المتابع لاجتماعات لجنة السياسة النقدية كان حتما سيندهش من قرار تثبيت أسعار الفائده للمرة التاسعة علي التوالي في اجتماعها الاخير عند ال 9,25% للايداع و25.10% للاقراض.. خاصة وان الجميع كان ينتظر رفع اسعار الفائدة علي الجنيه لدعم قيمته امام العملات الاخري وعلي رأسها الدولار.. فلا شك ان ارتفاع العائد علي الجنيه قد يقلل نسبيا من هستيريا "الدولرة" التي اصابت الجميع.. فكما هو معروف ان العائد علي الدولار والعملات الصعبة بشكل عام لا يتجاوز ال 3% في افضل الاحوال.. علي الرغم من ان قيمة الفائدة لدي البنوك الامريكية علي سبيل المثال لا تتجاوز ال 0,75% علي الدولار.. وان كان هذا الفارق الكبير له اسباب أخري لسنا بصدد توضيحها. وقد يقول قائل ان رفع أسعار الفائدة علي الجنيه كما له من ايجابيات له أيضا سلبيات وأهمها التأثير علي مناخ الاستثمار وعمليات التمويل ومنح القروض وكذا ميزانيات الشركات العاملة التي تتعامل طبقا لاسعار فائدة معين.. وكما هو معروف ان سعر الفائدة نفسه ليس هو المؤثر ولكن التأثير دائما ما ينتج من التغير في أسعار الفائدة.. ولكن ما يقلل من حجم هذا التأثير السلبي هو التراجع الملحوظ في عمليات التمويل ومنح القروض من قبل البنوك نظرا للمخاطر السياسية.. ولا أدل علي هذا من حالة الركود غير المسبوقة التي يشهدها اكبر قطاعين في مصر من حيث حجم الاستثمارات وهم علي الترتيب قطاع العقارات وقطاع السيارات.. وذلك نظرا لاعتمادهم علي القروض والتمويل.. ومن المعروف ان ارتفاع اسعار الفائده تؤثر سلبا في الطلب علي الاقراض.. ولكن اذا ما كان الطلب ذاته متوقف لاسباب اخري.. فما هو الضرر أذن!؟ علي كل حال وكما هو معروف للجميع.. ان البنوك المركزية دائما ما تلجأ لرفع اسعار الفائده لتحجيم معدلات التضخم او لدعم قيمة عملتها.. وأتصور ان الفترة الحالية والتي تشهد فيها البلاد ضغوطا تضخمية غير مسبوقة نتيجة للتراجع الكبير والمفاجئ في قيمة العملة المحلية قد أوجد ضرورة ملحة لدعم قيمة الجنيه والذي لن يتأتي سوي برفع أسعار الفائدة.. فالتضخم هذه المرة غير ناتج من انتعاش اقتصادي بلغ ذروته ومن ثم يمكن تحجيمه بتقليل عرض النقود Money Supply يبقي في النهاية ان نشير.. إلي ان جميع الآليات التي يمكن للمركزي اتباعها خلال الفترة القادمة بما فيها رفع اسعار الفائدة.. لن تعدو ان تكون اكثر من مجرد "مسكنات"..فالحلول الحقيقية ليست في الآليات فقط.. وانما الحلول تكمن في البحث عن سبل لزيادة الواردات من النقد الاجنبي ..أو علي الاقل استعادة قطاع السياحة لنشاطه.. باعتباره الشريان الرئيسي لامداد مصر بالعملات الاجنبية.. ولكن للاسف استعادة هذا القطاع لنشاطه لن يتأتي سوي بتمام الاستقرار السياسي والأمني.. فتري هل من الممكن ان نشهد نحن الجيل الحالي هذا الاستقرار يوما ما!!؟ كلمة أخيرة: لم تلبث البورصة ان تصعد سوي لبضعة أيام الا وانهالت علينا التقارير والمستهدفات الصعودية من كل ناحية.. ونسي الجميع فجأة الاضطرابات السياسية والتظاهرات وحالة الانقسام المجتمعي التي نعيشها.. وحقيقة لو كنت أعلم ان صعود البورصة يمحي الذاكرة بهذا الشكل.. لكنت أول من يطالب بضرورة تشجيع "النخبه السياسية" علي دخولها!!