يوم الجمعة الماضي وتزامناً مع بداية شهر رمضان الكريم سارعت أمريكا ومعها فرنسا بطرح مشروع قرار جديد علي مجلس الأمن حول ضرورة انسحاب سوريا من لبنان وبضرورة سرعة تنفيذ الانسحاب. مشروع القرار الجديد يعتبر أحد توابع القرار 1559 الذي سبق لمجلس الأمن أن أصدره في الثالث من الشهر الماضي لم يشر كسابقه إلي سوريا بالاسم. غير أن تقرير كوفي أنان أكد بأن سوريا لم تذعن للقرار 1559 ولم تحدد جدولاً زمنياً لسحب قواتها كما أن لبنان لم ينزع سلاح الميليشيات الإرهابية وبأنه لم يبق في لبنان قوات أجنبية إلا 14 ألف سوري حيث ان الأممالمتحدة لا تعتبر مزارع شبعا التي تحتلها إسرائيل أرضاً لبنانية وإنما تعتبرها أرضاً سورية. عود علي بدء وفي محاولة لمطاردة سوريا ومطالبتها بالانسحاب تم تكليف كوفي أنان بتقديم تقرير كل ثلاثة أشهر كمتابعة لتنفيذ القرار 1559 حول مدي التزام سوريا بالانسحاب. ورغم أن قرار 1559 كان خطأ دبلوماسياً وخطأ في حق دولتين ذات سيادة وهما سوريا ولبنان وكلتاهما عضو في الأممالمتحدة إلا أن أمريكا وفرنسا أعادتا الكرة من جديد من خلال مشروع القرار الذي طرحاه يوم الجمعة الماضي بعد أن فشلتا في اقناع باكستان والجزائر بالتوقيع علي بيان للمجلس يرحب بتقرير أنان.. ويومها سري حديث حول امكانية أن يستبدل مشروع القرار المطروح ببيان رئاسي يحل محل استصدار قرار جديد وإذا كان البيان الرئاسي أكثر قوة من القرار إلا أن صدوره أصعب علي أساس أنه يتطلب موافقة إجماعية من الدول الخمس عشرة في مجلس الأمن. هذا بالإضافة إلي أنه لا يمكن تنفيذه بالقوة مثل قرارات مجلس الأمن. دائرة التطويق! لا شك أن إصرار أمريكا علي مطاردة سوريا بهذا الشكل والتركيز علي موضوع انسحابها من لبنان يثير الغثيان والاستهجان والاستغراب حيث ان القرار 1559 والمحاولات التي جرت في أعقابه يعد تدخلاً سافراً في شئون دولة ذات سيادة وبالتالي فهو غير مقبول وينال من الشرعية الدولية قبل أن ينال من سوريا ولبنان. ذلك أن إصرار إدارة بوش علي إبقاء سوريا في دائرة التطويق والحصار والضغط المتواصل هو دليل علي توغل البيت الأبيض وإمعانه في الظلم وتماديه في احتقار الشرعية الدولية والاستهانة بأي قوة في العالم. أداء مزر إن ما تفعله إدارة بوش في هذا الصدد يجب أن يجابه عربياً وإسلامياً ودولياً لأن هذا الأداء الأمريكي المزري يعني إسقاط العالم كله من اعتباره الأمر الذي يتطلب وقف شجاعة لمواجهة مثل هذه القرارات غير المبررة من المجتمع الدولي. إن قرار 1559 وأية توابع يمكن أن تلحق به يلتقي مع ما تخطط له إسرائيل التي اعتادت ضرب كل توجهات السلام وتبني نظرية إرهاب الدولة. وهذا ما تنفذه أمريكا اليوم في العراق وتنفذه إسرائيل في فلسطين بمباركة ودعم أمريكي. ولا أدل علي ذلك من القانون الجديد الذي وقعه بوش والذي اعتبر بمثابة المقصلة لجز عنق كل من يتهم بمعاداة السامية وقصره علي اليهود حيث ان القانون لا يتضمن العرب الساميين وإنما هو استثناء خالص من أجل اليهود فقط!! فرنسا.. لماذا؟! موقف فرنسا يثير أكثر من علامة استفهام.. موقف مخجل ومحزن ويستغربه كل عربي، ففرنسا التي تبنت موقفاً مناهضاً لأمريكا في حربها علي العراق وبدت أكثر اتزاناً وأكثر عقلانية وجدناها فجأة تنحرف عن مسارها لتتناغم مع أمريكا ضد سوريا. وتسارع وتشترك معها في تقديم مشروع القرار الذي تم تمريره في مجلس الأمن والذي تمثل في القرار 1559 والذي اعتبر خطأ دبلوماسياً في حق سوريا. ويحار المرء لماذا اتخذت فرنسا مثل هذا الموقف المغاير؟ وما الذي جد وما الذي يمكن أن يكون خلف الكواليس؟ ولكن إذا عرف السبب بطل العجب، ويبدو أن فرنسا قد رأت أن تدلي بدلوها في المنطقة علي ضوء الترتيب الجديد الذي يجري الإعداد له بقيادة أمريكا العظمي. ورأت أنه آن الأوان لكي تدخل الحلبة لتحصل علي جزء من الكعكة واختارت أن يكون لها موطئ قدم في لبنان بعد أن شاركت بريطانيا أمريكا في العراق. حنين للاستعمار إن ما تعكسه فرنسا اليوم من خلال مشاركتها أمريكا في تطويق سوريا والضغط عليها من أجل الانسحاب من لبنان هو اسهام في العملية ليكون لها حصة من الغنيمة في النهاية. ويبدو أن ما يعتريها الآن ويسيطر عليها هو حنين للاستعمار. لقد ظننا ولفترة أن فرنسا قد خرجت مع ديجول من هذا الإطار وأنها لن تعود إلي نزعة الدولة الاستعمارية ثانية. ولكن يبدو أن الحنين راودها من جديد فارتدت عباءة أمريكا وراحت تهرول من أجل إحراز موقع لها علي خريطة الشرق الأوسط الجديد!!