عبد القادر شهيب إذا كانت الدولة تقبل المساعدات المالية الخارجية فلماذا لا نقبلها نحن؟.. أهو حلال علي الحكومة وحرام علينا فقط؟ هكذا.. يدافع عن أنفسهم من يتلقون مساعدات مالية من الخارج من اجل نشر ثقافة الديمقراطية ودعم مسيرتها ودفع خطي الاصلاح السياسي والديمقراطي. فهم لا يعتبرون تلقي المساندة والدعم من الولاياتالمتحدةالامريكية او غيرها خطأ.. ولا يرون ان الحصول علي اموال امريكية للانفاق علي انشطتهم او تمويل حملات انتخابية لهم خطيئة.. بل علي العكس تماما يعتبرون ذلك امرا عاديا وطبيعيا وسليما لانه يعد نوعا من التضامن الدولي غير المكروه بل المقبول خاصة وان الحكومة تقبل المساعدات المالية بل وتسعي لتحويل القروض الي منح مالية لا ترد! وللوهلة الأولي.. قد تبدو هذه الحجة مقبولة لدي البعض خاصة هؤلاء الذين يراهنون علي دور امريكي يدفع بهم الي مراكز السلطة ومواقع الحكم ماداموا يعتبرون ان الحكم مغنم وليس مسئولية او وسيلة للاثراء وليس اداة لتنفيذ برنامج سياسي واقتصادي واجتماعي لصالح الفئات والطبقات الاجتماعية الاوسع في المجتمع. وللوهلة الأولي ايضا قد ينخدع البعض بهذه الحجة فلا يستنكرون هذا التدخل الاجنبي المفتوح في امور هي من صميم شئوننا الداخلية لتوجيه مجتمعنا في طريق لن يحقق له سوي الشرور والآلام ويجعل من بلادنا ألعوبة في يد تحركها من الخارج بالريموت كنترول وتجعل حكومتها لا تفعل شيئا سوي تلقي الاوامر والتعليمات فقط. ولكن.. من ينظر مليا في امور المساعدات المالية للحكومات والمساعدات المالية لبعض الجامعات الخاصة سوف يكتشف ان هناك فروقا مهمة وبينهما هي التي تجعلنا نعتبر مثل هذه المساعدات الاخيرة خطأ وخطرا معا. فما تتلقاه الحكومة من مساعدات مالية يتم من خلال اتفاقات مكتوبة وموثقة تتضمن سبل انفاق هذه المساعدات والمجالات التي ستنفق فيها بل وشروط الحصول علي هذه المساعدات وعادة يتم عرض هذه الاتفاقات والوثائق الخاصة بها علي مجلس الشعب ولا تصير نافذة الا بعد التصديق عليها. اي ان ما تتلقاه الحكومة من مساعدات مالية يكون معروفا تماما وكل شروطه معلومة امام الرأي العام الذي من حقه ان يعلن رفضه لبعض هذه المساعدات . ولكن المساعدات المالية الخارجية التي تقدم للجماعات المدنية لا تتم من خلال اتفاقات مكتوبة وموثقة وانما تعطي في شكل هبات غير معلوم شروطها ولا معروف مجالات انفاقها والاهم غير محدد بشكل واضح الغرض الحقيقي من منحها لبعض الجماعات وحجبها عن جماعات أخري،. وهذا الفارق بين المساعدات المالية التي تتلقاها الحكومات والتي تحصل عليها الجماعات الخاصة ليس شكليا كما قد يعتقد البعض وانما هو فارق جوهري او بصراحة شديدة هو الفارق بين قبول التدخل في الشئون الداخلية والقبول بالحصول علي الأوامر والتعليمات من الخارج وبين عدم الانصياع لمن يقدمون هذه المساعدات المالية. نعم نحن نعرف ان الدول الكبري تمنحنا ليس فقط القروض بل وايضا المنح والمساعدات المالية ليس حبا فينا او لسواد عيوننا وانما لان ذلك يتسق مع سياسات تبغي تحقيقها.. ولكن يظل دائما ثمة فرق بين مساعدات مالية تحصل عليها الحكومات بشكل رسمي وبين هبات تنالها جماعات خاصة بشكل غير رسمي لتحقيق اهداف خاصة ليست كلها معلنة ولا معروفة وتستخدم فيها هذه الجامعات كأداة في يد ممدوة لنا من الخارج تحركها في الاتجاه الذي تبغيه. ومن قرأ مذكرات وليم كولبي المدير الاسبق لجهاز المخابرات المركزية سوف يتأكد من خطورة هذه المساعدات المالية. لقد حكي كولبي بوضوح كيف قدمت المخابرات المركزية المساعدات المالية للحزب الديمقراطي المسيحي في ايطاليا ولمناصريه مثلا، وكيف انفقت الاموال الامريكية علي الحملة الانتخابية لمرشحيه لكي يكسب الانتخابات البرلمانية عام 1948 وكانت هذه المهمة علي وجه التحديد هي التي عجلت بتأسيس المخابرات المركزية وحسمت جدلا قائما في امريكا عام 1947 حول جدوي انشاء وكالة جديدة مركزية للمخابرات. وهكذا يعترف كولبي بكل وضوح ان الاموال التي انفقتها امريكا في ايطاليا عام 1948 وقدمتها في شكل هبات ومساعدات لمرشحين وجمعيات خاصة كانت نوعا من التدخل في الشئون الداخلية الايطالية لترجيح كفة حزب معين وحرمان حزب آخر من الفوز في الانتخابات. لذلك.. دعونا من هذا اللغو الذي يحاول البعض ان يعمي اعيننا عن حقيقة هذه المساعدات المالية الامريكية لنحو ست من الجمعيات المصرية والذي يقولون فيه اننا نرفض التدخل الاجنبي ولكن نضمن التضامن الدولي فأي نوع من التضامن هذا؟ انه التضامن القاتل الذي يسعي لدس السم لنا في العسل.. سم التبعية في عسل "الديمقراطية".. وانظروا حولكم ماذا يحدث في العراق التي حظيت كما يدعون بافضل واروع وازهي انتخابات وايضا ماذا يحدث في فلسطين التي جرت فيها كما يقولون ايضا انتخابات نزيهة رغم ان قوات الاحتلال لم تمكن المرشحين من الاتصال بالناخبين