برميل البترول تجاوز سعره ال 50 دولارا فماذا يعني هذا بالنسبة للاقتصاد العالمي وبالنسبة لاقتصادنا واقتصاديات دول المنطقة؟ جون سنو وزير الخزانة الامريكي قال إن هذا الارتفاع لا يمثل تهديدا كبيرا لنمو الاقتصاد الدولي الذي حقق هذا العام معدلا بلغ 5% وهو الاعلي خلال 30 عاما، جان كلود تريشيه محافظ البنك المركزي الأوروبي قال إن هذه الاسعار غير مشجعة واستمرارها يشكل تهديدا جديا لنمو الاقتصاد العالمي. الدول الافريقية ابدت ذعرها من تأثير ارتفاع البترول علي هيكل وارداتها وارتفاع تكلفة الانتاج والمعيشة ودعت الي العمل علي خفض الاسعار وطلبت مساعدات اضافية لمواجهة المشكلة المتوقعة بشدة علي اقتصادياتها الضعيفة والمنهكة. السعودية ومعظم دول أوبك قالت انها غير مرتاحة للاسعار المرتفعة وتعمل علي زيادة الانتاج ولكن الاسواق السعودية ابدت مخاوفها من ارتفاع تكلفة وارداتها بسبب ارتفاع اسعار الشحن وزيادة اسعار المواد الغذائية والسلع المصنعة القادمة من الخارج مما سيؤدي الي ارتفاع الاسعار بالداخل. هنا لاحس ولا خبر! فالكل مشغول بالتخفيضات الجمركية والضريبية رغم ان تأثيرات ارتفاع اسعار البترول يمكن ان تعصف بكل انخفاض طرأ علي اسعار الواردات فيما لو اتجهت الشركات الصناعية كما هو متوقع لرفع اسعار السلع التي تنتجها ونستهلكها نحن وهو ما يمكن ان يؤدي الي ارتفاع تكلفة الواردات وزيادة الاسعار في الداخل رغم انخفاض اسعار الضريبة الجمركية. هذا هو مجمل الجدل الدائر حول البترول وأسعاره التي تشغل العالم والتي كانت موضوعا رئيسيا علي اجندة الاجتماعات السنوية للصندوق والبنك الدوليين والدول الصناعية السبع التي انتهت امس الأول في واشنطن ولا شك ان كل رأي كان يعكس حجم الاستفادة أو الضرر الذي يقع علي أصحابه من جراء استمرار الارتفاع في الاسعار، وقد كان الموقف الامريكي متسقا مع التفسيرات التي تربط بين حروب الشرق الأوسط والحروب ضد الإرهاب والرغبة الامريكية في الهيمنة علي أسواق البترول، وبالاضافة الي المصالح الاستراتيجية فإن الولاياتالمتحدة هي التي ستضرر بالتأكيد من ارتفاع الاسعار الا انها تملك اكبر حصة من سوق البترول العالمي كونها تملك أكبر شركات في العالم تستحوذ بصورة مباشرة وغير مباشرة علي صناعة النفط سواء من ناحية التكرير أو التوزيع أو الاستخراج، من أجل هذا جاءت ردود جون سنو غير مبالية خاصة ان بلاده تحقق الآن معدل نمو يصل الي 2.4% رغم اشتباكها في حروب تكلف كثيرا وهو تقريبا ضعف معدل النمو الذي تحققه أوروبا الموحدة القوة الاقتصادية الثانية في العالم والذي بلغ 2.2%، ولهذا جاءت تصريحات تريشيه اكثر تشاؤما ومحذرة ومبطنة بأن أوروبا لن تقف ساكنة امام استمرار هذا التلاعب باسعار البترول الذي يضر بمصالح المستهلكين وأوروبا في مقدمتهم وقد كانت له تصريحات سابقة في هذا الاتجاه. الصين التي اضحت ثاني اكبر مستورد للبترول بعد الولاياتالمتحدة لم تدل برأيها بعد بصورة علنية ولكن كل الدلائل تشير الي أن ارتفاع الاسعار يهدد ليس فقط ميزة الانتاج الصيني الرخيص ولكنه يمتد الي السلوك المعيشي هناك حيث ان الصين تقوم الآن ببناء أكبر عدد من محطات الكهرباء في العالم والتي ستبدأ في العمل تباعا اعتبارا من العام القادم ضمن خطة لتطوير ظروف المعيشة البائسة للمناطق البعيدة عن الشمال الصناعي الغني وهذا من شأنه زيادة الطلب علي البترول بشدة وهو ما يعني توقع مزيد من الضغط الصيني علي الأسواق، وربما هذا بين اسباب ارتفاع حدة الضاربة داخل اسواق البترول الدولية والتي يستسهل الجميع منتجين ومستهلكين اتهامها بأنها وراء ارتفاع الاسعار متجاهلين السبب الحقيقي والاساسي وهو الارتفاع غير المسبوق الحالي والمتوقع في الاستهلاك بسبب فورة التنمية والرغبة في تحسين الاحوال المعيشية التي تجتاح العالم.