صدر مؤخراً قانون تعديلات ضمانات وحوافز الاستثمار بهدف العمل علي رفع معدلات الاستثمار التي هبطت في السنوات الأخيرة بشكل واضح، بينما رفعها ضرورة قومية تمليها الظروف المحلية والعالمية في عالم يتسابق في المصالح الاقتصادية معتمداً علي الاستثمار الذي يلعب الدور الرئيسي في رفع القدرات الانتخابية وزيادة معدلات التنمية الاقتصادية ورفع مستوي المعيشة والقضاء علي البطالة. لقد صدر هذا القانون في ضوء ما أسفرت عنه التجربة العملية من وجود بعض الثغرات والمعوقات في مناخ الاستثمار وذلك بهدف وضع تشريع ميسر ومبسط للاستثمار ومنع العقبات التي تقف في طريقه، مستنداً في ذلك إلي مكان واحد وجهة واحدة وقرار واحد من هذه الجهة، دون اللجوء لغيرها من الجهات الإدارية ودون الدخول في دهاليز البيروقراطية التي تشعبت خلال السنوات الأخيرة وأصبحت من المعوقات الرئيسية للاستثمار. وإن كان هذا القانون قد وضع أساساً جديداً في تشجيع الاستثمار وقصر تعامل المستثمر مع جهة واحدة والحصول المباشر علي كل التوقعات علي تنفيذ المشروعات من هذه الجهة، مع عدم جواز إيقاف تنفيذ هذه المشروعات إلا في حالة مخالفة أحكام القانون واللوائح مع كفل حق المستثمرين في التظلم من الإيقاف في حالة طلبه، بالإضافة إلي عدم فرض أعباء مالية جديدة من أي نوع علي المستثمر خلاف المبالغ المتعاقد عليها، غير أن هناك بنداً وقفت عنده طويلاً لأنني لم أفهم المقصود منه شكلاً ولا موضوعاً. فلقد أجاز القانون الجديد تحديد رؤوس أموال الشركات الخاضعة لأحكام بأية عملة أجنبية قابلة للتحويل، علي أساس أن ذلك يجنب المستثمر مخاطر تقلبات سعر الصرف وعلي أن يكون الاكتتاب في رأس المال بذات العملة وكذا جواز إعداد ونشر قوائمها المالية بهذه العملة!! فكيف يتم ذلك عملاً؟ (1) إذا كان المقصود هو تجنب المستثمر مخاطر تقلبات سعر الصرف فعلاً، فإن ذلك لا يتم إلا بالتأمين ضد هذه المخاطر، فإذا افترضنا أن هناك مشروعاً برأسمال مليون دولار أمريكي وأن المبلغ تم وروده من الخارج وقت أن كان سعر الصرف يساوي خمسة جنيهات مصرية لكل دولار أمريكي فإن المبلغ بالجنيه المصري يعادل خمسة ملايين جنيه مصري. وبعد الإنشاء بفترة وبفرض أن أصحاب المشروع يرغبون في استرداد رأسمالهم بالدولارات الأمريكية وهو ما يسمح به القانون فإن المطلوب عادة تحويل رأس المال السابق وروده إلي مصر وقد أصبح يعادل بالجنيهات المصرية ستة ملايين جنيه وليس خمسة ملايين بفرض أن سعر الصرف أصبح ستة جنيهات للدولار الأمريكي بدلاً من خمسة، وبالتالي يكون مطلوباً مليون جنيه مصري إضافية، فإذا تعذر تدبيرهم فيتم تحويل ما يعادل خمسة ملايين جنيه مصري بالسعر الجديد أي حوالي 833 ألف دولار أمريكي، وبذلك كيف يضمن هذا النص مواجهة مخاطر تقلبات سعر الصرف للمستثمرين!! (2) تضمنت المادة (11) من القانون (88) لسنة 2003 إصدار قانون البنك المركزي والجهاز المصرفي والنقد فقرة تنص علي أنه "يكون التعامل داخل جمهورية مصر العربية شراءً وبيعاً في مجال السلع والخدمات بالجنيه المصري" وهو أمر طبيعي غير أن النص الوارد في قانون تشجيع الاستثمار الجديد الذي صدر بعده والذي يتضمن "أن يكون الاكتتاب في رأس المال بذات العملة، فإذا رغب المصريون المساهمة في رأسمال المشروع المحدد رأسماله بالدولار الأمريكي، فإنهم يلجأون إلي أسواق الصرف لشراء مساهماتهم بالنقد الأجنبي إذا لم يتوافر لديهم، وهو ما يؤدي إلي رفع سعر الدولار الأمريكي في هذه الأسواق رسمية كانت أو غير رسمية علي عكس الهدف الذي تعمل الحكومة من أجله بالنسبة لاستقرار سعر الصرف وعدم وجود تذبذبات كبيرة في السعر، وبالتالي فإن ذلك ينتج بنداً جديداًً لزيادة الطلب علي العملات الأجنبية". أقول إنه في الفقرة المذكورة أعلاه عدم احترام للعملة الوطنية وللغة القومية وللمواطنة المصرية ودون مقابل للمستثمر الأجنبي، لأن ما ورد بها لن يؤمنه ضد مخاطر تقلبات سعر الصرف حسب ما يعتقده البعض، كما أن ذلك لا يعطي المستثمر الأجنبي أية حوافز أو مزايا جديدة تشجعه علي الاستثمار في الدولة، لأن المستثمر لا يهتم بالنواحي الشكلية أو الصورية ولكن عادة يركز علي ناحيتين، المزايا الموضوعية والضمانات الحقيقية، وفي ضوئهما يعطي قرار الاستثمار الذي يتفق مع صالحه الشخصي قبل صالح الدولة الذي يذهب للاستثمار فيها. ونأمل أن تراعي دائماً النواحي النقدية في أية مناقشات تخص القوانين الاقتصادية، خاصة تلك المتعلقة بقوانين تشجيع الاستثمار الأجنبي، لأن المستثمر الأجنبي عادة يأتي للاستثمار بعد دراسة الضمانات والمزايا الحقيقية التي يمكن الحصول عليها من استثماراته في دولة معينة بالمقارنة مع دول أخري، بما في ذلك الوضع النقدي والبنكي والتأمين ضد مخاطر الضياع، وبالشكل الذي يشعر فيه أن المشرع مثقف وجاد ويهتم بصالح المستثمرين وصالح الدولة وهما غالباً لا يتعارضان. إن ذلك يتطلب إعادة الدراسة وإعادة النظر، ويمكن أن يتم ذلك توضيحاً في اللائحة.. بعيداً عن تعديل القانون وهو في بدايته، والعبرة دائماً ليست بإصدار القوانين ولكن بالرؤية الواضحة لما يمكن تحقيقه من هذه القوانين ومتابعة نتائجها مستقبلاً بعيداً عن أجهزة الإعلام والتصريحات النظرية.