"سمعتي في لندن مبنية على القليل من الأبيات الشعرية، ويصون هذه السمعة نشر قصيدتين أو ثلاث في السنة، الشيء الوحيد المهم في هذا الأمر هو أن تكون هذه القصائد القليلة كاملة وفريدة من نوعها، بحيث تصبح كل قصيدة منها حدثًا فريدًا ومهمًّا بحدّ ذاتها". تلك رسالة من الشاعر والمسرحي والناقد الأدبي، توماس ستيرنز إليوت، إلى صديقه وأستاذه السابق في جامعة هارفارد الأمريكية، الناقد "جيه. إتش. وودز"، عُرف إليوت بقلة الإنتاج، ورغم م قلة أعماله إلا أنها تركت بصمة وأثر وأضح في كل مجالات الكتابة وخاصة الشعر الذي تمكن من خلاله أن يختزل العالم في قصيدة. إليوت الذي تمر اليوم 4 يناير ذكرى رحيلة عام 1965. نشأ في مدينة سانت لويس بولاية ميزورى في الولاياتالمتحدةالأمريكية، ودرس في جامعة هارفارد قبل أن ينتقل إلى المملكة المتحدة "بريطانيا" عام 1914 للإقامة هناك، ومن ثم حصل على الجنسية الإنجليزية وأصبح من رعايا المملكة عام 1927، حصل على جائزة نوبل في الآداب عام 1948. اتسم شعر إليوت بالغموض، ولكنه غموض العمق لا غموض البلاغة اللفظي والزينة، كما اتسم بالإفراط في العقلانية وغياب العلائق المنطقية، واستخدامه الصور بإفراط، ولكنها صور عسيرة على التصور، ولابد من إمعان النظر فيها لتكشف عن مدلولاتها. وقد اضطره هذا المنهج إلى التضحية بالشكل الشعري المتوارث في سبيل التعبير عن المحتوى، فظهر على يده ما عرف بالشعر الحر، العاري عن الوزن والقافية، وهذا اللون من الشعر لقي رواجًا لدى طائفة من الشعراء العرب المحدثين والمعاصرين. إن لظهور الشاعر توماس إليوت تأثير كبير على النقد العربي وقد عرض نظراته النقدية في طائفة من مؤلفاته ثم طبقها في قصيدته المشهورة "الأرض اليباب" حيث اهتم إليوت بالتراث الأدبي العالمي وضمنه شعره ومقاطع من روائع التراث الغربي وهو يثبت هذه المقاطع بلغتها الأصلية، فاقتبس من إلياذة هوميروس ومن إنيادة فرجيل ومن جوته ودانتي الإيطالي في الكوميديا الإلهية ومن الشعر الرمزي الفرنسي، وشعر بودلير خاصة. بدأ توماس ستيرنز إليوت نشاطه الثقافي والإبداعي بنشر قصائده في الدوريات الأدبية الإنجليزية، إلى جانب نشر كتيّبات صغيرة ومتفرّقة يضم كل منها قصيدة واحدة، بينما كان ديوانه الأول "بروفروك وملاحظات أخرى" في عام 1917 بداية انطلاقته الكبرى وظهوره الواضح في الساحة الثقافية الإنجليزية، كما ترك إليوت بصمة مهمّة في المسرح الكنسي والمسرح الشعرى، إضافة إلى تأثيره الواضح في مجال النقد الأدبي بمقالاته وكتبه التي مثّلت إضافة عميقة الفعل والتأثير إلى جانب منجز مدرسة النقد الحديث، بما طرحه من تصوّرات حول طبيعة الموهبة والتقليد ومدى وجوب وأهمية قراءة العمل الأدبي في إطار المنجز الثقافي العالمي. أصدر إليوت عددًا من المجموعات الشعرية التي ضمّت كامل إنتاجه الشعرى: بروفروك وملاحظات أخرى، أغنية حب جى ألفريد بروفروك، قصائد، جيرونشن، سوينى بين ملائكة الليل، الأرض اليباب، الرجال الجُوف، قصائد آرييل، رحلة المجوس، أربعاء الرماد، كوريولان، كتاب الجرذ العجوز عن القطط العملية، نشيد زحف الكلاب البوليكية، والرباعيات الأربع، كما أصدر عددًا من المسرحيات: صراعات سوينى، الصخرة، جريمة في الكاتدرائية، لمّ شمل العائلة، حفلة كوكتيل، الموظف الموثوق، ورجل الدولة الكبير، وفى مجال النقد أصدر توماس ستيرنز إليوت: لتقليد والموهبة الفردية، العقل من الطبقة الثانية، الغابة المقدسة: مقالات في الشعر والنقد، هملت ومشاكله، تقدير جون دريدن، شكسبير وصوفيّة سنيكا، إلى لانسلوت أندروز، دانتى، مقالات مختارة، فائدة الشعر وفائدة النقد، فكرة المجتمع المسيحي، ملاحظات حول تعريف الثقافة، الشعر والدراما، الأصوات الثلاثة للشعر، تخوم النقد، وفى الشعر والشعراء.