عقدوا قمة شرم الشيخ، ربما لإنقاذ ماء وجه أمريكا في العراق، بعد أن سحقت آدمية الجنس العراقي بآلة "إرهاب الدولة" الجهنمية..! ماذا قال المؤتمرون في شرم الشيخ؟ دعهم يقولون! إنما ما قاله الرئيس الفرنسي جاك شيراك في لندن، الخميس الماضي، أمر يستحق بحق أن نتابعه بغاية من العناية والانتباه! العنوان الظاهر لزيارة شيراك لبريطانيا هو الاحتفال بمرور 100 عام علي توقيع الحلف الودي "Entente Cordiale" الذي أنهي حقبة طويلة من الحرب والعداء بين الدولتين.. وحرصت الملكة إليزابيث الثانية علي استقبال الزعيم الفرنسي في قلعة ويندسور، حيث شهد الجميع في قاعة ووترلو تحفة فيكتور هوجو المسرحية "البؤساء".. ولما كانت قاعة ووترلو قد سميت باسم المعركة التي هزم فيها نابليون بونابرت في العام ،1815 فقد حرصت الملكة علي أن تغير اسمها إلي "قاعة الموسيقي" من باب المجاملة، وذلك لليلة واحدة، استردت بعدها اسمها التاريخي! وفي حوار له مع الإذاعة البريطانية "BBC"، سألوه عن الإرهاب، أجاب: "إني لست علي يقين مطلق من أن العالم قد أصبح أكثر أمناً.. والذي لاشك فيه أن الإرهاب قد زاد وانتشر.. والسبب في ذلك ضمن أسباب أخري هو الوضع المتفجر في العراق"! وانتقد شيراك انفراد أمريكا بمقاربة مشكلات العالم.. واقترح البديل: "ان نعترف جميعاً بالحقيقة الجديدة لتعدد القطبية multipolay في العالم، والاعتماد المتبادل، والذي سوف يقودنا إلي بناء نظام عالمي أكثر صحة وإنصافاً".. ودعا كذلك إلي توسيع وتقوية مجلس الأمن، لكي يمثل توازنات جديدة لأمن العالم..! وفي تلميح أكثر بلاغة من التصريح، قال شيراك: "لم يعد ممكناً أن نواصل تنظيم العالم علي أساس من منطق القوة.. التاريخ علمنا أنه منطق لا يقود إلي الاستقرار، وإنما يولد الصراع والأزمات"! وعقب لقائه المطول مع توني بلير في مقره 10 داوننج ستريت، ألقي شيراك كلمة حول السياسة الخارجية لأوروبا.. كان عمودها: "إن بناء أوروبا قوية، لا يمكن أن يتم ببناء أوروبا مضادة للولايات لمتحدة.. وإنما أوروبا التي تنهض بمسئولياتها مستقلة، أو كجزء من تحالف الأطلنطي"! ومن باريس، جاء تعليق يفسر هذا الاتجاه.. قال جيروم بونافونت المتحدث باسم الرئاسة الفرنسية: "إن ما يعنيه الرئيس شيراك، هو إعادة بناء العلاقات علي جانبي الأطلنطي، باعتبارها العمود الفقري لأمن أوروبا والعالم"! وفي حديث القمة مع توني بلير، حرص شيراك علي أن يدقق مع رئيس الوزراء البريطاني دور حكومته كجسر بين أوروبا والولايات المتحدة لرأب صدع الأطلنطي "transatlantic rift"! أقطاب العالم.. الجدد! وفي حوار له مع خبراء المركز الدولي للدراسات الاستراتيجية بلندن، رسم شيراك تصوره للنظام العالمي الجديد ومواصفاته: "إنه النظام الذي يقوم علي أساس من احترام القانون الدولي، وتفويض أقطاب العالم الجدد سلطة المشاركة الفعلية في آلية صنع القرار الدولي.. وبهذا السبيل وحده نبني نظاماً عالمياً مستقراً.. شرعياً.. ومقبولاً"! سألوه عن أقطاب العالم الجدد الذي يعنيهم، أجاب: "إنها القوي الإقليمية البازغة في هذا القرن الجديد.. ومنها: أوروبا الموحدة. الصين. الهند. والبرازيل"! في محادثات القمة حرص توني بلير علي تبادل بعض العبارات باللغة الفرنسية مع شيراك.. بلير يجيد الفرنسية منذ أيام الدراسة في باريس، وكان يعمل جرسوناً في حانة متواضعة!. لكنه عاد إلي الإنجليزية وهو يهمس للرئيس الفرنسي: "أخذت علي حين غرة taken aback وأنا اقرأ تصريحاتك المثيرة لصحيفة التايمز؟!".. وكان شيراك قد أدلي بحديث للصحيفة ونشرته يوم وصوله لندن، فيه قال مداعباً: "إن بريطانيا وفرنسا، تمتعا عبر العقود بالكراهية المتبادلة بينهما.. نوع من الحب العنيف"!.. رد شيراك مصالحاً: "بل إن قضية حرب العراق هي القضية الوحيدة التي اختلفنا حولها.. من منا علي خطأ أو صواب؟ سوف يحكم التاريخ"!! وحرص شيراك في محادثاته مع بلير أن يؤكد علي أنه يقف مع نشر الديموقراطية الصحيحة في الشرق الأوسط.. لكنه حذر من الخلط بين الديموقراطية وبين صيغ الاستعمار في ثوب جديد.. "مؤكداً أن شعوب المنطقة عانت عقوداً طويلة من الهيمنة، وأنهم جاهزون لمقاومة انبعاث شبح الاستعمار مرة أخري"! وفي ملاحظاته حول تنامي الإرهاب بعد حرب العراق، قال شيراك: "لقد أصبح الشرق الأوسط أقل استقراراً.. وامتد التداعي الأمني إلي العالم كله"! علي أن من أهم نقاط التوافق بين بلير وشيراك، هو نبذهما المطلق لأحادية الجانب "unilateralism" في كل صورها.. ولعل هذا الموقف المنصف النبيل يمتد إلي تصويب السلوك الإسرائيلي، قبل السلوك الأمريكي.. باعتباره عرضاً مرضياً من أعراض الإفراط في غرور القوة..! أصدق تعريف للإرهابي! أعجب ما قرأت من تصنيف سياسي لحرب العراق، تحليل نشرته مؤسسة زغبي للمنتديات العالمية.. أعطني ذهنك كله، واقرأ ما تيسر!