كل ما يعرفونه عن الأم أنها تلك الإنسانة التي أتت بهم إلى الحياة، فالشعور باليتم هو صديقهم الدائم وليته اليتم العادى، فهو في نظرهم موصوم بالعار، فإن استطاعوا تقبلهم للحياة بدون أم وأب فلن يستطيعوا تقبل حكايات مشينة عن نساء تركوهم محاصرين بالموت والجوع والهلاك على يد الكلاب الضالة وأكملن هن حياتهن وكأن شيئا لم يكن، وكان هؤلاء الأطفال بالنسبة لهن صفحة طويت أسطرها أو مذقها الزمن متناسيات أن تلك الصفحة تحمل حيوات أناس كل ذنبهم أنهم ولدوا لأناس أشرار أخذتهم اللذة وهربوا من تحمل عواقبها. إنها ع. ن، لم يكن كشف المستور بالنسبة لها هين، فقد كبرت وسط أخواتها في الدار وكان كل ما تعرفه أنها يتيمة الأب والأم وهناك من وجدها ووضعها في الدار، وبعد أن أقنعت نفسها بتلك الرواية وأصبحت المشرفة أمها ومدير الدار والدها هي وغيرها من الفتايات، طاردها شبح الماضى فها هي الأم التي جذبها الحنين لتعود إلى ابنتها بعد سنوات ليس لتحضنها وتندم على تخليها عنها ولكن لتعكر صفو حياتها بقصتها عن كيف جاءت إلى الدنيا ابنة الخطيئة. وهناك أم هجرت أولادها وأسرتها لتترك ثلاث فتايات وزوج دون أن يعرف عنها أحد، لتتحمل الابنة الكبرى إلى أم لهن ولكن لم يكف والدها ذلك لتتحول أيضا لزوجة له، وحينما ينكشف أمره يطرده أخاه من المنزل ليس خوفا علىبنات اخيه ولكن طمعا في المنزل، ليسير هو بناته دون معرفة أي طريق يسلكون، ومن هنا تتفرق الاسرة وكل يبحث عن مأوى، وهى كذلك ولكنها لم تكن بمفردها بل كان في احشائها ثمرة الخطيئة، واخذت تعمل خادمة في أكثر من مكان لتتعرف على شاب يعدها بالزواج وحينما اخبرته بالحقيقة ابتعد عنها، وبعد أن ولدت طفلتها تكررت نفس القصة ولم يكن أمامها سوى التخلص من الفتاة التي تعيق طريقها، لذا وضعتها أمام أحد الدور وحينما تأكدت أن الطفلة جرى تسكينها بالدار انصرفت عنها وبدأت مشوار حياتها الذي لم تر فيه الأطفال مرة أخرى بسبب تضرر الرحم إثر ولادة طفلتها الأولى، وبعد سنوات غلبها الحنين لابنتها الوحيدة وذهبت للدار تبحث عن ابنتها، ولكن بعد فوات الأوان. تروى لنا م. ح، قصتها، فتقول: نعم أشعر بالنقص وأشعر بخيبة الأمل كثيرا، ثم أعود وانفض عن نفسى تلك الأحاسيس السلبية، فأنا جزء من حكايات عدة، فالإنسانة التي هي من المفترض أمى، تركتى في أقرب فرصة سنحت لها، لم تستطع أن تواجه بى الناس، فقد كانت تعمل ممرضة، وفى أحد دول الخليج تعرفت على رجل مصرى مقيم هناك، وتزوجته عرفيًا وحينما حملت وطالبته بالزواج الرسمى تنكر لها، وما كان أمامها إلا أن ترجع مصر، ولكنها أخفت عن أهلها كل ما حدث، وعند عودتها لم يعلم أحد بذلك، فأقامت بشقة بمفردها في القاهرة بعيدًا عن بلدتها، وبعد أن وضعت ظللت بصحبتها عدة أيام، حتى حان الوقت الذي يحب أن تعود فيه لأهلها؛ ولكن بالطبع من دونى، فاتفقت مع إحدى جارتها أن تربينى مقابل مبلغ مالى ترسله لها شهريا، على أن تعود لرؤيتى من آن لآخر، وبالفعل سرى الاتفاق لعدة شهور وامتنعت أمى عن إرسال النقود ولم تكن الجارة تعرف لها عنوانا، ولم يكن أمامها إلا أن تضعنى هي الأخرى في أحد دور الرعاية، وكانت تلك الرواية التي حكتها للدار ولقسم الشرطة الذي سلمنى، وبررت تسليمى للدار بأنها لا تعرف عن أهلي شيئًا وليس لى شهادة ميلاد، وبعد شهور صرت جزءًا من الدار التي استخرجت لى شهادة ميلاد، وعلمتنى حتى صرت الآن طالبة بالفرقة الثانية بكلية الأداب. أما ق.س والذي لا يستطيع الكلام لأنه لم يكمل عامه الأول بعد، فتروى لنا قصته أمه البديلة التي تراه ابنها الحقيقى وكأنها من أنجبته، وتقول: أنه جاء إلى الدار وعمره شهور قليلة بعدما تم القبض على أمه وابيه أثناء عملية بيعه لأحد المتسولات مقابل مبلغ مادى، ويواجهان الآن حكما بالسجن لفعلتهم، والأغرب من ذلك أن الأم الحقيقية تبيع ابنها في الوقت الذي تحاول فيه زوجة الأب إرجاعهما عن ذلك وبعد فشلها قررت إبلاغ قسم الشرطة عن الأب والأم ليت القبض عليها وإيداع الصغير في دار الأيتام.