حظي موديبو كيتا كرئيس لحكومة مالي، عقب استقالة موسى مارا، مطلع الشهر الماضي، على رضا الحكومة والمعارضة والجماعات المسلحة في الشمال من منطلق أنه شخصية توافقية تحظى باحترام مختلف أطراف الأزمة المالية. وعلى الرغم، من سيل كلمات الإطراء والثناء التي تنطلق فور ذكر اسمه؛ لأنهم يصفونه ب"المجامل" و"المتأني" و"المستقيم"، فإن الرجل بعيد كل البعد عن مسألة تجسيد تجديد الطبقة السياسية، لكنه في ذات الوقت شخصية توحى بالثقة. ويرى المتابعون للشأن السياسي المالي، أن تعيين كيتا في منصب رئيس الحكومة نابع من كونه رجل المرحلة لنجاحه في لعب دور الوساطة بين الأطراف المتناحرة من ناحية، ولحسه الدبلوماسي ومعرفته الدقيقة بالمسألة الأمنية المالية والميدانية وبمسائل البلاد الإدارية من الناحية الأخرى. ويرى مراقبون، أن رئيس الوزراء الجديد (74 عاما) قادر على تسريع مباحثات السلام وإنجاحها مع الانفصاليين من الطوارق، حيث تميز خلال المفاوضات مع المجموعات المسلحة، وبصفته ممثلا ساميا للرئيس المالي بوبكر كايتا، بالحياد المطلوب على الرغم من صعوبة المهمة، حسب تقدير هؤلاء المراقبين. يزيد على ذلك أن تعيين موديبو كيتا، على رأس الحكومة بث الطمأنينة في محيط الرئيس، على العكس من سلفه موسى مارا، الذي عرف بعلاقاته المتوترة مع الرئيس وأعضاء الحكومة. جدير بالذكر أن كيتا تقلد العديد من المناصب الوزارية، وشغل منصب وزير التربية في العام 1979، ومنصب وزير الشئون الخارجية في العام 1986، وعيّن سفيرا لبلاده في سويسرا والسويد والدنمارك والنمسا والنرويج، قبل أن يتقلد سنة 2002 منصب رئيس حكومة لفترة قصيرة ما بين شهري مارس ويونيو عام 2002. ولم يقبل موديبو كيتا على الفور، عرض الرئيس إبراهيم بوبكر كيتا بتولي هذه المهمة، وأخذ وقتا للتفكير، لكنه في نهاية الأمر غلب المصلحة العامة، فهو وفقا لما ذكره وزير سابق،" ينتمى إلى ذلك الجيل الذي لديه حس الدولة والإدارة وشديد الانضباط"، الأمر الذي قد يساعد في إعادة تنظيم الصفوف. وعقب تسميته رئيسا للحكومة، زار موديبو كيتا، أقطاب حزب التجمع من أجل مالي (الحزب الحاكم)، الذين لم يستسيغوا قط تعيين الشاب مارا، ولم يكتف موديبوكيتا بذلك، وذهب للقاء أحزاب المعارضة، قائلا:" إن المعارضة ليست من الأعداء"، ولاقت هذه اللفتة استحسان المعارضة التي طالما تجاهلها سلفة مارا. ويذكر أحد مراقبي مفاوضات الجزائر (بين باماكو والجماعات المسلحة)، ومثل فيها موديبو حكومة مالي، أن الرجل لم يكف منذ شهر يوليو الماضي عن الإفصاح عن رغبته في الاعتزال، بسبب ما يصيبه من إجهاد. وأوضح المراقب نفسه أن كيتا كان يحظى باحترام الجميع، ولم يدخر جهدا في تقريب وجهات النظر بين الفريقين، لكنه لا يتحمل وحده مسئولية النتائج التي وصلت إليها العملية السلمية. وتتجلى حكمة موديبو كيتا أيضا عندما ذهب، في نهاية العام الماضي، إلى كيدال (شمال مالي) لتقديم واجب العزاء في وفاة أنتالا أغ الطاهر زعيم أقوى قبيلة من قبائل الطوارق، الأمر الذي ثمنته الجماعات المسلحة. من جانبه، يقول المتحدث الرسمي باسم الحركة الوطنية لتحرير أزواد السيد موسى أغ الطاهر "نقدر الرجل وتواضعه فهو دائما ما يلقى بالا إلى مطالبنا، صبور، لا يتردد في الإفصاح عما يدور في خلده، وهو أكثر حكمة بحق، وأكثر جرأة من معظم السياسيين الذين التقينا بهم". من جهته، تحدث محمد ولد ماتالي أحد المسئولين السياسيين في الحركة العربية لأزواد قائلا: "نحن بحاجة إلى خبرته.. فهو ليس سياسيا وهذا هو سر قوته". ويتعين أولا على موديبو، ثالث رئيس وزراء يتم تكليفه خلال 16 شهرًا، وحتى يحتفظ بحكومته أطول فترة ممكنة مقارنة بأسلافه، أن يحافظ أيضا على مصداقيته في عيون الماليين، الجماعات المسلحة والمجتمع الدولي بأسره، وأن يجمع أعضاء الحكومة حوله قبل الخوض في التركة المثقلة المتمثلة في المصالحة، الأمن، إصلاح المؤسسات، مكافحة الفساد.. ويبقى السؤال الأهم: "هل سيترك الرئيس إبراهيم بوبكر كيتا المجال مفتوحا أمام هذا الرجل ؟".