شهد الحفل الغنائي الذي أقيم بالعاصمة اللبنانيةبيروت بمناسبة أربعين عاما على رحيل سيدة الغناء العربي أم كلثوم، إقبالا كبيرا من الجمهور اللبناني والجاليات المصرية والعربية أدى إلى وقوف عشرات من الحضور بعد أن امتلأت مقاعد قاعة قصر اليونيسكو الذي سبق أن غنت كوكب الشرق بها منذ 50 عاما. وحضرت نخبة مدينة بيروت التي يسميها أهلها "ست الدنيا" لتكرم الست (أم كلثوم)، ولتستعيد هذه النخبة ذكرياتها الجميلة مع كوكب الشرق التي زارت لبنان مرارا . وزارت أم كلثوم لبنان لأول مرة عام 1934، تلبية لدعوة من السيد أحمد الجاك؛ حيث وصلت عن طريق البحر وسارت على السجاد الأحمر الذي فرش من ميناء بيروت إلى مسرح تياترو الكبير وسط حشود ضخمة من المستقبلين لم يسبق أن شهدتهم لبنان لأي زائر. أما المرة الثانية فحضرت أم كلثوم إلى لبنان عام 1935 وغنت في منشية عاليه بجبل لبنان ثم التياترو الكبير عام 1936. وقبل نصف قرن من من حفل الأمس، غنت أم كلثوم في المسرح ذاته مسرح قصر اليونيسكو. (الأونيسكو كما يسميه اللبنانيون) عام 1955 برعاية الرئيس اللبناني الراحل كميل شمعون وعقيلته ورئيس الوزراء سامي الصلح وقد قلدها الرئيس شمعون وسام "الكومندور". وفي عام 1965 بعد إقامتها حفلة في قصر اليونيسكو جرى تكريمها بحفل خاص في فندق البريستول ببيروت وقلدها رئيس الوزراء اللبناني آنذاك رشيد الصلح وسام الاستحقاق، ثم غنت في قلعة بعلبك الشهيرة عام 1967. ويشير حسن الجاك في مقال في كتيب أصدرته لجنة تكريم رواد الشرق إحدى الجهات المنظمة للحفل إلى أنه في عام 1955 أثناء إقامتها حفلة في "عاليه"، وكان الحضور كثيفا ومن مختلف الدول العربية غنت أم كلثوم حتى الساعة الرابعة صباحا وأثناء الغناء سمع صوت الآذان، فتوقفت عن الغناء لتبسط يدها للفرقة طالبة التوقف لبرهة ثم تابعت. واستعاد الحضور أمس كل هذه الذكريات خاصة أن المسئولين الذين تكلموا قبيل الحفل تحدثوا عن ذكرياتهم الشخصية مع أم كلثوم وقارنوا بين ما تمثله من فن ووحدة وسلام وبين ما تشهده المنطقة من توحش للإرهاب. وصفق الجمهور بشدة للمطربات الأربع نزهة الشعباوي من المغرب التي غنت "أنا في انتظارك" من كلمات بيرم التونسي، ألحان زكريا أحمد، إنتاج عام 1943، ثم يسري محنوش من تونس التي غنت الأطلال قصيدة الشاعر الطبيب إبراهيم ناجي، وألحان الموسيقار رياض السنباطي وغنتها أم كلثوم عام 1965. ثم غنت نادين صعب من لبنان "للصبر حدود"، من كلمات عبدالوهاب محمد، وألحان محمد الموجي، وإنتاج 1964، ثم اختتمت الحفل بالمطربة المصرية كارمن سليمان الحاصلة على لقب محبوبة العرب التي غنت "هذه ليلتي"، من كلمات جورج جرداق وألحان عبدالوهاب محمد وهي أول أغنية عاطفية تغنيها بعد حرب 1967. بينما اتفق الجمهور على حسن أداء المطربات وروعة الحفل وأنه شكل استعادة لأجواء الزمن الجميل فإنه كان طبيعيا أن يختلف على تقييم أداء المطربات الأربع وأيهما أفضل إلا أنه كان لافتا إلى أن المصرية كارمن سليمان والتونسية يسرى محنوش قد نالا نصيبا أكبر من التصفيق الحار خاصة يسري عندما بدأت تغني المقطع الشهير "هل رأى الحب سكارى مثلنا". أما كارمن فقد بلغ تأثر الجمهور بغنائها وكونها ابنة النيل مثل كوكب الشرق حدا جعل إحدى مدربات البالية المخضرمات في لبنان تنفعل وترقص باليه على أنغام "هذه ليلتي" .. فكانت بالفعل ليلة الست "أم كلثوم" في بيروت "ست الدنيا".