يعمل على تمصير هذه السلفية. التمصير الذى فعله أبو إسماعيل بدى بشكل ملحوظ فى بث العنصر الثورى وإضفاء الحركية فى هذه السلفية المعاصرة، التى دائمًا ما كانت فى غالبيتها مع اختلافها وتباينها جماعات مستأنسة لا تبارح فكرة "الخروج على الحاكم" مكانها من أدبياتهم، والتى برزت بشكل كبير فى الثورة المصرية التى كانت لهم مواقف سلبية تجاهها، فضلاً عن الدور النسائى الذى قفز على شكله القديم فعلى الرغم من ارتدائهن النقاب إلا أنهن يمارسن العمل السياسى بشكل قوى وينزلن الشوارع والميادين يحملن لافتات وينادين بدعم أبو إسماعيل، وغيرها من المظاهر المهمة والقوية والتى تشكلت فيما بعد فى مسمى "حازمات". حزب أبو إسماعيل القادم من رحم التيار اعتزم أبو إسماعيل إنشاء حزب سياسي لم يسمه حتى كتابة هذه الأسطر من رحم تياره العريض، وذلك ليكون حالة فارقة كما يذكر داخل التجربة الإسلامية السياسية بعد الثورة المصرية، وهو نهاية ما وصل إليه أبو إسماعيل بعد سجال طويل وصراع شرس مع فكرة طرحه للسباق الرئاسى، والذى منى خلاله أبو إسماعيل بهزيمة نكراء على خلفية جنسية والدته الأمريكية، والتى حتى اللحظة ينكرها أبو إسماعيل وأبناؤه معتبرين إياها مؤامرة غربية أمريكية على الرجل للحيلولة دون الوصول إلى سُدة الحكم. مستقبل الحزب فى ظل المتغيرات السياسية تقترب القوى السياسية جمعاء بشقيها الإسلامى والليبرالى من السباق للمرة الثانية صوب البرلمان، الذى حل بقرار من المجلس العسكرى وفقاً للإعلان الدستورى المكمل الذى قام بإلغائه فيما بعد الرئيس المنتخب محمد مرسى بقرار جمهورى، والذى أثار لغطاً وحالة من الجدل فى المشهد السياسى المصري. ولم تلق ممارسات الإسلاميين داخل البرلمان فى صورته الأخيرة قبل حله قبولاً لدى الناخب المصرى، خاصة أنه وجد نماذج لا تليق وخطابهم الذى يصدرونه على أمثال البلكيمى وعلى ونيس، فضلاً عن تراجع شعبية الإخوان لدى قطاعات كبيرة فى الأوساط السياسية والاجتماعية على حد سواء بعد سيطرتهم شبه الكاملة على مفاصل الدولة فيما عرف ب التصدى "لأخونة الدولة" مما ينبؤ بتراجع القوى الإسلامية فى البرلمان القادم، ومما يدفع المراقب للحالة الإسلامية إلى التكهن بأن حزبى الحرية والعدالة والنور لن يشكلا على غرار القديم غالبية تذكر. ومن المتوقع ومع تزايد وتيرة الانقسامات المتتالية والمتوالية لقيادات حزب النور أن يستثمر أبو إسماعيل وحزبه الوليد تلك المشاهد لصالحه، وأن يحصل على نسبة كبيرة من مقاعد البرلمان القادم، فضلاً عن ملئه للفراغ الذى ستخلفه تراجع القوى الإسلامية، على الرغم من الاستبسال المتوقع من الحرية والعدالة الذراع السياسية لجماعة الإخوان ألا يكون تمثيله متواضعًا، وهو ما يدفعنا نحو التكهن بأن الإسلاميين لن يخسروا النسبة التى حصلوا عليها فى الانتخابات البرلمانية الأولى بعد الثورة نتيجة الدفع بوجه جديد يحافظ على هذا التوازن متمثلاً فى "حزب الأمة" الذى يعد له أبو إسماعيل إعدادًا محكمًا ودقيقًا ويضع نصب عينيه لأن يخرج إلى النور مختلفًا عن نظرائه السابقين خاصة الإسلاميين منهم. وسيقف الاختراق الجهادى متمثلاً فى "طلاب الشريعة " لحزب أبو إسماعيل حجر عثرة أمام انصهار الحزب فى المشروع الوطنى المصرى، الذى يمهد له الرئيس محمد مرسى فى اللحظة الراهنة، وهو المرجح أن يكون العامل الرئيس فى خسارة هذا الحزب سياسيًا إن لم يتم فلترة المنتمين للحزب من العناصر الجهادية، التى من المحتمل أن تثير قلاقل وأمورًا تضر المصلحة العليا للبلاد والعباد. ويشير عدم اختيار مرسى ل"أبو إسماعيل" ضمن التشكيلين الرئاسى والوزارى الأخير بعدًا أكثر دلالة على أن أدبيات الرجل وتصوره يخالف جملة وتفصيلاً الواقع السياسى الذى تحياه مصر فى هذا التوقيت الحرج، ويشير إلى أن مستقبل الحزب مرهون بما سيقدمه من آليات تجعله شريكًا وليس متعارضًا مع الرؤية النهضوية التى تنشدها الجموع الغفيرة من الشعب المصري، وهو ما يدفعها إلى أن تكون ملتحمة بقضاياه وآلامه أو يعزل نفسه بنفسه إذا وقف عن القشور ووقف عند مطلب تطبيق الشريعة وحسب دون الاعتبار بأولويات المرحلة. ثانياً: حزب التحرير "ولاية مصر".....! يذكر حزب التحرير الإسلامى – ولاية مصر - أنه دائماً كان موجودًا وسط فضاء العمل الحزبى الإسلامى وداخل دائرة النشاط السياسى الإسلامى وبالمسمى ذاته – حزب التحرير الإسلامي - منذ أواسط القرن الفائت وينفى الحزب عن نفسه فكرة ظهوره المفاجئ فى الأوساط الإسلامية. ويشير الحزب إلى أن انطلاقته عام 1953 وسعيه نحو إقامة دولة الخلافة الإسلامية - بمنظوره الخاص- وانطلاقاً من بعض الدول العربية ثم توسعه فى كثير من أقطارها والانتقال نحو الأقطار الإسلامية غير العربية ابتداءً من باكستان مروراً بأوزبكستان وإندونيسيا وغيرها، بالإضافة إلى محاولات الانتشار والتمركز داخل بعض دول أوروبا والأمريكتين، وبالتالى فوجوده فى مصر أمر متوازٍ مع وجوده فى الخارج. ويذكر الحزب أنه اختار اسم حزب التحرير فقط دون ربطه بالشعار الإسلامى، على الرغم من كون نشاطه إسلاميًا فى الأساس لكونه - وفق رؤية الحزب - لا يحرر الإنسان من عبودية غير الله إلا بالإسلام وإذا اقترن اسم الحزب بالتحرير الإسلامى يعنى أنه يوجد ما يحرر الإنسان بوصف آخر غير الإسلام وهو ما يخالف الحقيقة التى ينشدها الإسلام وفق أدبياته. لااتخذ حزب التحرير - ولاية مصر- البيانات والرسائل وسيلة للتواصل المباشر مع الشعب المصرى, والتى كانت بمثابة الوسيلة المثلى، التى من خلالها استطاع الحزب أن يعلن عن ميلاد جديد داخل الحركة الإسلامية المصرية باعتباره وجهًا جديدًا له جذور ماضوية لم تظهر إلى العلن إلا عقب الثورة نظرًا لعمله السرى طيلة العقود الماضية وخاصة فى ظل نظام مبارك السابق، والتى كانت لدى الحزب قضيته الشهيرة عام 2005م. من اللحظة الأولى للثورة المصرية استطاع الحزب أن يصدر العديد من هذه البيانات التى تؤكد حتمية التغيير والتعاضد من أجل إسقاط النظام ومن ثم تقديم رؤية للمرحلة الانتقالية، والتى كان خلالها يتبنى خطابًا لاذعًا وحادًا يصل إلى درجة التكفير إزاء المجلس العسكرى الحاكم فى تلك الفترة الانتقالية التى ولت امتدت لقرابة العام والنصف. ومن المحطات المهمة التى يمكن من خلالها قراءة أفكار هذا الحزب، والتى تعكس بحجم كبير رؤيته السياسية والدينية وفهمه للواقع من حوله كانت المحطة الأبرز وهى "الإعلان عن السباق الرئاسي" وكان للحزب تصور خاص يكاد يكون مختلفًا عما سواه. وجه الحزب سيف انتقاده حينذاك لمن أطلقوا على أنفسهم "مرشحو الرئاسة الإسلاميين"، والذى رآهم الحزب بعيدين كل البعد عن هذا المصطلح وتلك التسمية، متعجبًا من تصديرهم ومناداتهم ب"تطبيق الشريعة الإسلامية" على الرغم من خلو برامجهم من هذه المطالبة. فأوجه المشابهة بين برامج هؤلاء الإسلاميين وغيرهم أى من الليبراليين والعلمانيين يطابق لحد كبير بعضهم بعضًا بل يكاد يكون نسخة مكررة ولكن بغطاء وخطاب إسلامى خاوٍ من أى محددات رئيسة. مدللاً بذلك على عجزهم عن المجاهرة بالإعلان عن رفضهم للمادة الثانية من الدستور بصورتها الحالية، والتى تنص على أن مبادئ الشريعة الإسلامية هى المصدر الرئيس للتشريع وليس الوحيد، فضلاً عن تأكيد غالبية هؤلاء المرشحين لتطبيق حد الردة، فضلاً عن معارضته لعودة نظلام الخلافة، الذى أساس دعوة حزب التحرير، والتى أقيمت عليه حركته، وهو ما يدفع الحزب بالتشديد على انتفاء صفة الإسلامية عن جل هؤلاء المرشحين المزعومين من وجهة نظرهم مع تلويحهم على إبقائهم على اتفاقية السلام مع الكيان الصهيونى وهو ما يخالف الشرع جملة وتفصيلاً، وهو بذلك لا يرى بونًا شاسعًا أو اختلافًا جوهريًا واضحًا بين هؤلاء المرشحين الإسلاميين وغيرهم. ويرى الحزب أن النظام الجمهورى برمته بدعة غربية حينما فصل الدين عن الحياة، وهو يعنى جعل التشريع فيه للإنسان حيث تكون للأغلبية حق التشريع ويضفى على الأغلبية العصمة والشرعية بغض النظر عن أحكام الله. ويخلص الحزب بذلك العرض أن الانتخابات الرئاسية مسرحية هزلية لا يمكن القبول بها أو الخوض فى معتركها وأن النظام الجمهورى الذى يتم الدفع به والتعامل معه لا ينسجم والشريعة الإسلامية ولا يقبله التصور الإسلامى لشكل الدولة لدى حزب التحرير. معركة التأسيسة.. وصياغة دستور الجمهورية الثانية مع انطلاق الجمهورية الثانية ورحيل نظام قمعى كان لابد أن تكتب مصر دستورها الجديد على غرار الدول التقدمية فى الغرب فى محاولة منها لوضعها على الطريق الصحيح، والتى من المفترض أن يعبر عن آمال وطموحات الأمة المصرية بجميع أطيافها ورموزها وتياراتها وتقسيماتها الاجتماعية المختلفة والمتنوعة (21)إلا أن حزب التحرير كانت له رؤية مغايرة وهدف يبدو مختلفًا عن سواه من القوى السياسية والدينية فى مصر، فوجد الحزب فيما سماه ب"معركة الدستور" تكريسًا واضحًا لتأصيل الدستور الوضعى والرضى والقبول بالحكم بغير ما أنزل الله، وذلك لكونه مستمدًا من آراء الناس وأهوائهم رغم توافقها لأحكام الإسلام فى قليل منها، وهو ما لا يرضى به الحزب. مستدلاً بذلك إلى أن شرعيته مستمدة من هذا التوافق المزعوم وليس من العقيدة الإسلامية. ويتجه الحزب إلى التأكيد على أن دستور مصر لابد وحتمًا أن يكون مستمدًا من هذا الينبوع الذى لا ينضب من الكتاب والسنة وحسب، سواء وافق ذلك هواء الناس أو خالفهم، محذرًا فى الوقت نفسه من عدم التسليم لأمر الله فى إقامة الخلافة إلى الارتكان والمنافسة الذى يصل إلى حد التصارع على رئاسة نظام جمهورى كافر يحوى دستورًا كافرًا هو الآخر، وينطلق الحزب إلى أن يقدم البديل وهو "دستور دولة الخلافة التى تضمنتها أدبياته والتى وضعها تقى الدين النبهانى فى دستور حزب التحرير. مرسي وإقالة العسكر.. إملاءات أمريكية وليست جسارة وطنية جاءت الإقالات الأخيرة من مؤسسة الرئاسة لأبرز رجال المجلس العسكرى وتحديدًا إقصاء المشير محمد حسين طنطاوى والفريق سامى عنان وعدد آخر، والتى بدورها أطاحت بأشرس وأعتى قوة حقيقية على الأرض لتثير جدلاً كبيرًا لدى الشارع المصرى، والتى اعتبرته العديد من القوى السياسية والإسلامية على حد سواء ظفرًا ونجاحًا يحسب للرئيس المنتخب فى بداية مسيرته السياسية فى البلاد، إلا أن حزب التحرير - ولاية مصر - كانت لديه رؤية خاصة وتصور مغاير لتلك القوى تضاف إلى سابقاتها، فيذكر الحزب أن المتتبع للأحداث والمشهد السياسى المصرى كان يدرك أنه لا يمكن بأى حال من الأحوال أن تسير مصر وتستمر برأسين "المحلس العسكرى" بصلاحيات كبيرة و"الرئيس المصرى" بصلاحيات منقوصة، وكان من المتوقع الإطاحة بإحدى هذين الرأسين إلا أنه فى نهاية المطاف تم قنص المجلس العسكرى واستثئار مرسى بالسلطة. وأرجع الحزب ما حدث بأنه تم برعاية وإملاءات أمريكية ودعم غربى، نافيًا فكرة العمل البطولى من قِبل مرسى، مستدلاً بذلك زيارة وزيرة الخارجية الأمريكية هيلارى كلينتون فى 14-7، والتى أعقبتها زيارة وزير الدفاع الأمريكى "ليون بانيتا" فى 31-7-2012م واجتماعهما بالرئيس المصرى والمشير طنطاوى ونائبه، والتى رأت أن استمرار الرأسين يؤثر فى مصالحها ويضاعف من اضطراب الأمور، وبخاصة أن المشير ونائبه كانا ركنين أساسيين فى النظام القديم؛ مما يستدعى ضرورة رحيلهما أو إقصائهما من المشهد المصرى الجديد. وبطبيعة الحال فإن مرسى وحسب رؤية الحزب يأتى دوره امتدادًا لدور المجلس العسكرى، والذى يتلخص فى الحفاظ على المصالح الأمريكية، والتى تقف على أجندة أولوياتها وأمن الكيان الصهيونى. إذن فالحديث عن عمل بطولى أمر مجرد من الصحة وبعيد كل البعد عن لب الحقيقة. ويستدل الحزب على رؤيته تلك بما أشارت إليه المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية "فيكتوريا نولاند"، والتى أكدت أن الولاياتالمتحدة كانت على علم بوجود محادثات حول تعيين فريق جديد للدفاع عن مصر. نظرة الحزب إلى الرئيس المصري لا يرى الحزب فى مرسى رئيسًا إسلاميًا بمفهومه، الذى طرحه من قبل وينبثق من رؤيته لشكل الدولة الغارقة فى مفهوم الخلافة، والتى تتخذه منهجًا لا يمكن القفز عليه، بل يشدد على أن إيهام الناس بأن الإسلاميين قد وصلوا إلى الحكم دربًا من الخرافة والتزييف للحقائق ولا يقف عند ذلك، ويعتبر أن وصول الرجل وحزبه إلى سُدة الحكم نهاية للثورة المصرية والقضاء عليها، فضلاً عن كونه نظامًا مستنسخًا من النظام البائد مسيقا دلالته على ذلك بوجود الفريق "السيسي" الذى هو من وجهة نظرهم ربيب أمريكا والحلقة الجديدة لعملائها فى مصر، مستدلاً بما أوردته صحيفة الواشنطن بوست الأمريكية فى عدد الاثنين 13-8-2012 فى مقال ل"ديفيد ايجانتوس" أن المسئولين الأمريكيين لديهم ثقة فى وزير الدفاع الجديد "عبد الفتاح السيسي"، والذى كانت توجد بينه وبين أمريكا اتصالات مكثفة فى منصبه القديم كرئيس للاستخبارات العسكرية، معتبرين تلك الشهادة تصريحًا واضحًا بولاء الرجل الجديد للإدارة الأمريكية. مستقبل مرسي وفق رؤية حزب التحرير يحصر حزب التحرير رؤيته لمستقبل مرسى بين احتمالين، أولهما، أن يسير فى الفترة المقبلة بكل جدية ويثبت جدارته أمام الغرب بأنه يحمى مشروع الحضارة الغربية والدولة المدنية فيغدق عليه بالأموال لتحسين الوضع الاقتصادى فى البلاد ليرضى الناس عنه وعمن جاء به. وثانيهما أن يكون رجل المرحلة المؤقت فتزداد المشاكل الداخلية وتنتشر الفتن فيفشل مرسى ويفشل معه فى نظر بسطاء الناس والغرب "المشروع الإسلامى"، وفى ذات الوقت سيكون خصومه العلمانيون قد هيئوا أنفسهم للمرحلة القادمة كمنقذين لأهل مصر من تخبطات مَن يسمون بالإسلاميين ومَن يراهن على الاحتمال الثانى يراهن على انطفاء جذوة الثورة وانطفاء الدعوة للمشروع الإسلامى معها وفى كلا الاحتمالين فإن أمريكا هى الرابحة. وفى خضم هذه الأدبيات التى تعبر عن فكر حزب التحرير - ولاية مصر - الوجه الجديد على الساحة المصرية والمشهد السياسى برمته، والتى تكفر بالديمقراطية والدولة المدنية وتعتبرهما أوثانًا جديدة تتخذ ثيابًا حداثية، دفع حضوره اللافت فى ميادين مصر المختلفة ولافتاته التى ملأت جدران المنازل والشركات والمتاجر، ومن ثم مؤتمراته المتوالية فى نقابة الصحفيين واللغط التى أثير حولها إلى محاولة فك رموز هذا الحزب، الذى كرس منذ اللحظة الأولى رهبة منه وخشية من انتشار هذا الفكر التكفيرى على رغم نبذه للعنف بين أوساط الشباب والناس كافة، خاصة وهو يسعى لتقنين خطة السياسى عبر تأطيره سياسيًا باعتراف لجنة الأحزاب المصرية، والتى سيقدم أوراقه الخاصة للحصول على تلك الشرعية قريبًا إلا أن المتبصر للحزب والمتعمق فى قراءته يجد أن الحزب لا يمتلك قدرة على التصالح مع المجتمع من حوله كمثل بقية التيارات الأخرى نظرًا لاستغراقه فى نظرية عودة الخلافة الإسلامية التى أصبحت شكلاً فلكلوريًا وكلاسيكيًا تراثيًا لا يمكن عودته بأى حال من الأحوال فى زمن المدنية والحداثة. ويذكر للحزب خلال الفترة الأخيرة نشاطه الدءوب فى معرفة الناس به وتفعيل الدعاية له، خاصة فى مؤتمره الذى مهد له بشكل كبير قبيل انعقاده، والذى جاء بمناسبة الذكرى الواحدة والتسعين لهدم الخلافة حيث قام الحزب بحملة موسعة للملصقات الدعائية للمؤتمر فى مختلف الأماكن بالقاهرة وغيرها من المدن المصرية، فضلاً عن إرسال 30 ألف رسالة نصية وما يقارب 22500 رسالة عبر الإيميل وحوالى 120000 دعوة عامة تم توزيعها على المنازل والمساجد وفى الشوارع، واحتضنت بعض الجرائد القومية هذه الإعلانات وهو ما يعكس حركية هذا الحزب وقدرته الإعلامية الفائقة، والتى تفوق بها عن نظرائه من التيارات الإسلامية الأخرى واستطاع فى فترة وجيزة أن يصبح حديث الصباح والمساء بين العامة والخاصة على حد سواء. وساهم امتناع نقابة فى بادئ الأمر استضافة مؤتمر الحزب فى إثارة اللغط حوله، والتى أتت فى صالحه وأعده الحزب مكسبًا ومغرمًا كبيرًا مستمدًا من فكرة المظلومية التى وقعت عليه ومثلت مادة خصبة لدى جمهور الإعلاميين والصحفيين للوصول للأسباب الرئيسة لمنع نقابة الصحفيين لإقامة هذا المؤتمر والذى عقد بعد ذلك فى موعده فى 7-7-2012م. مستقبل الحزب يبدو أن حزب التحرير سيظل مغرقاً فى عزلته ومنكفأً على نفسه لكون فكرة نقد الذات أو إقامة مراجعات أو إعادة النظر فى رؤيته للواقعين السياسى والدينى من حوله يستحيل تحقيقها، فضلاً عن أفكاره غير المنسجمة سواء كان ذلك مع الحركات الإسلامية أو السياسية الأخرى من جهة أو الشارع المصرى ذى التدين الفطرى الرافض لهذه الأفكار الجامدة من جهة أخرى، بصرف النظر إن كانت فكرة الخلافة تلقى هوى لدى جموع الشعب الكاثرة إلا أنها ترفض هذه الآلية التى يطرحها الحزب من حيث التغيير من الرأس وليس انطلاقاً من القاعدة. ضعف المرونة ورفض الانسجام مع الحركات الإسلامية الأخرى ينبئ باستحالة فكرة التحالفات بين الحزب وهذه الحركات، فضلاً عن عدم الرغبة فى دخول حزب التحرير - ولاية مصر- فى أى مشروع وطنى يذكر لكونه يرفض من الأساس فكرة الدولة المدنية ومصطلحات مثل الديمقراطية والوطنية والعمل الوطنى المشترك. ومع هذه الأفكار المتحجرة لدى الحزب ومفهومه المغاير تمامًا للعمل السياسى وفقاً للرؤية الحداثية التى تلوكها ألسنة الساسة فى الوقت الراهن من المتوقع أن ترفض لجنة شئون الأحزاب المصرية أوراقه باعتباره جنسًا شاذًا داخل التربة المصرية خاصة الدينية منها، وذلك على الرغم من الاعتراف به فى تونس وبيروت فضلاً عن السودان إلا أن قلة حضور وظهور الحزب وانتفاء شعبيته فى مصر تختلف عن مثيلاتها فى الدول السالفة الذكر حتى وإن كانت دول الربيع العربى تصدرتها أحزاب إسلامية أصولية إلا أنها لا تنسجم مع فكر وآليات وفهم حزب التحرير للواقعين السياسى والمجتمعى من حوله. ثالثاً: السلفية الجهادية.. وتحولاتها بعد الثورة المصرية مثلت أحداث الحادى عشر من سبتمبر منعطفًا مهمًا فى تاريخ الحركات الجهادية فى العالمين العربى والإسلامى، خاصة لما أحدثته من ضخ دماء جديدة داخل بنية هذه التنظيمات، التى تكاثرت وانتفشت بشكل كبير عقب هذه الأحداث خاصة فى الداخل المصرى، خاصة أن من أهم النتائج التى خرجت بها "غزوة الأبراج" سطوع نجم القاعدة كفكرة وأيديولوجية جهادية تقاوم قوى الاستكبار الصهيوأمريكى، والتى جذبت بشكل طوعى العديد من الشباب المتدين المتحمس للفكرة، البعيد عن فكرة التنظيم والتأطير السياسى.. ونتج ما يمكن تسميته بحركات ما بعد الحادى عشر من سبتمبر، والتى كانت سلفية الطابع بعد ما أحدثته المراجعات الفكرية التى طرحتها التنظيمات الجهادية الكبرى وتحديدًا الجماعة الإسلامية فى القضاء على جذوة العمل الجهادى لدى ما كان يعرف بالتنظيمات الكبرى، والتى انتهت داخل أسوار السجون.. ومحت أثارها أجيال جديدة قفزت على رؤيتها التى بدت أكثر كلاسيكية وأنكرتها فى ذات الوقت اعتقادًا منها أنها تخلت عن عقيدتها الجهادية تجاه أمتها. غزو العراق.. وميلاد سلفية جديدة ويمكن القول إن المخاض الحقيقى لمصطلح "السلفية الجهادية" كان الغزو الأمريكى للعراق2003م، والتى نتج عنها تيارات دينية أصولية ذات طابع سلفى تدعو لمؤازرة المسلمين بالعراق فى مواجهة المشروع الغربى، والتى عكست عمق ولب تفكير هذا التيار، وهو تكريس جهاد الخارج أى "جهاد الدفع" بديلاً لجهاد الداخل أى جهاد الأنظمة العربية الحاكمة، وذلك بعد فشل التنظيمات الجهادية الكبرى فى تحقيق ذلك، والذى بدأ باغتيال الرئيس المصرى الراحل أنور السادات عام 1979م. ولا يمكن بأى حال من الأحوال إغفال تأثير السلفية الأردنية الجهادية وأدبيات المقدسى التى انتشرت مع توافد المئات من شباب الإسلاميين على العراق والمناطق الملتهبة. وفى هذا التوقيت طفت على السطح بعض تلك التنظيمات والتيارات على شكل مجموعات متفرقة متباينة فيما بينها من حيث الانتماء الفكرى والأيديولوجى إلا أن رابط العمل الجهادى والحب فى الشهادة كانت السمة المشتركة بينهما. ومن هذه التنظيمات تنظيم "جند الله" وهو تنظيم سلفى صنف على أنه فرع من التنظيم الجهادى المصرى التقليدى على الرغم من كونه لم تكن لديه أدنى علاقة به، وكان يتكون من 43 فردًا وزعيمهم مهندس ديكور يدعى إيهاب إسماعيل، ومفتى التنظيم عزت النجار، وضم بعضويته 3 ضباط، كان من بينهم طارق أبو العزم، مهندس طيران، وأحمد محمود، ضابط مدفعية، وكانت من خططهم ضرب السفارة الإمريكية؛ وذلك فضلاً عن تنظيم المطرية وجيش الإسلام وتنظيم النت وغيرها من التنظيمات الصغيرة التى تستدعى بحثًا مفصلاً إلا أنها كانت فى غالبيتها عندما كشف أمرها لبثت فى السجن بضع سنين إلى أن قامت الثورة المصرية وكانوا من السابقين الأولين لدى هذه الثورة وهو مناط التعجب فى هذا الأمر. السلفية الجهادية.. بين تفجير أنابيب الغاز وحادثة رفح وارتبط اسم السلفية بشكل كبير خاصة بعد الثورة بتفجير خط أنابيب الغاز، فضلاً عن إطلاق الصواريخ تجاه الكيان الصهيونى، وهو أمر لا تنكره السلفية الجهادية بل تعتبره مفخرة وتتباهى به فى كل مكان وأذان إلى أن جاءت حادثة رفح والأحداث المؤلمة على التخوم مع الكيان الصهيونى، والتى اتهمت خلاله جماعات تكفيرية فسطع نجم السلفية الجهادية من جديد خاصة بعد المداهمات العشوائية لأجهزة الأمن والشرطة على هذه التيارات التى تنتمى غالبيتها إلى القبائل البدوية هناك. وعقب الأحداث قامت السلفية الجهادية بتوزيع بيانات أكدت من خلالها أنها بالفعل قد قامت بمهاجمة إيلات وتدمير خطوط الغاز طيلة العام والنصف المنصرم إلا أنها لم تقتل جنديًا مصريًا واحدًا، وجاءت هذه الرسالة لتؤكد فكرة ومضمون العقل السلفى الجهادى، الذى يختلف عن سابقه فى العقود الماضية. البيان الذى تم توزيعه عقب صلاة عيد الفطر المبارك مباشرة بمدينة السويس المصرية والتى تساءلت من خلاله عن جدوى قتل الجنود المصريين والمصلحة فى ذلك؟! مطالبين الشعب المصرى بالتفكير فى الأمر حتى يعرف مدى المؤامرة، حسب وصفهم. السلفية الجهادية.. هل يتحول جهاد الخارج إلى الداخل؟! مع تعاظم العمليات الأمنية فى سيناء والتى اشتركت خلالها قوى الجيش والشرطة معًا، فى العملية التى أطلق عليها اسم «نسر 2»، ومع تزايد حملات الاعتقال والمداهمة لكل ما هو له علاقة من قريب أو بعيد بالحادثة على غرار ما كان يحدث إبان النظام البائد كالاعتقال على الهوية، اندفع التيار السلفى الجهادى الذى أنكر العملية الإرهابية وتبرأ منها إلى توجيه خطاب تحذيري هو الأول من نوعه إلى الجيش المصرى، والذى مثل تحولاً نوعيًا فى فهم أدبيات هذا التيار، خاصة بعد وصفها بعدوان الجيش المصرى على عناصرها وهو أمر ترفضه بشدة، مما سيضطرها إلى القتال ضد الجيش المصري ردًا على الحملة التى يشنها ضد الجهاديين عقب الأحداث التى شهدتها المنطقة الحدودية مطلع الشهر الحالي. وحقيقة الأمر أنه على الرغم من تأكيدات السلفية الجهادية فى سيناء وهى التيار الأكبر هناك من كون سلاحها موجهًا فى الأساس إلى استهداف العدو الصهيونى إلا أن ضراوة المتابعات الأمنية وحملات القتل والاعتقال بغير روية أو تدبير ربما تقلب المشهد فى اتجاه لم يكن تحسبه السلفية الجهادية نفسها فى أى وقت من الأوقات، خاصة أن عنصر القبيلة وهو المكون الأساس فى البيئة الاجتماعية والفكرية لدى السيناوى لا يمكن فصلها عن مفهومه السلفى والجهادى الذى تتبناه هذه الطائفة أى أن الثأر وهو مكون رئيس فى عقلية البدوى من الممكن أن ينمو بشكل كبير فى ذهن وعقل هذا التيار إذا كانت العملية التى قادها الجيش والأجهزة الأمنية تدور هناك بشكل عشوائى وهو ما سيترتب عليه تحويل المسار الفكرى لدى هذا التيار من العمل المسلح تجاه الكيان الصهيونى إلى الجيش المصرى، ومن ثم تنشط فكرة حرب العصابات على غرار ماحدث فى منتصف السبعينيات بين أجهزة الأمن والجماعة الإسلامية. وهو أمر جد خطير إذا لم يلتفت الجميع لحساسية الموقف ومدى ضبابية المشهد فى سيناء، مما تستدعى ضرورة النظر بشكل آخر فى التعامل مع الحركات الإسلامية التى لديها وجهة غير تكفيرية وتتبنى النضال والمقاومة ضد إسرائيل وهو أمر يستدعى من الأجهزة المعنية احتواء مثل هذه الجماعات وليس الاصطدام معها. بعد هذا العرض لتصاعد موجات هذه التيارات الثلاث الجديده على الساحة المصرية "تيار ابو اسماعيل,حزب التحرير,السلفية الجهادية". يمكننا القول ان ضمانة البقاء والاستمرارية لهذه التيارات مرتبطة بمدى انسجامها والواقع المعاش والانصهار في المشروع الوطنى الذي يحوى تركيبة المجتمع المتنوعه والمتباينه .وخلاف ذلك سيضع هذه التجارب الجديده الصاعده ان جاز الوصف في اختبار صعب يترتب عليه بقاؤهاأاو زوالها بفعل المتغيرات الحادئة والفائقة السرعة والتى لا يمكن القفز عليها.فإما ان تكون فاعلة وقادرة على النمو والتأثير في المجتمع بشكل حيوى عبر قراءة نفسها بشكل حقيقي وعمل مراجعات جاده .......واما ان تنتهى وتذوب وتغرق في عزلتها وتصبح أثراً بعد عين. من اعداد معهد العربية للدراسات والتدريب