لم يكن إعلان وزارة النقل مؤخرا عن إلغاء 3 خطوط للسكك الحديدية بمحافظات الفيوم ودمياط وبني سويف هو الأول من نوعه فقد اعلنت الوزارة في عام 2000 الغاء خطين سابقين بمحافظتي الفيوم والمنيا وفي المرتين كان المبرر لالغاء هذه الخطوط هو رؤية الوزارة لهذه الخطوط بناء علي دراسة جدوي لها بأنها تحقق خسارة اقتصادية لهيئة السكك الحديدية وان الغاءها سيحقق فائدة اكبر للاقتصاد القومي، وهو ما يوضح ان الغاء الخطوط الخاسرة بالسكك الحديدية قد اصبح سياسة لتقليل حمل الخسارة التي تحققها هيئة السكك الحديدية سنويا.. والسبب وراء وجود هذه الخطوط الخاسرة يعود إلي أن تخطيط السكك الحديدية في مصر يعود الي عام 1852 عندما كان الفكر السائد في العالم هو الاعتماد بشكل اساسي علي نقل الركاب والبضائع من خلال السكك الحديدية وهو ما دفع الحكومة وقتها للتوسع في الخطوط الفرعية داخل المحافظات والقري لتحقيق خدمة نقل الركاب مع مراعاة البعد الاجتماعي بتوفير هذه الوسيلة لسكان المناطق البعيدة والنائية بالرغم من قلة عدد ركاب هذه المناطق بالنسبة لوسائل النقل وضعف ايرادات هذه الخطوط أي المحتكرة للنقل في مصر وهو ما عظم من ربحيتها وساعدها في الانفاق علي تشغيل هذه الخطوطات ذات البعد الاجتماعي وهو ما تسبب في وجود هذه الخطوط الخاسرة والتي أدت الي الخسارة الفادحة للكثير من محطات السكك الحديدية اضافة الي ان تقسيم محطات السكك الحديدية الحالي والذي يضطر القطار للتوقف علي مدار مساره علي عدد كبير من المحطات لتحقيق البعد الاجتماعي ايضا بتوفير هذه الخدمة لمختلف المناطق بالمحافظات وتسبب ذلك في تعظيم خسائر السكك الحديدية، حتي وصل عدد المحطات التي يطالب الخبراء بإلغائها لوقف نزيف الخسارة الي 210 محطات سكة حديد ووصلت الايرادات اليومية لبعضها الي 16 جنيها يوميا حسب ما جاء في دراسة صدرت العام الماضي عن تطوير محطات السكك الحديدية في مصر أعدتها هيئة بحوث ودراسات النقل بوزارة النقل وهو ما يعني ان مخاطر الخطوط الخاسرة علي هيئة السكك الحديدية لا تتوقف علي الخطوط الخمس السابق ذكرهما فقط. وهذا الأمر يطرح تساؤلا مهما وهو هل ستستطيع وزارة النقل أن تستمر علي سياستها الاجتماعية بالابقاء علي هذه المحطات الحالية وخطوطها الخاسرة وتحمل الموازنة العاملة للدولة عبئها السنوي من الدعم المقدم للهيئة العامة للسكك الحديدية المقدر ب مليار و300 مليون جنيه، ام ستستمر في سياسة الغاء الخطوط لتعويض الخسارة، ولماذا تعتمد الوزارة علي هذه السياسة باعتبارها حلا سلبيا لتقليل الخسارة ولا تتجه إلي تطوير السكك الحديدية بتعظيم الاستفادة من خدمة نقل البضائع والتي بالرغم من انتشار خطوط السكك الحديدية في مصر وانخفاض تكلفة النقل من خلالها عن النقل بالسيارات أي الطرق البرية إلا أن نصيبها من خدمة نقل البضائع 5.3% في الوقت الذي تستحوذ فيه سيارات النقل علي 96% من هذه الخدمة طبقا لما جاء في دراسة هيئة بحوث ودراسات النقل عن تطوير نقل البضائع لعام 2004 وتوقعت الدراسة أن لا يرتفع نصيب السكك الحديدية من هذه الخدمة حتي 2017 الا حوالي 5% في حال عدم انفاق وزارة النقل علي أية تطويرات جديدة بهذه الخدمة واقتصار تطويراتها علي التطوير التقليدي لحركة السير والذي يجعل تنفيذ هذه الخدمة أكثر تنظيما مثل الالتزام بمواعيد وصول القطار وتوفير عمالة أكبر الخ. إزدواجية الرؤية إدارة السكك الحديدية في مصر تعاني من ازدواجية في الرؤية بين اسلوب للإدارة بعيدا عن قواعد الادارة الاقتصادية وبين الاصرار علي تقديم الدعم الي هذا القطاع في ظل خسائره المستمرة هكذا يري د. عبد الرحمن الهواري استاذ النقل والسكك الحديدية بهندسة القاهرة مشكلة السكة الحديد في مصر ويوضح ان اسلوب الادارة الحالي يتخلف كثيراً عن ادارة السكة الحديد في العالم وينبه الي ان هذا التخلف تسبب في امتناع بنك التعمير والاسكان الالماني أحد اكبر الجهات المانحة لهذا القطاع عن الاستمرار في تقديم دعمه الذي وصل الي 10 مليارات جنيه حتي عام 99 معللا ذلك بوصفه لهذا القطاع بانه "بالوعة خسائر" لا يريد ان يلقي بأمواله فيها.. ويضيف الهواري ان فكر الغاء الخطوط والمحطات الخاسرة خطوة علي طريق تقليل خسائر السكك الحديدية نظرا لما يمثله من سير للقطار للوصول علي الخطوط الخاسرة من عبء في التكلفة لارتفاع نقل الركاب في السكك الحديدية من الممكن تعويضها بتوفير وسائل نقل للركاب اقل في التكلفة لهذه المناطق "مثل الميني باص".