"نادية حديد" امرأة إسماعيلاوية اضطرتها الظروف للعمل في ورشة الحدادة وخرجت عن المألوف والأعراف، التي جعلت مهنة الحدّاد في مصر حكرًا على الرجال، أثارت دهشة الرجال والنساء معا حين أصرت على إدارة ورشة زوجها بعد وفاته، وانخرطت في مهنة شاقة وخطيرة تعتمد على المصاهرة الدائمة بين الحديد والنار. وبدافع من الوفاء والحب لزوجها، نزلت إلى العمل، وفي فترة وجيزة أصبحت تتقن صيغه وأشكاله على جميع المعدات الموجودة بالورشة. ويأتي ذلك بالرغم من أنه لم يسبق لها العمل في أية مهنة لأنها لم تكمل تعليمها في كلية الاداب، بعد أن تزوجت مكثت في المنزل لتربية أولادها، حيث أنجبت ثلاثة أولاد (بنتين وولد)، وتوفي زوجها وكانت الابنة الكبرى في الصف الأول الثانوي وكان أصغر أبنائها في الصف الأول الابتدائي، حيث تحملت ابنتها الكبرى التي كانت في الصف الأول الثانوي حينئذ جزءا من المسئولية معها. الأم المكافحة أنجزت المهمة وتخرج أولادها في الجامعات وتزوجوا، بينما هي إلى اليوم تعمل في الورشة بيدها رغم وجود خمسة عمال. تقع ورشة "نادية" في قلب مدينة الإسماعيلية، إحدى مدن قناة السويس. وتستقبل زبائنها بابتسامة رضا وتفاؤل، سعيدة بأنها تكاد تكون أول امرأة في مصر، وربما المنطقة العربية التي تعمل في هذه المهنة. تبدأ "نادية" يومها في الثامنة صباحا حيث بداية عمل الورشة، ثم تتناول الإفطار مع العمال، يليه فنجان القهوة والذي تحرص على تناوله أمام باب الورشة حيث تتطلع على أمور أبرز شوارع الإسماعيلية وهو الشارع الثلاثيني، والذي تقع فيه الورشة منذ عشرات الأعوام، ثم توزع الأعمال على العمال لإنجازها، ويستمر العمل بالورشة حتى الخامسة عصرا، تعود بعدها لاستكمال يوم عمل آخر يبدا من الخامسة والنصف وهو إعداد مائدة الطعام ولم شمل الأسرة حولها. كان ل"البوابة نيوز" لقاء مع "نادية بديوي"، أول امرأة تعمل في مهنة الحدادة، وتحاورنا معها حول طبيعة المهنة والظروف التي دفعتها لهذا الطريق، وتأثير ذلك على حياتها العائلية والاجتماعية، وأكدت أن عملها بالورشة لا يتسبب في أي تقصير تجاه واجباتها المنزلية. قالت نادية إن الصعوبة التي واجهتها في البداية أنها لم تخرج للعمل مطلقًا من قبل، فقد تزوجت وهي في التاسعة عشرة من عمرها، ومن أجل زوجها وحبها له تركت دراستها الجامعية، حيث كانت في الصف الأول بكلية الآداب، كذلك لم يكن لديها خبرة كافية عن العمل في هذا المجال الغريب على عالم المرأة. ومع ذلك، انطلقت نادية من بعض الخبرات البسيطة التي لمستها خلال الأوقات التي كانت تحضر فيها إلى الورشة للاطمئنان على زوجها، ثم واجهت المأزق الحقيقي مع موقف العمال والفنيين الموجودين بالورشة، الذين أثاروا العديد من المشاكل في بداية عملها لأنهم كانوا يعتمدون على قلة درايتها بالعمل مما كبدها خسائر فادحة. وأضافت نادية "ولأني كنت مصرة على إتقان المهنة ليس حبا فيها لكني كنت مضطرة؛ حيث إن هذة الفترة كانت الظروف المادية تحت الصفر ولم أجد ما ألبي به احتياجات أطفالي الثلاثة فلم يكن هناك بديل من هذة المهنة رغم كل ما شابها من مشقة وتعب ومخاطر والتعامل مع الحديد يحتاج قوة وخبرة وحرص لكن بحمد الله تمكنت بعد فترة بسيطة من اتقان العمل. وكان إصراري على استمرار العمل في الورشة، لأني كأم أتمنى توفير حياة كريمة لأولادي فكان الالتزام بمواعيد تسليم الشغل من أهم مميزات الورشة وكذلك جودة التصنيع حتى أصبحت ورشة بديوي من أشهر ورش الحدادة في المحافظة". وتابعت "نادية": "بينما واجهت هذه المشاكل بحزم، وبعد نحو تسعة أشهر من الخسائر المتواصلة طردت جميع العمال من دون أن تغلق الورشة، بل كانت في تلك الفترة تقبل بعض الأعمال البسيطة التي تتمكن من عملها مثل لحام الأوكسجين، لكن إصرارها على سمعة الورشة وإتقان العمل في موعده، ساعدها على استقطاب اثنين من العمال والفنيين للعمل بورشتها، ولا يزالان مستمرين معها حتى الآن، ثم انضم إليهما عدد آخر من العمال ليصل عددهم الآن إلى ثمانية عمال". وبالرغم من تعرضها للصعاب ومشاق هذه المهنة، إلا أنها أتقنتها بجدارة بعد فترة وجيزة من التدريب، وعشقت فن تشكيل المعادن وتصميم رسومات وأشكال هندسية غير تقليدية للأبواب والشبابيك الحديدية، وساهم ذلك في زيادة إقبال الزبائن على أعمالها.