خص الكاتب والناقد العراقي أحمد حسن "البوابة نيوز"، بقراءته النقدية عن أحدث روايات الكاتب الروائي أشرف العشماوي "كلاب الراعي" والصادرة مؤخرا عن الدار المصرية اللبنانية للنشر والتوزيع٬ وإلي نص ما كتبه أحمد حسن: على مدى ثلاثمائة وخمسة وخمسين صفحة ينتقل بك أشرف العشماوي في سلاسة ويسر عبر أزمنة بعيدة وأجواء تاريخية حافلة بالمؤامرات والدسائس والوشايات والخطط للوصول لحكم المحروسة في مشاهد سينمائية بارعة صاغها بحرفية أديب متمكن من السرد وبلغة واضحة تخلو من التقعر والملل فانسابت حروفه وكلماته وعبارته كالسيل حتى يكاد القارئ يلتقط أنفاسه وهو يتابع رحلة الحسن بن جمال الدين الرومي كاتب الديوان والثائر النبيل المثالي الذي لم تلوثه السياسة بعد في مواجهة مع كلاب الراعي وأولهم شقيقه المملوك الفظ الجبار الذي لا يتورع عن الاطاحة برقبة كل من يقف في طريقه للوصول إلى السلطة والجاه كمحتسب للقاهرة ومن ثم المحروسة كلها، إنه كمال سيف الدولة تلك الشخصية التي رسمها العشماوي ببراعة يحسد عليها فجائت إلى جوار شخصية الحسن الرومي لتكتمل الصورة تماما وتنسج خيوط درامية لرواية تاريخية رائعة وعلامة فارقة في مسيرة العشماوي الأدبية التي بدأها بزمن الضباع وألحقها بتويا التي وصلت لجائزة البوكر كواحدة من افضل الروايات العربية لعام 2012 ثم رائعته المرشد التي اختارها القراء في استفتاء ضخم عام 2013 أجرته صحيفة الدستور وجريدة الحياة بالتشارك مع موقع جودريدز للقراءة كأفضل رواية مصرية ثم رواية البارمان التي حصدت جائزة افضل رواية عربية لعام 2014. العشماوي في رائعته كلاب الراعي التي رغم كلاسيكية عنوانها فقد نجح في جعله غامضا ينطبق على أي قوم في أي زمن وراح العشماوي باقتدار يسخر من حكام مصر القديمة والقائمين على إدارة أمورها منذ مائتى عام بعبارة عميقة "آن لها أن تستقر" وكأن مصر لن تستقر الا إذا حكموها هم فلما نالوا ما ارادوا انجرفوا بالمحروسة إلى الخراب والفقر، اختار العشماوي بعناية فترة ميتة تاريخيا لم يكتب عنها الا قليلا وهى السابقة على تولى محمد على بسنوات قليلة، فترة فوضى عارمة في بر المحروسة ربما لم يجد المؤرخون ما يكتبونه فاكتفوا ببضع سطور متناثرة هنا وهناك، لكن عين العشماوي السينمائية وخياله الواسع أتاحا له أن يخلق عالم روائي مثير في تلك السنوات مستخدما شخصيات خيالية متكئا على ملامح متخيلة في شخصية محمد على لينسج ببراعة خيوطا درامية تصور صراع حقيقي على السلطة وكيف يدار من خلال الكواليس من القوى العظمي من خلال قناصل دول فرنسا وانجلترا النمسا غير غافل للحياة الاجتماعية في مصر وقتها وكأنه عاش تفاصيلها في كل بيت. جائت مشاهد المعارك الحربية متقنة للغاية وبالقدر الذي يريد العشماوي الوصول به للغرض من القصة أو الرواية صحيح أنه افرط قليلا في رحلة الحسن بالصحراء لكنه عوض ذلك باستخدام ضمير المتكلم رغم أن الرواية على لسان راوي عليم منذ البداية فجعل الإيقاع سريعا بغير ملل ووصف حياة المطاريد بصورة مذهلة وكأنه كان يعيش معهم هناك في جبال مدينة المنيا بصعيد مصر وربما تكمن روعة تلك الرواية وعظمتها في أن العشماوي نقل القارئ إلى حياة بعيدة ومجتمع كامل وكأنه عاش فيه بمفرده عشرات السنين فبدا كساحر يروى اسطورة وهذه القدرة على الخيال ثم التعبير عنها بسرد منتظم قوي يجعلنا نرفع القبعة لمؤلف الرواية احتراما لمجهوده وللمتعة الادبية التي قدمها لنا بسلاسة ويسر دون أي تكلف أو افتعال لتقرأ بين السطور كيف أن العشماوي مهموم بوطنه ويتمنى أن يراه في أفضل حال فعبر عن مخاوفه بالكتابة الروائية لينقل مشاعره بصدق. تتجلى عبقرية العشماوي في رسم شخصية نورسين التي أظن وأحسب من قراءة متعمقة في روايته أنه يقصد مصر المحروسة بهذه الشخصية خاصة من خلال كلمات الحسن في مخطوطه الأخيرة الذي يردده على مسامع القارئ ابن اخيه ناجي أو الناجي الوحيد في هذه الرواية من الهلاك والذي اوفده محمد على في بعثة تعليمية ليقول العشماوي باختصار أن التعليم هو الحل اما نورسين فقد اختفت مؤقتا فهى لم تعد كما كانت مثل حال مصرنا اليوم لا تزال حلما أو صورة مهزوزة نحلم أن نراها ثابتة مستقرة لم تذهب ولم تمت لكنها مختفية مؤقتا. كلاب الراعي هي رواية العشماوي الخامسة ورغم ما حصدته سابقتها من جوائز وتراجم ومبيعات إلا أن تلك الرواية في تقديري ستظل على عرش أهم الروايات الادبية لسنوات لينتصر جيل العشماوي ورفاقه اشرف الخمايسي وحسن كمال وعمرو العادلي للأدب الجميل الشيق السلس بغير تكلف في رواياتهم البديعة انحراف حاد والأسياد ورحلة العائلة غير المقدسة ليحطموا قاعدة أن الأكثر مبيعا ليس الأفضل أدبيا وليؤكدوا أنهم من الممكن أن يكتبوا أدبا حقيقيا ويبيعون كثيرا في نفس الوقت لأن كتاباتهم مشوقة لا رتابة فيها ولا ملل.