"الأعزب الثري هو شخص جمالي، يكرس وقته للتأمل، ولاقتناء الجمال والبحث عنه، ذلك الجمال الذي يجب أن يكون مُبالغًا فيه، ومُقلقًا في الوقت ذاته، والذي يتجسّد في فتيات الشوارع القابلات للاشتعال". هكذا وصف كتاب"المثقفون والجنس والثورة.. عاهرات وعزاب في القرن ال 19"، للباحثة الفرنسية "لور كاتسارو"، والتي تخصصت في أدب القرن التاسع عشر، والصادرة ترجمته العربية عن دار صفصافة للنشر، عُزّاب تلك الحِقبة، والذين برعوا في ثقافتهم ومجونهم على حد سواء، فخاضت في الصراع بين الطبقة البرجوازية، وبين ثُلاثي "العُزّاب والمثقفين والعاهرات". كانت باريس القرن التاسع عشر حقلًا خصبًا للعزوبية ومُمارسة الدعارة، ومليئة بالمقاهي أماكن الليل والمسارح، وكان التمثيل في ذلك الوقت مرتبطًا ارتباطًا شديدًا بالدعارة، وهو ما دفع مأمور شرطة باريس أن يتلاعب بالعاهرات على اختلافهن من بيوت الدعارة المُرخّصة، وكذلك اللواتي يُمارسن الدعارة السرية، وحسب كاتسارو كان البرجوازيون يُصّنفون العاهرات والعُزّاب باعتبارهم مصابين ب"الجذام الأخلاقي"، فكانوا مرفوضين ومهُمّشين، فاعتبروا مصيرهم محُددًا ب"المرض، والشقاء، أو الموت المبكر". وبينما كان الجميع يلعنه، كان الأعزب يُمارس حقه، ويتمتع بحُريته في أن يُلقي أقوال البرجوازية خلف ظهره، وشكّلت شريكته العاهرة استفزازًا للطبقة البرجوازية في الوقت ذاته، حيث وصِفت بأنها تصنع من جسدها مادة فنية مستفزة وبربرية "وهو ما يتناقض مع رتابة الملابس السوداء الاعتيادية والفساتين الرقيقة"، في الوقت الذي كان فيه الشباب البرجوازيون يذهبون إلى العاهرات للتدرب على الجنس قبل الزواج. "وبينما هي تسعل وتبصق دمًا، وتلفظ أنفاسها الأخيرة، تكون صديقاتها مشغولات بتجريدها مما تملُكه، مارجريت بطلة غادة الكاميليا ماتت بالسُّل، ونانا بطلة رواية زولا تموت أيضًا، بينما تنتحر إيما بوفاري في رواية فلوبير". ركزّت كاتسارو على الأعمال الأدبية التي تناولت المجتمع مثل "الفرنسيون يرسمون أنفسهم"، و"الكوميديا الإنسانية" ل"بلزاك"، و"مدام بوفاري" لجوستاف فلوبير، و"غادة الكاميليا" لألكسندر دوما الابن، ورائعة فيكتور هوجو "البؤساء"، والتي كانت بطلاتها من المومسات، ولكن رغم تمرد معظم المؤلفين على التقاليد، كانت كل البطلات يُعاقبن بطريقة تُرّسخ المفاهيم البرجوازية، أيضًا كانت رسوم تلك الحقبة مليئة بالعاهرات، فكان "إدجار ديجا" يستخدم خرقًا بالية، وفُرَش رسم خشنة، ويرسم بأطراف أصابعه، ليجعل من عاهرات لوحاته شيئًا ضبابيًا بشع الهيئة، مُفتقدًا للمعالم الأنثوية. وكان لكتاب "عالم جديد من الحب" ل"شارل فورييه" نصيبًا من التعمُق لاختلافه عن الخطاب السائد في تلك الفترة، هادمًا الصورة الذهنية التقليدية عن الحياة الطبيعية السوية، مُعاكسًا في رؤيته للشر والضلال، فقال أن هؤلاء المارقين ليسوا سوى أبرياء، ولم يفعلوا سوى ما أملته عليهم الطبيعة، دعيًا لمبدأ الانسجام" وتشارك الحرية الجنسية، وأن تكوين أسرة هو شر، واحتكار لموارد الأفراد.