لكي تعرف مدي ضخامة عمليات شركة فوكسكون التايوانية الأصل في الصين يكفي أن نلقي نظرة علي مطابخ الشركة داخل حرم مبانيها في مدينة شينزهين جنوب الصين فهذه المطابخ التي تعد الطعام لنحو 240 ألف عامل مقامة علي مساحة 5.12 ألف متر مربع في مبان مكونة من 4 طوابق وتستهلك ثلاثة أطنان من اللحم يوميا.. أما مساحة الحرم كله بمصانعه ومهاجعه ومنشآته الرياضية وبنوكه ومتاجره فتصل إلي 5.2 كيلومتر مربع، وتملك فوكسكون 28 حرما من هذا النوع في مختلف أنحاء الصين وتشغل 4.1 مليون شخص صيني في مصانعها لإنتاج أو تجميع المكونات والسلع الالكترونية. وتقول مجلة "الايكونوميست" إن فوكسكون "هون هاي علي اسم الشركة الأم" صارت أكبر شركة للصناعة والتوريدات في العالم، وتعد شركة ابل الأمريكية أكبر زبائنها.. والأهم من ذلك كله في واقع الامر هو النمو الهائل الذي تحظي به فوكسكون وطموحاتها المستقبلية فخبراء بنك باركليز يقولون إن إيراداتها في عام 2012 بلغت 134 مليار دولار وكذلك تتوسع الشركة بقوة في الصين والبرازيل والمكسيك وتنفق بكثافة علي هذه التوسعات وهناك شائعات قوية تتردد عن عزم فوكسكون إنشاء مصنع لها في الولاياتالمتحدة بعد أن أعلنت أبل مسايرة التيار المتنامي هذه الأيام بالعودة إلي التصنيع داخل الولاياتالمتحدة والمدهش أن أبل قد لا تجد في سوق العمل الأمريكي ما يكفيها من العمال المهرة ولذلك فإن فوكسكون يمكنها أن تطبق علي العمال الأمريكيين ما سبق أن فعلته مع عمال الصين في مجال التدريب والتأهيل وقد اعترف قادة فوكسكون بالفعل بأنهم سيتكشفون فرص نجاح مهمتهم في السوق الأمريكية عندما يقررون بشكل نهائي العمل في تلك السوق. ومن المثير أيضا أن قادة فوكسكون يعتقدون أن حجم شركتهم يمكن أن يتضاعف مرة ثانية وأن تصبح فوكسكون ضمن أكبر 20 شركة في العالم، وهذا بالتأكيد ليس نوعا من الفانتازيا فخبراء بنك باركليز يرون أن إيرادات هذه الشركة سوف تزيد بمعدل 15 و20% سنويا خلال السنوات الثلاث 2013/2015 وأنه لا توجد سوي عقبتين فقط أمام هذا النوع من النمو هما: عدم توافر العدد الكافي من العمال المهرة في الصين وضآلة هوامش الربح، والمؤكد أن المزيد من النمو في فوكسكون سيعني مزيدا من التعقد لهاتين المشكلتين أو العقبتين، ومع تزايد ندرة العمالة الماهرة سيكون علي الشركة أن تولي عناية أكبر لظروف العمل خاصة أنها تواجه انتقادات حادة في هذا الشأن. وتشهد مجلة "الايكونوميست" أن ظروف العمل والعمال في مصانع فوكسكون قد تحسنت كثيرا فهم يعملون ساعات عمل معقولة ويأخذون فترة راحة لتناول الطعام أو التدخين أو ممارسة الرياضة والتحدث إلي من يريدون عبر تليفوناتهم المحمولة، وهم في فترة الراحة يرتدون ملابسهم العادية وليس الملابس النمطية الخاصة بالعمل كما أنه في مقدورهم رجالا ونساء أن يستريحوا في مهاجع ذات مستوي جيد، وإذا كانت هناك شكوي من أي شيء فهي شكاوي تستهدف التطوير والمزيد من التحسين لظروف العمل، ولكن العنصر الديموجرافي يؤرق قادة فوكسكون فالصين تتحرك بسرعة في اتجاه الشيخوخة السكانية بفعل سياسة طفل واحد لكل أسرة المطبقة هناك منذ سنوات طويلة وهذا يعني نقص المعروض من العمالة الريفية المهاجرة إلي المدن ومراكز الصناعة بحثا عن حياة أفضل، ونقص العمالة الشابة إلي جانب أن طموحات العمال في اجر أعلي باتت واضحة لانهم لم يعودوا علي استعداد لتحمل ما تحملته الاجيال السابقة من عنت في بداية حقبة الانفتاح الصيني علي العالم الخارجي وتدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة إليها بحثا عن عمالة أرخص تمكنها من تحقيق أهدافها التنافسية. وغني عن القول إن فوكسكون ظلت حتي عهد قريب تتبع أساليب عمل صارمة بل وقاسية، ولكن موجة من الانتحار انتابت العاملين لديها منذ عامين وهو ما دفعها إلي أن تقيم أسوارا عالية علي اسطح مبانيها لتحول دون تسلق العاملين لها والانتحار من فوقها ودفعها أيضا إلي تطوير أساليب العمل خاصة أن العمال لم يكتفوا بأن ينتحروا وإنما قاموا بالتمرد والعصيان والاضراب عن العمل، وشنت المنظمات الحقوقية في الغرب حملات دمغت سمعة فوكسكون ومع ذلك فإن شركة أبل طلبت من فوكسكون السماح لرابطة العمل العادل FLA وأعلنت في أغسطس الماضي أن فوكسكون تتقدم في اتجاه تحسين شروط وظروف العمل، ولكن يظل علي فوكسكون إذا ارادت أن تتقدم أن تحسن في ظروف العمل أكثر مما تفعله الآن، وقد لاحظت "الايكونوميست" أن الشركة تحسن حال العمال بطرق ثلاثة أولها هو الاتمتة فالشركة بصدد شراء مليون روبوت لدعم العمالة سواء في المطابخ أو المصانع، والطريق الثاني هو السماح بقدر من الحرية للعاملين بحيث يمكنهم تناول الطعام في كانتين الشركة أو في الخارج وهذا يتطلب تحويل كوبونات الوجبات إلي نقود سائلة، كما أنها صارت تخيرهم بين الاقامة في مهاجع الشركة أو السكني في المدينة خارج هذه المهاجع والسماح لهم بحياة اجتماعية مشتركة في مقاهي الإنترنت الخاصة بالشركة أما الطريق الثالث فهو التعهيد، وذلك باسناد مهمة رعاية المهاجع وتوريد الطعام وضروب التسلية إلي جانب الامن لشركات متخصصة ليس بهدف توفير النفقات وإنما بهدف تحسين حياة العاملين. وجدير بالذكر أن هوامش ربح فوكسكون كانت 6% منذ عقد من الزمان ثم هبطت لتصبح 2% فقط في الوقت الراهن، وإذا كانت الشركة بفضل مصانعها الجديدة سينخفض متوسط ما تدفعه للضرائب من 25% ليصبح 16 18% هذا العام فإن ذلك لن يعني تحسن هوامشها علي المدي المتوسط أو البعيد وإنما الأمر يتطلب استراتيجية لزيادة الهوامش أول عناصرها التحول إلي شركة تجميع للسلع الالكترونية بدلا من التركيز علي صناعة المكونات والعنصر الثاني هو تشكيل شبكة للتسويق نعتمد علي متاجر التجزئة المتخصصة في الالكترونيات داخل الصين بوجه خاص والعنصر الثالث هو البيع بأسعار أعلي قليلا بدلا من مواصلة البيع بأسعار رخيصة، وقد لا تستطيع فوكسكون أن ترفع الأسعار علي أبل التي تستهلك وحدها 40 45% من منتجات الشركة من المكونات الالكترونية ولكنها تستطيع أن تفعل ذلك دون شك مع زبائنها الآخرين.