بعد التغير “,”الدراماتيكي“,” التي شهدته مصر بإزاحة الجنرال عبدالفتاح السيسي لجماعة الإخوان عن السلطة ممثلة في رئاسة مرسي، واستجابة لكراهية شعبية اجتماعية وسياسية لوجود كيانات الإسلام السياسي، بات أمام أمريكا أن تراجع حساباتها، بعد رهانها الخاسر على تيارات “,”إسلامية“,” حاولت إظهارها أمام العالم بأنها “,”معتدلة“,” تنتهج الديمقراطية وتبتعد عن العنف . أثناء الإطاحة بالنظم الديكتاتورية في ما يعرف ب“,”ثورات الربيع العربي“,”، كانت أمريكا ومن ورائها أوروبا تضع كل ثقلها في اتجاه إسقاط الأنظمة القديمة، سخرت إعلامها للتهليل إلى تلك الثورات، وكال القادة الغربيون المديح للشباب الذين قاموا بالثورة . ورغم التحليلات الغربية التي كانت تدفع بالإدارة الأمريكية للمزيد من التعاون مع الإخوان إلا أنها كانت قلقة من مصداقية الإخوان عندما يستولون على السلطة، كتب بعد ثورة 2011 بوقت قصير أيان جونسون الخبير في شؤون الإخوان في موقع نيويورك أوف بوكس، تقريرا حول علاقة الإخوان بالولايات المتحدة، منذ الحرب الباردة حتى الحرب على الإرهاب بعد 11 سبتمبر، وقال أنه على أوباما ألا يتردد في التعاون معهم، فهم على الأقل تيار واسع يمتد لأكثر من دولة، وسيكون لهم صوت مؤثر إن لم ينالوا السلطة بشكل كامل، وفي التعاون معهم ضمان لاستقرار علاقة أمريكا بدول الشرق الأوسط لفترة قادمة . ولكن من قبل 2011 بسنوات كانت خطة أمريكية تم إعدادها والمعروفة ب“,”ريداريكشن“,” أي إعادة التوجيه، ونشرتها صيحفة “,”نيويوركر“,” عام 2007، وفيها إسقاط الأنظمة الحاكمة “,”العلمانية“,” و إحلال نظم إسلامية موالية للغرب، مع ضغوط لحل المشكلة الفلسطينية، لإحلال الصراع السني الشيعي محل العربي الإسرائيلي . ووفقا لسيمور هيرش في “,”نيويوركر“,” عام 2007، فإن معدي هذه الخطة أو أبطالها هم ديك تشيني وزير دفاع أمريكي سابق، وأبرامز نائب مستشار الأمن القومي الأمريكي وقتها، والعراقي مرشح سفير الأممالمتحدة زلماي خليل زاد، والأمير بندر بن سلطان كان مستشار للأمن القومي السعودي حينها ورئيس المخابرات حاليا . وبدا الإخوان بعد فوز مرسي في الانتخابات، المشكوك في صحتها بالأساس، ومراعاتهم لأمن إسرائيل القومي، متمثلا في وقف إطلاق النار من غزة، ومضايقات حماس للفصائل السلفية والجهادية التي تطلق الصواريخ على إسرائيل، زاد من حماسة الجانب الأمريكي للإخوان المسلمين، وهو الفصيل السياسي الإسلامي الأول الذي يثبت حسن نواياه حيال أمريكا، العبارة قالها بالنص أحد المحللين السياسيين الأمريكيين، فغضت أمريكا الطرف عن الجانب الإخواني . “,” وول ستريت جورنال“,” كتبت في يوم سابق لوقف إطلاق النار من قبل حماس بضغط من مرسي، أن الحكومة الأمريكية وعدت بمساعدة مصر في بناء مؤسسات ديمقراطية إذا استطاعت إحراز السلام في إسرائيل، الأمر الذي قد يترجم سياسيا تقديم دعم اقتصادي وسياسي ولوجستي لتمكين الجماعة، الأمر الذي عكس غض طرف أمريكا عن الممارسات الاستبدادية التي بدأت بعد وقف إطلاق النار بين حماس وإسرائيل، حيث أعلن مرسي لنفسه السلطات كاملة، وقام بكتابة للدستور، سريعة ومتعجلة وعاكسة لرؤية الإسلام السياسي فقط . هنا بدا الغضب والتوتر ملاحظ بين النخب السياسية في مصر والولايات المتحدة، وبدأت تنطلق التظاهرات الغاضبة ضد الإخوان وأمريكا في ذات الوقت، وكما قال السيسي في حواره للواشنطن بوست، المصريون لن ينسوا أن أمريكا أدارت ظهرها لهم . حتى جاء التغير الدراماتيكي، بنزول الناس بالملايين إلى الشارع، واستجابة الجيش المصري لهم، والإطاحة بمرسي، مما مثل أول خطوة مصرية بعد الثورة تقف ضد الرغبة الأمريكية، وشنت الصحف الأمريكية في افتتاحياتها حملة شعواء ضد السيسي وما وصفته ب“,”الانقلاب“,” على أول رئيس مصري منتخب، إلى الدرجة التي وصفته صحيفة “,”يو إس إيه توداي“,” بأن الجيش استجاب ل“,”الرعاع“,” وأسقط الرئيس المنتخب، ووصفت الجارديان “,”الانقلاب الكارثي في مصر “,”. أمريكا لا تستطيع التخلي عن الإخوان، على الأقل في هذه المرحلة، لأن التعاون مع الإخوان اتخذ شكلا دوليا، وقد طلب أوباما سرا وعلنا أموالا تقتطع من الميزانية الأمريكية لدعم جماعة الإخوان، في ليبيا وجنوب افريقيا، وهو المنشور والمعلن، سيكون في وضع حرج لو تنازل عن الإخوان، وسيستغلها الجمهوريون لإثبات فشل سياسات أوباما، إضافة إلى اعتقاد أوباما في أن الإخوان على الرغم من تناقص شعبيتهم، إلا أن القوى المدينة أيضا مصداقيتها تتآكل في مصر، وفقا لإحصائيات مصرية وأمريكية، وبالتالي يمكن للإخوان أن يكسبوا تعاطف البسطاء في القرى والمناطق الريفية، مما يثقل من كفتهم أمام الليبراليين، واحتياج الإدارة الأمريكية إلى الإسلام السياسي لتطبيق مشروعها في الشرق الأوسط، الصراع السني الشيعي، الذي سيساعد في تحجيم وجود إيران في المنطقة، وإزاحة النظم الموالية لها، العراق وسوريا ولبنان . السياسة الجديدة التي تعتمدها إدارة أوباما، والذي ترجمها بلغة سلسة تريك أرجر، في صحيفة “,”وول ستريت جورنال“,” الأمريكية، هي ما يمكن أن نسميها “,”تجزئة القضايا“,” والتعامل معها كلا على حدة، فبدلا من أن تدعم أمريكا سياسيا الجيش أو الإخوان، يمكن أن تتعامل مع قضية الصراع مجزءة، ويكون لها موقف واضح حيال كل قضية، لا يدين طرفا على طول الخط أو يمتدح آخر، فإدارة أوباما تنتقد عنف الإخوان وإحراق الكنائس وممارسات التعذيب بحق المناصرين للجيش، وفي ذات الوقت تنتقد التعامل المفرط في القوة من جانب الجيش والأمن، وتؤكد على الحل السياسي، وتبقي المعونة العسكرية مستمرة وفي ذات الوقت تلغي التدريبات العسكرية “,”النجم“,” الساطع مع الجيش لإظهار غضبها . وفي القضية الفلسطينية أيضا ستكف أمريكا عن دعم قرارات إسرائيل، ولكنها لن تكف عن دعم الدولة الصهيونية، تنتقد إدارة أوباما المستوطنات التي تشيدها إسرائيل، وتمتدح تحريرها للسجناء، ولكن في النهاية أمريكا تقف خلف الإخوان بشكل خاص وتيار الإسلام السياسي بشكل عام، وكذلك تدعم الوجود الإسرائيلي بقوة، مهما صدر عن الطرفين من ممارسات إرهابية ومنتهكة لحقوق الإنسان ولقيم الديمقراطية . Normal 0 false false false EN-US X-NONE AR-SA