ظل المصريون حريصين علي تسمية القاهرة بالمحروسة.. بعدما تعمق لديهم إيمان بأن المدينة التي تحوي رفات بعض من أهل البيت ستظل دائما محروسة من الشر.. حتي ان كثيرين لجأوا الي السكني في احياء الازهر والحسين والسيدة زينب، عندما اشتدت الغارات ايام الحرب العالمية الثانية، ظنا منهم ان قنابل الالمان لن تجرؤ علي دك هذه الاحياء المحروسة.. حتي جاء حادث التفجير الذي وقع في الازهر مؤخرا ليذكرنا ان مياها كثيرة جديدة جرت في النهر، وان اشياء كثيرة تغيرت! ولا اعلم لماذا تصر نفسي الأمارة بالسوء علي تذكيري في كل مرة بصحة نظرية المؤامرة.. واذا كانت البينة علي من ادعي، فالبيانات صارت كثيرة علي وجود مؤامرة فعلا تهدف لاعادة رسم خريطة المنطقة العربية.. وفي الحقيقة فان اصحاب هذه المؤامرة لم يكذبوا بشأن نواياهم واعلنوها صريحة اكثر من مرة، هم قالوها لن تكون هويتك بعد الآن "عربيا" وانما "شرق أوسطي".. بما يستلزمه ذلك من اعادة لمكونات الشخصية، وتغييرا في الثقافة والهوي.. وشكل الحكم بالطبع، وانتماءاته.. لكن بعض قومنا لا يريدون ان يتعظوا من رأس الذئب الطائر.. صار علي الان ان اطالب من يرفضون وجود مؤامرة ان يقدموا دلائلهم. لماذا الآن؟ وفي هذا التوقيت بالذات.. بعد ان اشتد زخم حركة التغيير في الشارع المصري الي الحد الذي دفع الحكم الي اظهار تجاوب ما.. لماذا الان وحركة المجتمع المصري باتت اقرب الي تحقيق تغيير ما، ربما يكون في صالح الجماهير؟ تتردد في ذهني مقولة قالها احد كبار حيتان الاقتصاد الاندونيسي، اثر سقوط "سوهارتو" بعد احتدام الثورة ضد "سوهارتو" وتخلي الولاياتالمتحدة عنه وهي التي كانت تسانده ضد شعبه لمدة 33 عاما.. قال هذا الاقتصادي الاندونيسي وثيق الصلة بالدوائر الامريكية "كان لابد ان نحدث تغييرا من اعلي حتي لا يحدث تغيير من اسفل".. هكذا إذن؟ هي حركة استباقية للالتفاف حول امكانية حدوث تغيير من اسفل، ربما يجيء بحكم ديمقراطي حقيقي، يكون ولاؤه لاندونيسيا وعمله خالصا لمصلحة الشعب الاندونيسي وليس تابعا لقوي خارجية يعمل لمصلحتهم. لاشك ان قوات التحالف بقيادة الولاياتالمتحدة، بعد ان نالها ما نالها في المستنقع العراقي لن تجرؤ علي ان تكرر التجربة عسكريا في بلدان اخري، لكن البدائل مازالت موجودة، فلن تعدم عناصر سيناريو العراق مع بعض تعديلات تحذف التدخل العسكري.. هناك معارضون في الخارج، ورغم ان بعضهم اصبح ورقة محروقة لا يصلح استخدامها الان الا ان البعض الاخر مازال وجها جديدا يمكن استخدامه.. وهناك ورقة الديمقراطية - كلمة الحق التي يراد بها باطل - ومازال يمكن استخدامها للتأليب ضد أي نظام عربي - وامامكم الخريطة لاختيار ما يعن لكم - ونسي كثيرون من بيننا، للاسف، ان الديمقراطية حق مدفوع الثمن مقدما، تدفعه الشعوب من تضحيات ابنائها عبر القرون، ومقاومتها لكل من يريد تكبيل ارادتها، اجنبيا كان ام محليا.. وان من حق هؤلاء الذين دفعوا الثمن ان يحصلوا علي ما اشتروه باغلي الاثمان.. ولا يصح ابدا ان يأتي اخرون لم يدفعوا اي ثمن لركوب الموجة وقطف ثمار لم يبذلوا جهدا في زراعتها. اخشي ان يكون حادث التفجير في الازهر بداية لحوادث اخري - ربما يكون من بينها حوادث لاثارة فتنة طائفية - تهدف للتعجيل باضطراب الاوضاع، الي الحد الذي يستدعي تدخلا ما بشكل ما، لاحداث تغيير ما.. لكن لن يكون في صالح الشعب المصري، ولن يكون في صالح الديمقراطية التي ينشدها.. ديمقراطية الحكم المستقل الذي جاء علي اكتاف الجماهير وليس علي دبابة اجنبية، او فضائية اجنبية، او تمويل اجنبي.. حكم يكون ولاؤه للداخل لانه ليس مدينا بوجوده للخارج، وليس مضطرا لدفع فاتورة هذا الوجود الا لابناء بلده. اخشي ان يتكرر السيناريو المعدل، ويقفز الينا اشخاص تربوا في ارض اجنبية ونالوا تدريبا اجنبيا علي التشدق بمبادئ نعشقها ونتمني تحقيقها، ليسرقوا منا الحلم الذي قارب علي التحقق، ويخطفوا حركة الشعب المصري من اجل التغيير في غفلة منا.. ويفرضوا واقعا أسوأ مما كان يمكن ان نتخيله.. ويوم ان يعارض احد تبعيتهم ومواقفهم المملاة من الخارج، ستكون تهمته جاهزة "أزلام النظام البائد" و"أيتام فلان" نحن نريد الديمقراطية التي نستحق التي دفعنا ثمنها مقدما.