ناصر حسين الضحك ضرورة من ضرورات الحياة وهو الدواء الذي يمحو من نفس الإنسان كل أثر ينتج عن كل ما اعترض الإنسان في حياته من عوامل الكآبة والارتباك.. لأن أعظم ساعة يحياها الإنسان هي التي يضحك فيها من كل قلبه متناسيا همومه.. والضحك صناعة تستلزم من مفكريها مجهودا كبيرا لأنها يشترط فيها الخبرة والنبوغ حتي لا تتشابه اللقطات التي يقدمها مخرجو السينما خاصة في مواقفها.. فيضعف أثرها في النفس البشرية.. الضحك يحتاج من مفكريه أفكارًا جديدة تحتاج في استنباطها إلي علم تام ما بداخل النفس البشرية وما يتأثر به.. ويمكننا أن نتصور ما تمتاز به الأفلام السينمائية المضحكة من حدة في الذهن ويوقد في القريحة حتي يقدموا في الأفلام التي يقدمونها المواقف التي يكون لها أثرها المطلوب في نفس المشاهدين.. ولفن الأضحاك أسسه وقواعده يتم مراعاتها عند اختيار أو ابتكار المواقف المضحكة وأهم ما يجب توافره هو أولا المفاجأة فنحن إذا شاهدنا مشهدا لشخص أمام أسد مثلا فإنه يرتعش حيث فوجيء بذلك فلا يتمالك الإنسان نفسه من الضحك بدلا من الإسفاف عليه وثانيا إيقاع شخص معين في مأزق حرج يدعوا إلي ارتباكه وتورطه فلا يجد المشاهد مجالا إلا أن يضحك.. وثالثا البؤس والشقاء يجتمعان في رجل سييء الحظ الذي يلازمه طوال حياته فهو لا يهنأ في حبه ولا هو يتمتع بحياته.. ولكل مضحك طريقته في الأداء فمثلا شارلي شابلن فإنه لا تكاد تراه بملابسه الغريبة المكونة من قبعته المكورة وبدلته البالية وعصاه المعلقة وحذائه الخالد حتي تغرق في الضحك ونجيب الريحاني مثلا الذي يتقبل نكبات الدنيا ومصائبها وهو صامد لها ويستعمل أفراحها ومسراتها بعد اكتراث حيث يبدي عنده حالات البؤس وحالات الهناء حيث تضحك من إلي حد الإغراق بل ويمجد من تلك الإرادة القوية التي لا تجعل شفتيه تنفرجان عن ابتسامة في أشد المواقف اضحاكا للجماهير. وفنانون كثيرون سواء في السينما العالمية مثل لوريل وهاردي وفي السينما المصرية إسماعيل يس وعبدالفتاح القصري وعبدالمنعم إبراهيم وحسن فايق وعبدالسلام النابلسي لأن كلا منهم له أسلوبه وطريقته في اضحاك الناس ويكفي النجاح الذي نالوه من خلال الجماهير.. وتعتمد صناعة الضحك علي المبتكر وأقصد المؤلف هو الذي يرسم للفنان الشخصية الكوميدية التي يقدمها.. مثل أمين صدقي وأبو السعود الإبياري والسيد بدير وعبدالحي أديب وعلي الزرقاني وغيرهم من كتاب الكوميديا الذين أسعدوا الجماهير بما قدموه في كتاباتهم من مواقف كوميدية.. ولأن الضحك فن جماعي فإن هذا يحتاج إلي مجموعة لمشاهدة المواقف الكوميدية حتي يضحكو.. أنا إن أشاهد الإنسان الموقف الكوميدي بمفرده فإنه قد لا يضحك وقد يبتسم فقط.. ولذلك عندما يري الإنسان الفيلم علي شاشة السينما فإن الضحك عنده يختلف عندما يشاهد نفس الفيلم علي شاشات التليفزيون فهو يشهده في السينما مع جماعة أما عندما يشاهد نفس الفيلم علي شاشة التلفاز فإن الانفعال يختلف عنده عن السينما.. ومحصلة القول أن صناعة الضحك ترافقت في السنوات الأخيرة وسببها عدم وجود مفكرين يقومون بصناعة الضحك وهم الكتاب في المقدمة وأيضا عدم وجود ممثلين موهوبين كما كان في الماضي ليقدموا المواقف الكوميدية الساخنة.. لقد خرجت السياسة كل شيء حتي الضحك رغم أننا في أشد الحاجة إلي أن نضحك في هذا الزمن الصعب.