بسبب ضعف الاقتصاد العالمي وسوء البنية الأساسية وبطء التوجهات الاصلاحية يتحرك الهنود في وطنهم بحرية كاملة من مدينة إلي مدينة ومن ولاية إلي أخري تماما مثلما يأمل الأمريكيون أن تكون عليه حرية التنقل في بلدهم.. وبعكس بلدان مثل الصين التي تعاقب الفلاحين عندما يتركون أرضهم ويهاجرون إلي المدن سعيا وراء رزق أوفر وهذا بالتأكيد يعطي للهنود ميزة علي الصينيين ولو من زاوية حقوق الانسان. وتقول مجلة ?الايكونوميست? إن الهنود يتمتعون أيضا بوسائل اتصال متزايدة الجودة ففي رحلة قطار طولها 4200 كيلومتر عبر 615 محطة بين عدة ولايات هندية لم يحقق مراسلها كل هذه المسافة دون انقطاع ومنذ 10 سنوات فقط كان 9% من الهنود فقط هم الذين لديهم تليفون سواء ثابت أو محمول أما الآن فإن 63% من الأسر لديهم خط تليفون عادة ما يكون من النوع المحمول حسب بيانات الاحصاء الرسمي الهندي وإن كانت تقديرات شركة إيريكسون في سبتمبر الماضي أن 75% من الهنود صار لديهم أجهزة تليفون محمول وتشير الاحصاءات الرسمية أيضا أن من بين 247 مليون أسرة هندية يتمتع الثلثان بالكهرباء والنصف باقتناء أجهزة التليفزيون. وفي تقرير صدر حديثا عن برايس ووترهاوس كوبرز نجد أنه في عام 2010 كان هناك 470 مليون هندي تتراوح متوسطات دخولهم بين ألف وحتي 4 آلاف دولار سنويا وتعتقد شركة الاستشارات سالفة الذكر أن هذا العدد سيزيد إلي 570 مليون نسمة في عام 2020 صانعا سوقا للاستهلاك حجمها تريليون دولار وعن البيان أن الشركات الكبري تستهدف هؤلاء المشترين وعندما كان الاقتصاد الهندي ينمو بمعدلات مرتفعة كانت التوقعات عالية وكان هناك من يري أنه في غضون 10 أو20 سنة فقط ستصبح الهند دولة كبري متوسط الدخل أما الآن ومع تباطؤ النمو فإن هذه الآمال ستتوقف ولو لسنوات قليلة وسيكون التوسع أبطأ. لقد كان المتشككون في النهضة الهندية يرون أنه ليس في مقدور الهند بعكس الصين أن تنمو بقوة لسنوات طويلة وذلك لأن اقتصادها يسخن بسرعة إذا ما ظل معدل نموه بقرب 10% وأنها ستعود مرة أخري إلي معدلات النمو التي سبقت انفتاحها علي العالم عام 1991 وهي 3% سنويا أو أكثر قليلا وقد حدث ذلك بالفعل أخيرا عندما ارتفع معدل التضخم في أسعار الغذاء بالذات وصارت الطرق والموانئ والمطارات والسكك الحديدية تتحمل ما هو فوق طاقتها وتكرر انقطاع الكهرباء كثيرا وزادت أجور العمال حتي قاربت المستوي الصيني علي الرغم من الصين أكثر ثراء من الهند بنحو 3 أضعاف. وفي مايو الماضي ذكرت شركة اللوجستيات ?ترانسبورت كوربوريشن أوف إنديا? أن هناك 17 شبكة طرق في الهند تعاني كلها من الزحام والاختناقات فلكي تسافر بالسيارة لمسافة 1380 كليومتر من دلهي إلي مومباي علي سبيل المثال تحتاج 3 أيام أي أن السرعة لا تتجاوز 21 كيلومتر في الساعة وهذه مشكلة تزداد حدة لأن كثافة المرور تزيد 11% سنويا بينما الزيادة في الطرق الجديدة لا تتجاوز 4% كل عام وحال السكك الحديدية أسوأ كثيرا من حال الطرق. وفي ضوء سوء حال البنية الأساسية رحب كثير من المستثمرين بالتباطؤ الذي حدث في النمو الاقتصادي وقال أحدهم إن النمو بمعدل 5.8% أورث الاقتصاد الهندي مشكلات تفوق طاقته وأن النمو بمعدل 5% قد يكون هو الأنسب وذلك بسبب النقص الشديد في الطاقة والمعادن وعدم القدرة علي إنتاج واستيراد ما يكفي منهما. كذلك فإن ساسة الهند صاروا أقل حماسا لاتخاذ مزيد من إجراءات الاصلاح الاقتصادي ألا في حدود جرعات صغيرة لا تسمح بتحسن الأحوال ولكن الأمر يحتاج إلي قفزة كبيرة في هذه الاصلاحات لا تقتصر علي مجرد تحرير سعر البنزين كما حدث عام 2010 أو التقويم الجزئي للروبية وانما تمتد لتشمل الاستحواذ علي الأراضي وقوانين العمل وقوانين الضرائب. أضف إلي ذلك أن الساسة عادة ما يحبون زيادة الانفاق العام كما أن البرلمان قدم نظاما للتشغيل بضمان 100 يوم عمل مدفوعة الأجر سنويا لكل عامل زراعي أو حتي مزارع من ذوي الملكيات الصغيرة وهذه الاجراءات وغيرها من الخطوات ذات الطابع الاجتماعي قد تساعد الهنود الأشد فقرا وتزيد دخل سكان الريف وتنعش أسواق الاستهلاك ولكنها أيضا تزيد من تكلفة عنصر العمل وتجعل الهند أقل تنافسية في مجال جذب الاستثمارات الأجنبية غير المباشرة ويقول سور جيت بهاء الله الاقتصادي في دلهي أن الانفاق علي مشروعات التضامن الاجتماعي يكلف 5.2% من اجمالي الناتج المحلي الهندي سنويا وهذه نسبة ليست كبيرة ولكنها تزيد بسرعة لأنها في ظل حكومة سينتج الأولي لمن تكن تزيد علي 6.1% ويري بهاء الله أن ايجاد وظائف حقيقية ومنتجة قد يكون أجدي للهند عن مثل هذا النوع من الانفاق الاجتماعي. وغني عن البيان أن السياسة المالية الهندية تنطوي علي نوع من الخلاعة صحيح أن أسعار الديزل زادت في سبتمبر الماضي ولكن الوقود و الكيروسين والأسمدة لا تزال تحظي بدعم كبير وهذا كله يعني أن العودة إلي النمو بمعدل مكون من رقمين مستبعدة حاليا في الهند خاصة عندما نضع في الاعتبار ضعف الاقتصاد العالمي في مجلة وبديهي أن المستثمرين المنتجين بسلع استهلاكية عليها طلب كبير يشعرون بالحبور والسعادة ولكن الاقتصاديين لديهم نظرة أكثر تحفظا وحذرا فهم يرون أن الهند يجب أن تحظو بقوة نحو الاصلاح الاقتصادي حتي يمكنها جذب المستثمرين واستئناف تحقيق معدلات النمو العالية ومن هؤلاء راجو رام راجان كبير المستشارين الاقتصاديين للحكومة الهندية والذي سبق له العمل في صندوق النقد الدولي بنفس الصيغة ويري راجان أن الهند يمكن أن تعود إلي النمو بمعدل يقترب من 9% وأن تعالج نواقصها الاقتصادية الراهنة اعتمادا علي التكنولوجيا المتطورة وقوة العمل الشابة المتمركزة في المدن ويذكر في هذا أن الهند أكثر انفاقا من الصين لأن الشركات الحكومية فيها لا تدور سوي 14% من إجمالي الناتج المحلي بينما ترتفع هذه النسبة في الصين إلي 33% ومن المشاكل الأخري المطلوب مواجهتها أن الزراعة لا تزال تستوعب نصف قوة العمل الهندية ومستو إنتاجيتها أقل من سواه ولابد من تطوير هيكل العمالة لصالح الصناعة والخدمات التكنولوجية العالية خاصة أن قطاع الخدمات عموما والصناعات التحويلية بوجه خاص أن المصانع يمكنها أن تستوعب الجزء الأكبر من قوة العمل التي تدخل السوق الهندية سنويا وعددها 13 مليون نسمة مستوي تعليمهم محدود ولا تمثل الصناعة حاليا سوي 15% من اجمالي الناتج المحلي الهندي كما كان عليه الحال تقريبا في ستينيات القرن المالضي وتعاني الصناعة من أمراضي البيروقراطية وضعف البنية الأساسية في المقام الأول كما تعاني من ارتفاع تكاليف العمالة وجمود سوق العمل وارتفاع تكاليف الائتمان ومع ذلك فلا يوجد ما يدل حتي الآن علي أن الهند تتهيأ لقفزة قوية في مجال الصناعة التحويلية خلال المستقبل القريب علي الرغم من أنها تستطيع أن تجعل من نفسها قاعدة مهمة للصناعات التصديرية. وإذا قارنا المؤشرات الهندية بغيرها من دول البريكز عن عام 2011 تلي الصين في معدل النمو السنوي ?الأولي 2.7% والثانية 2.9%? وفي معدل الاستثمار ?4.24% مقابل 3.48% للصين? وفي معدل الادخار ?6.31% مقابل 51% للصين أما في معدل التضخم فالهند هي الأولي ?6.8%? والصين بعدها ?4.5%? وفيما يخص عجز الموازنة فهو سالب 7.8% في الهند مقابل سالب 2.1% فقط في الصين وعموما فإن روسيا والبرازيل هما أقل دول البركيز نموا علي التوالي وفيما يخص مستوي البطالة فإن الهند هي صاحبة أعلي المعدلات ?8.9%? ثم روسيا و 6% بعدها البرازيل 6% و أخيرا الصين 4% فقط وذلك كله حسب أرقام صندوق النقد الدولي.