دأب الكثير من النصارى فى بلادنا على الاختلاف التام مع كل ما يطرحه التيار الإسلامى من أفكار ورؤى، فإذا وجدوا أن مصر ستعود إلى مجدها الزاهر وحضارتها وهويتها بعد عقود من المسخ جعلتها تبقى فى ذيل قائمة الأمم بعدما كانت فى صدارتها عندما كانت تعتز بإسلامها وهويتها العربية، ولم تهن إلا بعدما دخلت فى دائرة التغريب والتبعية، وقد زلزل أعداء الإسلام فى الشرق والغرب وأزعجت الصليبية العالمية والصهيونية من تنامى قوى الإسلام فأخذت تكيد لهذه الكيان النامى، يساعدهم قوى تمثل طابور خامس فى بلادنا من العلمانيين والليبراليين والنصارى الذين يخشون على مصالحهم وأفكارهم الضيقة، فأخذوا يحاربون الشرعية القائمة التى اختارها الشعب فى انتخابات نزيهة شهد بها القاصى والدانى . وجن جنون القوم لوصول التيار الإسلامى فى مصر إلى سدة الحكم، فتم محاربته ومحاولة إفشاله وإسقاطه ، فبعد مرور أقل من شهرين خططّ المدعو محمد أبى حامد عميل الكنيسة الأرثوذكسية، لإسقاط النظام فى ثورة 24 أغسطس الماضى ، تحدث عن اندلاعها قبل الميعاد بشهر لولا أن الرئيس محمد مرسى وعى لهذه المؤامرة وقطع دابرها وعزل المجلس العسكرى الذى كان يدعم هؤلاء من وراء ستار، فخاف هؤلاء من تلك الضربة، وقفزوا من مركب الخيانة والتآمر وتركوا أبا حامد وحده، وشجبوا أفعاله على اسحياء وسحبوا كلامهم الذى قالوه من قبل، وصمتوا وقتا يعيدون فيه ترتيب أوراقهم ووجدوا ضالتهم فى البابا الجديد تواضروس الثانى، الذى صرح فى أول تصريح له بأن مادة تفسير الشريعة الإسلامية فى الدستور الجديد (المادة 219 ) كارثية، وهى التى وضعها الأزهر الشريف، فى تجاوز لم يفعله البابا شنودة نفسه، وضغط على الكنائس جميعاً للانسحاب من الجمعية التأسيسية لإفشالها وإفشال المشروع الإسلامى حسدا من أنفسهم وحقداً متأصل فى نفوسهم منذ قرون، بل وصل التهور مداه من قيادة الكنيسة الجديدة، الذى عاند القيادة السياسية المتمثلة فى الرئيس مرسى، والعمل على إسقاطه، وبعث شعب الكنيسة إلى الميادين لمؤازرة (جبهة الخراب الوطنى) التى زرعت الشقاق والانقسام فى المجتمع، ودعت إلى الحرق والقتل والتأليب على الرئيس المنتخب، وقد كشف الداعية الإسلامى الكبير صفوت حجازى أن هناك اجتماع مسجل صوت وصورة عقد فى الكيلو 45 بفيلا الوزير السابق أحمد البرعى (الشيوعى )، وحضره حمدين صباحى، ومحمد البرادعى، والسيد البدوى، ومنى مينا، وجورج إسحاق، وسامح عاشور، وغيرهم، ووجه المرشح الخاسر لرئاسة الجمهورية حمدين صباحى كلمته قائلاً: "سنملأ ميادين مصر بالمظاهرات والثورة وسنشعل الموقف .. أما أخواننا فى الكنيسة فيتكفل بهم أخونا جورج إسحاق"، لذلك كان هناك أكثر من 60 % من المتظاهرين حول قصر الاتحادية وميدان التحرير من النصارى، أتو من كل فج .. من شبرا ، وحدائق الزيتون، والمطرية ،ومن حى مصر الجديدة، ومن كل المحافظات تكفل بنقلهم رجل الأعمال ريمون كريازى، ونجيب ساوريس وثراة النصارى، ولم يكن الموقف الأول للكنيسة فى الحشد ضد نجاح المشروع الإسلامى فهو قديم منذ الفتح الإسلامى ، وبالأمس القريب كان الحشد الضخم لمساندة مرشح الثورة المضادة أحمد شفيق فى انتخابات الرئاسة ، وكان الحشد لمساندة الكتلة المصرية فى الانتخابات البرلمانية: (شعب وشورى)، وكان الحشد فى استفتاء 19مارس 2011 للتصويت بلا ، بتوجيه مباشر من الكنيسة رصد صوتاً وصورة، وقد وقفت الكنيسة مع الرئيس السابق مبارك وحثت النصارى على عدم المشاركة فى فعاليات ثورة يناير، وساندت توريث جمال مبارك، ووضعت الملف القبطى فى يد أمن الدولة الذى كان ينحاز ضد الأغلبية المسلمة بالحق والباطل، وفى التاريخ البعيد، وقف النصارى إلى جانب الحملات الصليبية وكان أن ترك الصليبيون بقيادة جان دى بريان ، مدينة دمياط فاستباحها الأقباط وذبح كل من فيها من المسلمين ، وفى أثناء الحملة الفرنسية رصد الجبرتى المؤرخ المعاصر للحملة بعض خيانات الأقباط الذين هرعوا لإستقبال نابليون فى حفاوة وسرور، وصرح بعضهم بانقضاء الملة الإسلامية، بل وصل التهور مداه، وأسس كبيرهم المعلم يعقوب بن حنا الفيلق القبطى الذى حارب المصريين إلى جانب الفرنسيين فى حملة الصعيد وفى ثورة القاهرة الثانية، وهو الذى رفل فى نعيم أسياده المماليك وولوه أرفع المناصب وكون من ورائهم ثروة اقتنى من خلالها القصور والعبيد ، وكان النصارى خلال عصور المماليك أغلبهم من الأغنياء، ولم يشفع لهم هذا، فالمطلوب هو طرد المسلمين وعودتهم إلى جريزة المعيز (أى الجزيرة العربية)، لأن مصر بلدهم التى اغتصبها المسلمون، حسب ما صرح به مراراً البابا شنودة، والبابا بيشوى الذى قال (أن المسلمين ضيوفاً على مصر)، وبعد الاحتلال البريطانى لمصر فى 1882، انحاز جل النصارى إلى صف الاحتلال ومن يرجع إلى صحف تلك الأزمان مثل جريدة مصر والوطن وتصريحات كبار النصارى يجد العجب العجاب، الكل يشيد بالاحتلال وفضله على رقى مصر، ولما خذلهم الاحتلال ولم ينفذ مطالبهم الضيقة، عادوا على استحياء إلى حضن الوطن وشارك بعضهم فى ثورة 1919 وكان المقابل بعد انتهاء الثورة أن امتلأ الجهاز الإدارى للدولة بالموظفين الأقباط الذين انحازوا إلى ملتهم وسهلوا لهم مصالحهم على حساب الأكثرية المسلمة. وفى وقائع النضال ضد قوات الاحتلال الإنجليزى فى مدن القنال وقف النصارى إلى جانب الأعداء، وقد ذكر المناضل الكبير حافظ سلامة العديد من المواقف فى مذكراته ومنها مما حكاه فقال: "وفى هذا اليوم 4 يناير 1952 حاول الإنجليز دخول المدينة (السويس) فتصدت المقاومة لهم، وبدأ بعض الفدائيين يتخذون مواقعهم فوق أسطح بعض المنازل، وكنت حيذاك – وكان يوم الجمعة – بالمستشفى العام لاستقبال الشهداء والجرحى، وإذا بى أسمع طلقات نارية قريبة منا وإذا بنا نرسل بعض الحراسات الموجودة بالمستشفى من جنود بلك النظام إلى مصدر هذه النيران وإذ بهم يجدون اثنين من المواطنين الأقباط فوق منزل الحاج المرحوم عبد العزيز البهنسى المواجهة للمستشفى يطلقون الرصاص على سيارات الإسعاف وعلى الأهالي الذين جاءوا ليطمئنوا على ذويهم بالمستشفى وطلبنا من جنود بلك النظام أن يأتوا بهؤلاء ولكنهم من غضبهم أجهزوا على واحد منهم وجاءوا بندقيته وطلبنا عدم المساس بالأخر حتى نعلم من وراءهم وعلى الفور حضر الصاغ كامل سالم مأمور قسم السويس ليتولى بنفسه التحقيق، ولكنه قال لى: يا شيخ حافظ هناك مظاهرة قامت من ميدان الأربعين عقب صلاة الجمعة ومعهم جثتان لاثنين من المواطنين كانوا يطلقون النار من منزل المواطن جورج سمعان بشارع صدقي على الفدائيين المنبطحين بالأسطح الذين يطلقون النار على الإنجليز فاضطروا إلى إحضارهم وتم قتلهم بعد إحضار الأسلحة التى كانت بحوزتهم ويطلقون النار منها على الفدائيين. فقلت للسيد المأمور: وأنت لماذا لم توقفهم وتسحب الجثث ؟!! فقال لى: لم أستطع مع غضب المواطنين، فألحقهم لأنهم كانوا يقولون على الكنيسة على الكنيسة حتى لا تحدث فتنة . فقلت له : هما فين . قال لى : فى طريقهم إلى الكنيسة . فقلت له : كيف أصل إليهم ؟ !! فقال:خذ سيارتي الميري علشان محدش يعترضك من الشرطة . ورغم العراقيل التى صادفتها من بعض ضباط الشرطة ومنهم القائم بالحملة الميكانيكية وكان ضابط مسيحي . ولكنني بفضل الله تبارك وتعالى استطعت أن أصل إلى الكنيسة ووجدت بها بعض الأقفاص والقش الذين كانوا سيقومون بحرقه وأربع دكك خشبية كانت موجودة على باب الكنيسة الداخلي وبفضل الله تبارك وتعالى أدركت هذا العمل قبل نشوبه وتفريق المتظاهرين . وقلت لهم : هذه مؤامرة وخاصة أن مأمور قسم الأربعين قبض على اثنين من الأقباط كانوا يتزعمون المظاهرة معكم . والآن هم فى قسم شرطة الأربعين . لا نريد فتنة حتى لا نسمح للإنجليز بالتدخل فانصرف جميع المواطنين وإذا بى أجد المرحوم اللواء/ محمود كفافى حكمدار السويس( مدير الأمن بعد ذلك ) فقال لى : أنت سبقتنى يا شيخ حافظ . فقلت له : حتى أدرك هذا الشباب المغرر بهم وخاصة بعد أن تم القبض على اثنين من النشطاء فى المظاهرة وتبين أنهم من الأقباط . فقال لى : تعال نخش جوه الكنيسة حتى نرى من بالداخل فإذا بى أنادى ويخرج من فرن الكنيسة الخاصة بخبز القربان شخص يسمى ميخائيل . فقال: أنا أستخبيت فى الفرن لما شوفت المظاهرة فقال سيادة الحكمدار حينذاك: فى حاجة فى الكنيسة . فقال : مافيش حاجة داخل الكنيسة ولكن فى فناء الكنيسة وعند الباب وأتحدى شنودة أن يأتي بدليل أو بصور فوتوغرافية عن أى أضرار أصابت الكنيسة حينذاك . وإذا أنا واقف مع سيادة اللواء إذ حضر نزيه تناغو المحامى (وهو والد شخصية قضائية تتولى أرفع المناصب القضائية فى مصر الآن)، ومعه نصرا لله سمعان الموظف بمحافظة السويس فقالوا لسيادة اللواء : أحنا ها نروح للقنصل الإنجليزي فى بور توفيق ونطلب منه حماية الأقباط من عدوان المسلمين علينا فحاولنا تهدئتهم وإسكان غضبهم لعدم إثارة الفتن وأثبت سيادة اللواء ما شاهده وما تلفظ به نزيه تناغو ومن معه وهما فى ملف كلاً منهم إلى الآن فى أمن الدولة .هذه هى قصة المقتولين بهذا الحادث وبهذا اليوم ، الذى غضب من أجله نظير جيد الأنبا شنودة قبل أن يترهبن ونشر افتراءات كثيرة وأتهم فيها النظام والشرطة فى تواطئهم وترك القتلى وأتحداه أن يعود إلى ما ثبت فى المستشفى العام من عدد الشهداء الذين استشهدوا فى هذا اليوم برصاص الإنجليز ورصاص الخونة من الأقباط . أما فى عصر جمال عبدالناصر فقد تعرض التيار الإسلامى للقتل والسجن والاعتقال فى محاكم الشعب، ومحاكم الدجوى، لم نرى قسيساً قدم للمحاكمة ولم تتعرض السلطة الفاشية لأحد منهم بسوء، ومكث صفوة العلماء فى السجن عشرات السنين، ومنهم من حكم عليه بالإعدام مثل الشهيد سيد قطب، كل الظلم كان على المسلمين وحدهم ، بل وصلت الوقاحة مداها أن بعض السجانين والمعذبين كانوا من الأقباط ، وكان مأمور سجن أبو زعبل نصرانياً يسمى فوزى خليل، ومأمور قسم طره كان نصرانيا هو الآخر ويدعى ناصف مختار، وكان طبيب سجن طره يسىء معاملة المعتقلين يدعى موريس حنا. وفى سنة 1971 تولى الأنبا شنوده الثالث وكان ينتمى للتيار المتطرف فى الكنيسة المصرية، فقد كان طوال حياته شخصية مثيرة للجدل، أشاع الآراء الصادمة أثناء توليه رئاسة تحرير "مجلة الكرازة"، وانتمى إلى جماعة الأمة القبطية التى اختطفت "البابا يوساب" وقتله، ولما ترهبن باسم "انطونيوس السريانى"، بدأ هذا الراهب يكتب في مجلة "مدارس الأحد" عن ضرورة إحياء اللغة القبطية وهجر العربية، وتوحد الأمة القبطية بإزاء الغزاة العرب، ما أجبر الأنبا كيرلس السادس على معاقبته أكثر من مرة بضغط من الحكومة، لكن مكانة الراهب– المحيرة – بين رهبان الكنيسة وسطوته الغربية عليهم كانت تعيده في كل مرة أقوى مما كان، وظل طوال فترته للبابوية يحرض الأقباط على التحرش بالمسلمين، كان يطلب المزيد من المميزات ولو على حساب الأكثرية المسلمة، ووجدنا قسسا تتعرض لعقائد المسلمين دون أن تتعرض لهم الكنيسة لو بكلمة أو تأنيب ولم يشلح أحد منهم، ولما سأله الإعلامى عماد الدين أديب عن رأيه فى القمص زكريا بطرس فكان الرد الصادم منه: "هو يعرض أفكار .. ردوا عليها "، ولكن الوحيد الذى تم شلحه هو الدكتور نظمى لوقا الذى أنصف الرسول محمد صلى الله عليه وسلم فى كتبه مثل: "محمد الرسالة والرسول"، و"محمد الرسول والرسول"، و"أبوبكر.. حوارى محمد"، ولما مات أمر البابا شنودة الكنائس بألا تستقبل جثمانه للصلاة عليه، ودارت زوجته الكاتبة صوفى عبدالله بجثمانه على كنائس عدة ولم تقبله أحداها .. إننا نتحدث عن مواقف ولا نتطرق للعقائد .. والمواقف عرضة للنقاش، حتى لا نتهم بإثارة الفتن، وتصديع الوحدة الوطنية، والحل الوحيد لإزالة الاحتقان بين الجميع هو تشريح المواقف والوقوف عليها... [email protected]