نحتاج إلي رؤية جديدة في إدارة سعر الصرف والاحتياطي ننتظر تدخل ?رجل الإطفاء? لوضع حلول مختلفة للأزمات وفقا لخطط متدرجة أثار بيان المركزي ردود أفعال واسعة النطاق بين الخبراء والمصرفيين المستقلين الذين ارتأوا أنه بيان تعليلي ليس في محله، مؤكدين أن حل المشكلات خلال الفترة المقبلة يتطلب رؤي جديدة من الإدارة الجديدة للمركزي وتضع علي عاتق المحافظ الجديد ?رامز? تحديا أصيلا لاستكمال إدارة الملفات المصرفية. كان البنك المركزي في بيانه الأخير قبل ساعات من انتهاء فترة ولاية الدكتور فاروق العقدة الذي شغل المنصب لمدة تسع سنوات متتالية قد ركز علي الإدارة وفقا لرؤيته لكيفية التعامل مع موضوع الاحتياطي النقدي ودافع بشراسة عن سياسته في إدارته خلال الفترة التي تلت الثورة، وأرجع البنك المركزي في بيان له انهيار الاحتياطي من العملات الأجنبية بعد الثورة إلي أداء ميزان المدفوعات الذي سجل عجزًا علي مدي العامين الماضيين، وقال إن الاحتياطي تراجع بقيمة 21 مليار دولار، وهي نفس قيمة العجز التي سجلها ميزان المدفوعات علي مدي العامين الماضيين وعدد المركزي القطاعات التي ضخ فيها تمويلات دولارية ب36 مليار دولار، وهذه القطاعات هي تمويل استيراد المواد البترولية بقيمة 9،3 مليار دولار، وسداد ديون سيادية بقيمة 8،5 مليار دولار، واحتياجات الهيئة العامة للسلع التموينية 5،4 مليار دولار، وخروج الاستثمارات الأجنبية بقيمة 12،8 مليار دولار. وقال البنك المركزي الذي لم يذكر حجم الموارد الأجنبية التي حصل عليها في المقابل خلال نفس الفترة -إنه سعي جاهدًا خلال العامين الماضيين إلي لمحافظة علي استقرار سوق الصرف تجنبًا لزيادة معدلات التضخم والتأثير علي الحياة المعيشية لقطاع عريض من المصريين، كما عمل علي الالتزام التام بسداد جميع المستحقات بالنقد الأجنبي علي الحكومة سواء داخلية أو خارجية للحفاظ علي سمعة مصر الدولية، إضافة إلي الاحتفاظ بمستوي آمن للاحتياطي من النقد الأجنبي في ظل حتمية الانخفاض لتلبية الالتزامات علي الدولة، وطلب المركزي من وسائل الإعلام تحري المهنية فيما يتعلق بالاحتياطي لغسل يديه من تراجع الاحتياطي من 36 مليار دولار إلي 15 مليار دولارا نتج عن ذلك من مشكلات حادة في سوق الصرف. ولم تقتصر الانتقادات علي وسائل الإعلام بل شملت المحافظ الجديد للبنك المركزي الذي قال بعد ترشيحه للمنصب، إن البنك المركزي تأخر في تخفيض قيمة العملة المحلية، رغم أن جزءًا كبيرًا من الاحتياطي كان قد انفق عندما كان نائبًا لمحافظ البنك المركزي العام قبل الماضي ولم يذكر البنك حجم الموارد الدولارية التي دخلت البلاد خلال العامين الماضيين، سواء عبر معاملات مصر مع العالم الخارجي أو عبر المساعدات والقروض الخارجية، كما لم يذكر شيئا عن حجم ما أنفقه لدعم الجنيه في سوق الصرف. التدخل.. بالأرقام كان البنك المركزي قد استخدم احتياطي النقد الأجنبي للتدخل بشكل قوي في سوق العملة بعد الثورة للدفاع بشكل مستميت عن سعر صرف الجنيه المصري من خلال شراء الجنيه بكميات كبيرة من المستثمرين الذين قاموا ببيع الجنيه مقابل العملات الأجنبية -خاصة الدولار الأمريكي- نظرًا لعدم ثقتهم في الجنيه المصري بعد الثورة، مما أدي إلي انخفاض احتياطي النقد الأجنبي بعد أن كان 36 مليار دولار في ديسمبر 2010 (أي قبل الثورة مباشرة) ليصل إلي ما يقارب 16 مليار دولار في يناير 2012 الذي واصل انخفاضه إلي ما دون ال15 مليار دولار في أبريل 2012 واستمر ذلك ووفقا للبيانات الصادرة عن البنك المركزي المصري فقد تراجع احتياطي النقد الأجنبي بالبنك المركزي فاقدًا نحو 448 مليون دولار بنسبة 2،8% ليصل إلي 12،3 مليار دولار في نهاية نوفمبر الماضي مقابل 15،484 مليار دولار في نهاية أكتوبر الماضي. وخسر الجنيه المصري نحو 60 قرشًا تعادل نحو 10،5% من قيمته أمام الدولار في عامين، حيث ارتفع سعر صرف الدولار من نحو 5،60 جنيه في نفس الفترة من العام قبل الماضي إلي نحو 6،19 جنيه فيما وصل سعره في السوق السوداء إلي ما يقرب من نحو6،23 جنيه حيث إن احتياطي البنك المركزي من العملة الأجنبية وصل إلي حد الخطر، حيث أصبح 15 مليار دولار، منها حوالي 3،3 ميار دولار عبارة عن ?ذهب? أي أن الرصيد الحقيقي من الدولارات حوالي 12 مليار جنيه، بالإضافة إلي جزء آخر يستثمره البنك المركزي في سوق العملات الدولي، ويبدو أن عوامل عدة أسهمت في تماسك الاحتياطات النقدية للبلاد خلال الفترة التي تقلص فيها الانخفاض خلال الربع الثالث من العام وكان سببها إعادة تقييم احتياطي الذهب ليرتفع بمقدار 0،56 مليار دولار من 2،6 مليار دولار في مايو 2012 إلي 3،3 مليار دولار في يوليو 2012 وإيداع دفعات الودائع من قطر (2 مليار دولار)، وتركيا (مليار دولار) وحدوث ارتفاع طفيف في الاحتياطي أثناء فترة تراجع اليورو، ورغم أن العوامل الثلاثة دعمت إلي حد كبير الاحتياطي النقدي دون دعمه فعليا من واقع الناتج المحلي أو حصيلة ارتفاع الصادرات، فإن تحويلات العاملين في الخارج لعبت دورا مهما في دعم فعلي للاحتياطي النقدي حيث تواصل معدلاتها ارتفاعا حيث سجلت زيادة بمقدار 840 مليون دولار خلال 3 أشهر. من جانبه يطالب الدكتور علي ثابت الخبير الاقتصادي بضرورة إعادة النظر في إدارة السياسة النقدية للبلاد خلال الفترة المقبلة مؤكدا أن إدارة الاحتياطي النقدي خلال الفترة المقبلة لابد أن تتمتع بالوسطية بحيث يحتفظ المركزي بالحد الأمثل من هذه الاحتياطات الذي يجنب البلاد المخاطر ودون الإفراط في الاحتفاظ.. الأمر الذي يؤدي إلي تحقق أضرار اقتصادية، وأضاف ثابت واصفًا بيان المركزي الأخير بأنه بيان غير واضح والهدف منه التعليل تحسبًا لموجة من الانتقادات التي قد تطال العقدة بعد تسليمه لمفاتيح الأمور. وتابع قائلا: هناك دراسة مهمة وضعتها وزارة المالية في مطلع العام المنقضي تحت عنوان ?الاحتياطيات الدولية لدي البنوك المركزية? حذرت من تدني الاحتياطيات الدولية عن الحجم الأمثل، مشيرة إلي أن تحديد الحجم الأمثل لحيازة مصر من الاحتياطيات الدولية يكون من خلال التعادل بين تكلفة الاحتفاظ بالاحتياطيات والعائد الاجتماعي الذي يتحقق منها. وطالبت بالاستفادة من الاحتياطيات الدولية المصرية في تدعيم عملية التنمية الاقتصادية بهدف رفع مستويات الانتاج، والنمو، والاستثمار والقضاء علي البطالة، نظرا لارتفاع معدلاتها عن الحدود الآمنة المتعارف عليها عالميا، حيث يمكن تحقيق ذلك من خلال الدفع المسبق للديون الخارجية والمساهمة في تمويل النفقات العامة وبرامج الإنعاش الاقتصادي. الدفاع قبل الهجوم التقط أطراف الحديث الخبير المصرفي محمد يوسف الذي أكد أن الاستقرار السياسي والاقتصادي كفيلان بوقف الضغط علي الاحتياطيات النقدية حيث أوضح أن الهدف الرئيسي من الاحتياطات النقدية هو اللجوء إليها وقت الأزمات فهي صمام أمان ولا تتعرض لضغوط إلا مع وجود الاستثناءات مؤكدا أن ما يحدث واستمراره يعتبر أمرًا خطيرًا يؤثر علي هذه الاحتياطيات ودورها في تحقيق التوازن الاقتصادي في البلاد. وتابع يوسف قائلا: ?الحكومة وأداؤها الباهت واتخاذ قرارات والعودة فيها مجددًا يربك الاقتصاد ويعمق المشكلات مشيرا إلي أن مسببات الأزمة تقتضي التعرف علي منابعها ثم استخدام الأساليب العلمية والفنية بعد ذلك إذ لا يمكن أخذ دواء دون تطهير الجروح من مسببات التقيح?. وحول بيان المركزي الأخير قال إنه بيان استعراضي غير دقيق يدرأ الاتهامات والهجوم الذي قد يوجه علي سياسة المحافظ في إدارته للأمور بينما كان ينبغي أن تتحلي قيادات المركزي قبل رحيلها بنوع من الحكمة في التعامل مع مقتضيات الأمور وليس نوعا من البيانات الاستباقية التي تحتوي علي قليل من العلم وكثير من التفنيد والانتقادات لوسائل الإعلام بل وللمحافظ الجديد. تابع يوسف: ?الفترة المقبلة لا تحتاج إلي تبرئة الساحات بقدر ما تحتاج إلي ورش عمل متخصصة يرعاها البنك المركزي تحوي خبراء واقتصاديين وأكاديميين ويتم الاستماع فيها إلي وجهات نظر مختلفة يمكن أن تصوغ إليه وطريقة لإدارة سعر الصرف والاحتياطي النقدي خلال الفترة المقبلة?. أضاف: ?في كل دول العالم تقوم البنوك المركزية بدور رجل الإطفاء الذي يضع حلولاً مختلفة للتعامل مع الأزمات وفقا لخطط متدرجة يتم استخدامها في توافق مع التوقعات ببروز الأزمات وخروج الاستثمارات ولم يحدث في أي دولة في العالم أن تمت شخصنة الأمور عندما تم انتقاد آليات حكومية لأن الانتقاد هنا لفريق العمل وليس الشخص وإلا فلماذا نمدح آليات معينة عندما يتخذها البنك المركزي ولا يمكن أن يستمر الأمر في اتجاه واحد ومعين لأنها سفينة يقودها الجميع وإلا قد تغرق بنا جميعًا?. استنزاف الاحتياطي النقدي وتعقيبا علي نفس القضية قال الدكتور أشرف سمير الخبير الاقتصادي إن الاضطرابات التي يشهدها سوق الصرف في الآونة الأخيرة وارتفاع أسعار الدولار وجنوحه يعود في مجمله إلي سبب رئيسي وهو استمرار استنزاف الاحتياطي النقدي، وبالتالي فإن ذلك مفاتيح الحل فيما وصفه بالإدارة الشريدة وليس معني هذا أن نقول إن الإدارة الأخيرة سيئة لكن لابد أن هناك حلولاً وأفكارًا أخري يتم بها تناول الأمور معتبرًا أن استمرار الوضع يخلف تربة خصبة للمضاربين بإبراز شائعات الإفلاس وغيرها الأمر الذي يهدد الاقتصاد المصري علي حد قوله، أضاف سمير: ?إدارة الأمور مسئولية الجميع والمصريون ينفقون ملايين الدولارات في استيراد سلع غير ضرورية من الخارج، حيث بلغ حجم المشتريات خلال ثلاثة أشهر فقط 669 مليون جنيه، من بينها أطعمة للقطط والكلاب ب4،26 مليون جنيه، وتفاح طازج ب25 مليونا ولعب أطفال 61 مليونا وهذا ما أشار إليه تقرير رسمي حول واردات مصر من السلع الاستهلاكية والترفيهية المعمرة وغير المعمرة التي بلغت نحو 5،4 مليار جنيه أي ما يعادل 8،16% من إجمالي واردات مصر، ورصد زيادة الواردات ?الاستفزازية? بنحو 5،2% وتتضمن هذه الواردات طعام كلاب وأنواع معينة من الفواكه والمأكولات وبودرة طعمية فاخرة والزهور، بالإضافة للسيارات الفاخرة والعطور وأدوات التجميل. وشدد علي أن استمرار حالة الاحتقان السياسي والأمني سوف تؤدي إلي مزيد من التأثيرات التضخمية علي الاقتصاد المصري، فارتفاع سعر الدولار سوف يرفع قيمة فاتورة الاستيراد من مختلف السلع وسوف تنعكس آثارها السلبية علي المستهلك المصري من حيث زيادة أسعار السلع الأجنبية والمحلية، مبديا أسفه الشديد علي أن آليات السوق في مصر غير منضبطة وأن التجار لن ينتظروا حتي وصول البضاعة الجديدة التي تم فتح اعتماد استيرادها بالتكلفة الجديدة وسوف يقومون برفع الأسعار علي السلع الموجودة في المخازن. وأوضح أنه بالنسبة لأسواق التصدير فإن أي مستورد سوف يعيد حساباته ألف مرة قبل أن يفكر في الاستيراد بسبب عدم الوفاء بالمواعيد في حالة التعاقد مع المنتجين المصريين. وأوضح أنه لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يتم ضبط إيقاع الاقتصاد في حالة وجود احتقان سياسي وأمني داعيا إلي وجود إجراء عاقل ورشيد لوقف حالة الاحتقان السياسي والأمني حتي يمكن اتخاذ إجراءات إصلاحية للاقتصاد المصري مؤكدا أنه لا أحد سوف يأتي للاستثمار محليا أو خارجيا في ظل هذه الحالة.