شهدت الأماكن المقدسة والتاريخية بالأراضي الفلسطينية وخاصة البلدة القديمة بمدينة القدسالمحتلة ومدينة بيت لحم الشهيرة (مهد السيد المسيح) ، إقبالا سياحيا كبيرا خلال أجازه عيد الفطر المبارك والفترة التى تلتها حيث توافدت عليها مجموعات سياحية من مختلف دول العالم لزيارة الأماكن المقدسة والتاريخية التى تعد الأقدم والأكثر عراقة منذ قديم الأزل لما لها من مكانة متميزة في تاريخ الأديان السماوية الثلاثة . وفى وسط مدينة بيت لحم، وعلى التلال القريبة من مركز المدينة، تجد الطريق إلى موقع كنيسة المهد يمتلئ بأفواج السائحين الذين يأتون إليها من كل حدب وصوب لرؤية الكنيسة مهد السيد المسيح، وتحتفظ الكنيسة بطرازها المعماري الأثري منذ إنشائها في القرن الرابع الميلادي في عهد الإمبراطور الروماني قسطنطين عام 325م الذى أمر ببناء ثلاث كنائس ضخمة لتخليد الأحداث الرئيسية في حياة السيد المسيح عليه السلام ، وأعيد بناء الكنيسة في عهد الإمبراطور جستنيان وتبلغ مساحتها الكلية 1040 مترا مربعا . وفى جولة في ساحات المدينة العتيقة ومن خلال الحوار مع السائحين الوافدين للمدينة، تجد أن أغلب أفواج السائحين القادمين إلى المدينة هم من الإيطاليين والألمان بالإضافة إلى اليابانيين وغيرهم من دول آسيوية، وهذه النوعية من السائحين يعرف عنها أنها كانت من أشهر أنماط السائحين الذين كانوا يستهدفون مصر في هذا الوقت من العام، الذى يعد موسما سياحيا كبيرا تنتظره شركات السياحة المصرية لتعويض فترات تأثر السياحة بسبب تطورات الأوضاع في مصر . وتعتبر كنيسة المهد من أقدس المقدسات المسيحية، ليس في فلسطين وحدها وإنما في العالم أجمع، وما زالت إلى يومنا هذا تمثل قبلة للعالم المسيحي بجميع طوائفه، إذ يقصدها الآلاف من الحجاج والسياح من جميع ربوع الأرض كمكان مقدس يعرف عنه أن المسيح عليه السلام ولد في مغارة في هذا المكان الذي أنشئت عليه الكنيسة . ورغم ما تعرضت له أرض فلسطين من غزوات وحروب على مر عقود طويلة، بقيت كنيسة المهد تلعب دورها الديني والروحي للمسيحيين قاطبة للمسيحيين وحافظت في نفس الوقت على طابعها المعماري المميز، وقد أولى المسلمون رعاية خاصة للأماكن المقدسة للديانات الأخرى في فلسطين، وقد تجلى ذلك واضحاً منذ بداية العهد الإسلامي من خلال العهدة العمرية التي أعطاها الخليفة عمر بن الخطاب للمسيحيين في فلسطين بجميع طوائفهم، ومنذ تلك الفترة عاش المسلمون والمسيحيون على أرض فلسطين أبناءً لشعب واحد، جذورهم تضرب عميقاً في هذه الأرض المقدسة محافظين ومدافعين عن مقدساتهم الإسلامية والمسيحية . ورغم أن حركة السياحة في مدينة بيت لحم تشهد رواجا كبيرا وخاصة من السياحة الأوروبية مما قد يمثل دعما قويا للاقتصاد الفلسطيني بشكل مباشر حيث أن مدينة بيت لحم تعتبر خاضعة للسلطة الفلسطينية، إلا أن الأمر الذى يمكن ملاحظته بشكل جلى في جولات السائحين، التى يتم تنظيمها عادة من جانب شركات السياحة الإسرائيلية، هو سيطرة هذه الشركات على حركة السياحة الوافدة إلى المدينة بالإضافة إلى التأثير بشكل ما على تعامل السائحين مع أصحاب المحال والبازارات من أهل المدينة، فالمحال التجارية تشهد كسادا كبيرا ويبدو واضحا للغاية ضعف حركة الشراء من قبل السائحين . ولا يختلف الأمر كثيرا عن هذا الحال في مدينة القدس وخاصة سوق البلدة القديمة ، فعند السير في الأروقة المقابلة لهذه المحال التجارية تجد التجار يحاولون بكل الطرق اجتذاب الوافدين إليها من الأجانب في مسعى قد يفشل في الكثير من الأحيان لإنعاش حركة البيع الراكدة برغم ما تعرضه هذه المحال من منتجات مبهرة وجذابة من المنتجات ذات الطابع الشرقي الذى يحمل ملامح التراث والثقافة الفلسطينية ( كالأشغال اليدوية للأزياء والمنسوجات الفلسطينية أو الهدايا التذكارية التى تحمل صور المدينة العريقة أو الأعمال الخشبية والخزفية أو أغطية الرأس الشهيرة أو المشغولات الفضية والاكسسوارات المنزلية والسجاد اليدوي) ، فهذا المشهد متكرر في مزارات عدة ولافت للانتباه وهو قدوم وفد كبير من السائحين الذين يقومون بزيارة المكان المقصود وعقب خروجهم يمرون مرور الكرام على السوق وهم يعربون عن عدم رغبتهم في الشراء من المحال المجاورة . ويقول س. و، وهو صاحب إحدى البازارات الشهيرة بمدينة بيت لحم ، إن شركات السياحة الإسرائيلية التى تأتى بالوفود السياحية للمدينة ويكون برفقتهم بالطبع مرشد سياحي إسرائيلي تدفع السائحين لعدم الشراء من محلات العرب تحت مزاعم كثيرة ومنها – على حسب قوله – مبالغة العرب في أسعار المنتجات المباعة أو خشية تعرضهم للأذى بالإضافة إلى تحفيزهم على الشراء من أسواق شارع يافا – الذى يوجد به محال وبازارات يمتلكها اليهود - وهو أحد اشهر الشوارع التجارية بمدينة القدس ويشهد إقبالا كبيرا من السائحين القادمين لزيارة المدينة المقدسة ، وفى أغلب الاحيان تكون المنتجات المباعة في شارع يافا هي من صنع عمال عرب وفلسطينيين بحكم مهارتهم في تصنيع وزخرفة هذه المنتجات السياحية . ويضيف أن مدينة بيت لحم تبدو كمدينة مهجورة بعد الساعة السادسة مساء، وهو موعد انتهاء الزيارات الرسمية للكنائس في المدينة مما يؤثر على الحركة في المدينة ويجعل حركة البيع نادرة للغاية . ويضاف إلى هذا كله، فإن منع الجانب الإسرائيلي لتحركات سكان الضفة الغربية طوال العام وحرمانهم من الدخول إلى مدينة القدس تحديدا وإلى المناطق والمدن الساحلية المطلة على البحر المتوسط ومن ثم فتح الطريق أمامهم للقدس وغيرها من الأماكن الساحلية خلال شهر رمضان والعيد بعد صدور تصاريح خاصة بذلك يصب أيضا في مصلحة الجانب الإسرائيلي ويخدم اقتصاده وحركة السياحة الداخلية له . فقد أكدت مصادر إسرائيلية أن نحو مليون سائح فلسطيني عبروا الجدار العازل الذى يخنق سكان الضفة الغربية في شهر رمضان فقط بمعدل يصل إلى 6500 تصريح يوميا . وبحسب التقرير الإسرائيلي ونقلا عن بيانات الإدارة المدنية الإسرائيلية فإن 6500 فلسطيني من الضفة الغربية كانوا يدخلون يوميا إلى القدس ويافا وحيفا وعكا فيما يصل العدد إلى 126 ألف شخص في أيام الجمع . وبحسب التقرير ، فإن هذا العدد من الفلسطينيين تنقلوا داخل الخط الأخضر، وهو الخط الفاصل ما بين الأراضي المحتلة عام 1948 والأراضي المحتلة عام 1967، بواسطة الحافلات لأن إسرائيل تمنعهم من استخدام مركباتهم الخصوصية لأسباب تدعي بأنها أمنية فيما يرى الفلسطينيون في ذلك تفرقة عنصرية . وتصل تكلفة المواصلات لحامل التصريح وأسرته حتى يصل القدس إلى 150 شيكل أي ما يعادل 40 دولارا ، وفي حال أرادت الأسرة أن تذهب بواسطة سيارة أجرة إلى يافا أو حيفا فإن التكلفة تصل إلى 600 شيكل أي ما يقارب 180 دولارا . وبلغت القيمة الإجمالية لمصاريف سكان الضفة الغربية في أسواق داخل الخط الأخضر إلى 100 مليون شيكل أي ما يعادل 30 مليون دولار ، وهو الأمر الذى يغضب بعض الفلسطينيين ويرونه أمرا يصب في المقام الأول في مصلحة إسرائيل، بينما يراه آخرون أنه يصب في مصلحة عرب 48 الذين لا يرغبون بالطبع في الانفصال عن جذورهم ويؤكدون على هويتهم الفلسطينية برغم حملهم للهويات الإسرائيلية ، وفى المقابل أيضا، حرص عرب 48 على زيارة المعالم التاريخية والأماكن المقدسة في المناطق الفلسطينية مثل مدينة بيت لحم والقدس والحرم الإبراهيمي بمدينة الخليل الذى قسمته إسرائيل واستولت على 60 بالمائة من مساحته وخصصتها مكان عبادة لليهود ومنعت دخول المسلمين إليه أو إقامة الآذان بالحرم الإبراهيمي ككل . ويعتبر الحرم الإبراهيمي أيضا جاذبا للكثير من السائحين حيث يعرف عنه أنه أقدم مساجد مدينة الخليل في فلسطين وأبرز ما يمزيها ، ويعتبر رابع مسجد إسلامي بعد الحرم المكي الشريف والمسجد النبوي والمسجد الأقصى ، ومن الثابت عند المسلمين أنه يضم قبور الأنبياء إبراهيم وإسحق ويعقوب عليهم السلام وزوجاتهم سارة ورفقة ولائقة في مغارة تعرف باسم “,”المكفيلا“,” والتي يقوم عليها الحرم الإبراهيمي. فالجزء الأكبر من الحرم الإبراهيمي حيث الغرف المميزة لأضرحة سيدنا يعقوب ويوسف عليهما السلام هو الجزء الذى اغتصبته إسرائيل في عام 1994 عقب المذبحة الشنيعة التى نفذها الطبيب اليهودي باروخ جولدشتاين بحق المصلين عند الفجر في منتصف شهر رمضان وراح ضحيتها أكثر من ثلاثين شهيدا كانوا راكعين . فلهذه الأماكن جميعها قدسية خاصة لكل أطياف البشرية ولا يحق لأحد أن يحتكرها أو أن يمنع وصول من يريد إليها ، فتلك الأرض جميعها هي أرض الأنبياء وبقعة مقدسة من الأرض التى باركها الله عز وجل وليست ملكا أو حكرا لأحد بعينه ، فتاريخ البشرية لا يقسم ولا يمكن احتكاره أو نسبه إلى فئة محددة أو ديانة دون غيرها . أ ش أ