قرار مجلس الأمن الأخير الخاص بمحاكمة بعض المسئولين السودانيين عن المذابح التي جرت في اقليم دارفور السوداني يستحق بل ويتطلب الوقوف عنده طويلا. والقرار يطالب الحكومة السودانية بتسليم هؤلاء المسئولين لمحاكمتهم أمام المحكمة الجنائية الدولية رغم أن السودان لم يوقع حتي الآن ميثاق المحكمة، تلك المحكمة التي بدأت أعمالها منذ أكثر من عام بعد أن وقع علي ميثاقها وقوانينها حوالي 140 دولة. وأبسط وأسرع تفسير وتحليل لمجلس الأمن وقراراته هو ما دأبنا نحن علي ترديده في السنوات العشر الأخيرة أي بعد أن اصبحت الولاياتالمتحدة هي القطب الأوحد المهيمن بعد انفراط عقد الثنائية القطبية وتحلل الاتحاد السوفيتي والذي كان غالبا ما يستخدم حق الفيتو لنقض أي قرارات في حق العرب مثلها تفعل الولاياتالمتحدة مع القرارات التي تمس اسرائيل وتدينها. ولكن هذا التفسير البسيط والسريع والذي تعودنا عليه من منطلق الاحساس بالاضطها وبالتعسير التآمري قد لا يتسق تماما مع واقع الأحداث، خاصة اذا عرفنا أن هناك في مجلس الأمن دولا أربع غير الولاياتالمتحدة لها حق النقض ولها خلافاتها الواضحة والعلنية مع الولاياتالمتحدة مثل الصين وروسيا وفرنسا بل وحتي انجلترا.. والقرار الأخير لمجلس الأمن يذكرنا بقرار سابق للمجلس أتخذ منذ أكثر من عام وايضا يتعلق بمذابج دارفور ويطلب من الحكومة السودانية التدخل الفعال لوقف هذه المذابح التي تجري علي أساس قبلي وليس علي أساس ديني حيث ان 95% من سكان دارفور من المسلمين من أصل افريقي. ورغم قرار مجلس الأمن ورغم قرارات الاتحاد الافريقي، بل ورغم ما أعلنته أحزاب السودان الرئيسية التي تشكل ائتلاف المعارضة "الأمة والاتحادي والشيوعي" من أن هناك بالفعل أعمال ارهابية بل واجرامية تقوم بها فرق الجانجويد التي تحركها وتنظمها الحكومة السودانية والتي أدت في شهادات أحزاب المعارضة السودانية الي قتل اكثر من 150 الفاً من أهالي دارفور اضافة الي أعمال الاغتصاب وحرق القري. رغم كل ذلك ظلت الحكومة السودانية تنفي وبشكل قاطع وجود مذابح ومجازر وظلت تردد الشعارات التقليدية في تآمر الغرب ضد الدول الإسلامية رغم أن سكان دارفور كلهم مسلمون، إلي أن اضطرت بعد الكشف والفضح الافريقي العالمي للمأساة التي حدثت في دارفور الي الاعتراف بالمشكلة بل والاعلان خلال الاسبوعين الماضيين أنها القت القبض علي 15 مسئولا سودانيا منهم قواد عسكريون ومحافظون لتورطهم في أعمال إرهابية ضد أهالي دارفور. وما اتخذته حكومة الجهة الإسلامية التي تحكم وتتحكم في السودان طوال السنوات الخمس عشرة الماضية بجناحها المنشق وجناحها الحاكم في قضية دارفور، اتخذته في قرارات سابقة لمجلس الأمن بعد المحاولة الإرهابية الفاشلة لاغتيال الرئيس حسني مبارك في أديس أبابا والتي انطلقت من السودان التي كانت ترعي القوي الارهابية تحت شعارات إسلامية "اتخذ بن لادن والظواهري وعدداً من قيادات العمل الإرهابي من السودان قاعدة للانطلاق في التسعينيات". كان قرار مجلس الأمن يطالب السودان بتصفية قواعد تدريب الارهابيين وتسليم المسئولين عن محاولة اغتيال الرئيس المصري كما طالب بوقف الحرب الأهلية في الجنوب التي عمقتها حكومة الجبهة الإسلامية وضرب عرض الحائط باتفاقيات سلام سالفة كانت قد ابرمت بين القوي السياسية السودانية وأهالي السودان في الجنوب.. وظلت حكومة الجبهة الإسلامية تتجاهل النداءات المحلية والتي وجهتها جهة المعارضة التي ضمت تقريبا كل القوي السياسية السودانية في الشمال والجنوب فيما عدا الاخوان المسلمين وحكومتهم الإسلامية، والنداءات العربية والدولية بما في ذلك قرارات مجلس الأمن إلي أن اضطرت خلال العامين اماضيين بعد تفاقم المشكلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في السودان الي عقد اتفاق مع الجنوب لوقف الحرب التي استنزفت الكثير من الموارد البشرية والمادية للسودان وبشروط لم تكن مطروحة في الاتفاقيات السابقة التي ضربت بها الحكومة السودانية عرض الحائط. وبتحليل موضوعي وانحياز الي الحقيقة والي المصالح العربية والسودانية في نفس الوقت نكتشف أن النظام الفردي والعسكري القائم والذي حول السودان في مرحلة من المراحل الي بؤرة لتدريب الارهابيين وأغرق السودان في حرب استنزاف طويلة وطارد كل القوي السياسية ذات الجذور الحقيقية في السودان هو السؤال الأول عما جري للسودان والسودانيين طوال العقد الماض علي الأقل بما في ذلك قرارات مجلس الأمن.