يقول زكي مبارك في كتابه المدائح النبوية في الأدب العربي أنها "فن من فنون الشعر التي أذاعها التصوف، فهي لون من التعبير عن العواطف الدينية، وباب من الأدب الرفيع؛ لأنها لا تصدر إلا عن قلوب مفعمة بالصدق والإخلاص". والمديح النبوي، عبارة عن شعر يهتم بمدح رسول الإسلام محمد بن عبد الله، وتعداد صفاته وإظهار الشوق لرؤيته وزيارته والأماكن المقدسة التي ترتبط بحياته، مع ذكر معجزاته الماديّة والمعنويّة ونظم سيرته شعرًا والإشادة بغزواته وصفاته والصلاة عليه تقديرًا وتعظيمًا، وغالبا ما يتداخل المديح النبوي مع قصائد التصوف وقصائد المولد النبوي. وعرفت البشرية المديح النبوي منذ بداية البعثة النبوية، ومن بين أشهر مادحي النبي الكريم، هو الصحابي حسان بن ثابت الأنصاري الشاعر العربي من الأنصار، ينتمي إلى قبيلة الخزرج من أهل المدينة، وصار شاعر الرسول بعد الهجرة. وكذلك الصحابي عبد الله بن رواحة من الأنصار أيضًا، وشارك في غزوة بدر، وقال في النبي: أنت النبي ومن يحرم شفاعته يوم الحساب فقد أزرى به القدر فثبت الله ما آتاك من حسن تثبيت موسى ونصرًا كالذي نصروا فقال له النبي: "وأنت فثبتك الله يا بن رواحة". أول ما ظهر من شعر المديح النبوي ما قاله عبد المطلب إبان ولادة محمد صلى الله عليه وسلم، إذ شبه ولادته بالنور والإشراق الوهاج الذي أنار الكون سعادة وحبورا، يقول عبد المطلب: وأنت لما ولدت أشرقت الأرض وضاءت بنورك الأفق فنحن في ذلك الضياء وفي النور وسبل الرشاد نخترق وإذا انتقلنا إلى الأدب المغربي لرصد ظاهرة المديح النبوي، فقد كان الشعراء المغاربة يحتفلون بمولد النبي ونظم الكثير من القصائد في مدح الرسول وذكر صفاته الحميدة وسيرته النبوية الشريفة، وذكر الأمكنة المقدسة التي وطئها نبينا المحبوب. وكان الشعراء يستفتحون القصيدة النبوية بمقدمة غزلية صوفية يتشوقون فيها إلى رؤية الشفيع وزيارة الأمكنة المقدسة ومزارات الحرم النبوي الشريف، وبعد ذلك يصف الشعراء المواكب الذاهبة لزيارة مقام النبي الزكي، وينتقل الشعراء بعد ذلك إلى وصف الأماكن المقدسة ومدح النبي مع عرضهم لذنوبهم الكثيرة وسيئاتهم العديدة طالبين من الحبيب الكريم الشفاعة يوم القيامة لتنتهي القصيدة النبوية بالدعاء. ومن أهم الشعراء المغاربة الذين اشتهروا بالمديح النبوي نستحضر مالك بن المرحل ويقول في قصيدته الهمزية مادحا النبي: إلى المصطفى أهديت غر ثنائي فيا طيب إهدائي وحسن هدائي أزاهير روض تجتنى لعطارة وأسلاك در تصطفى لصفاء وفي العصر الحديث كان من أبرز من مدح الرسول الكريم في القصائد كان محمود سامي البارودي وأحمد شوقي وحافظ إبراهيم ومحمد الحلوي وآخرين كثيرين... ومن قصائد محمود سامي البارودي في المديح النبوي قصيدته "كشف الغمة في مدح سيد الأمة" وعدد أبيات هذه القصيدة 447، ومطلع القصيدة هو: يا رائد البرق يمم دارة العلم واحد الغمام على حي بذي سلم ومن الشعراء الآخرين كان الشيخ أحمد الحملاوي في قصيدته التي سماها كذلك ب "منهاج البردة" ومطلعها: يا غافر الذنب من جود ومن كرم وقابل التوب من جان ومجترم ويبرع أمير الشعراء أحمد شوقي في إبداع القصائد المدحية التي تتعلق بذكر صفات النبي وتعداد معجزاته في همزيته الرائعة التي مطلعها: ولد الهدى فالكائنات ضياء وفي فم الزمان تبسم وثناء