الناس اليوم في تقدمهم يهتمون بالفنون ويضعون الفنان موضع الحب والإعزاز وتقول السيدة روز اليوسف في كتابها ذكريات الفنان الحقيقي لا يعتبر شيء قدر إعزازه بفنه وكرامته ولا يري في الدنيا شرفًا أرفع من الولاء للمثل العليا التي يمثلها هذا الفن، أو يجد بدا من الإخلاص له والتفاني في خدمته.. وكل سيد غير الفن في نظر الفنان الحقيقي مهما كانت عظمته ومهما بلغ مجده وسلطانه أتفه من أن يرضي بأن يضحي من أجله بذرة واحدة من ولائه للفن. والسؤال الذي تبادر في ذهني عندما قرأت هذا الكلام هل الفنان عندنا يتميز بشخصية متماسكة ويحترم نفسه ويعبر بلسانه عما يطويه صدره وأيضا طرحت تساؤلا علي نفسي هل الراقصة التي تؤدي رقصاتها وعيون الجماهير التي تشاهدها تكاد تلتهم جسدها العاري الذي يرونه بشكل مثير وما وجهة نظر المشاهدين عن الغائبين وما أبسط إلقاء التهم إليهم بعد أن يستخفوا بما يقدمونه لكن ما أصعب يقظة الضمير. وبطبيعة عملي كصحفي وأيضا كعملي مخرج سينمائي فإن جميع نجوم الرقص في مصر بدءا من تحية كاريوكا وسامية جمال وببا إبراهيم ونعيمة عاكف ونجوي فؤاد وناهد صبري وسهير زكي وسهير مجدي وزينات علوي.. كثيرات عرفتهم عن قرب وعرفت حكايات كثيرة عنهم.. وقارنت بين ما سمعته وما تقدمه السينما المصرية عن الراقصات فالراقصة في معظم الأفلام المصرية منذ بدايتها عام 1923 علي يد محمد بيومي في فيلم "بلاد توت عنخ أمون" وفي عام 1924 في فيلم "برسوم يبحث عن وظيفة" وأردت أن أذكر هذه المعلومة بسبب الخطأ الذي يتداوله الذين يتناولون تاريخ السينما في مصر حيث يعتبرون أن بدايتها كانت عام 1927 علي يد الفنانة عزيزة أمير، والذين يعتبرونها رائدة السينما المصرية مع أن الرائد الحقيقي للسينما المصرية هو محمد بيومي وأن الأفلام المصرية صورت الراقصة علي أنها إنسانة غير سوية.. فهي صائدة للرجال.. تهدم بيوت الأسر.. تثير غرائز الشباب.. وأفلام قليلة هي التي قدمت الراقصة كإنسانة وأن الظروف التي دفعتها للسير في فن الرقص الشرقي وهو فن قديم له جذوره الممتدة عبر العصور مع أن عددا من الراقصات لعبن دورا مهما في السياسة وعلي سبيل المثال لا الحصر كازينو بديعة والتي كانت تملكه بديعة مصابني في ميدان الأوبرا كان يتجمع فيه كبار الضباط الإنجليز أثناء الحرب العالمية الثانية لأن مقر قيادتهم كان في فندق الكونتننتال بميدان الأوبرا والذي يبعد خطوات عن كازينو بديعة، وكانت راقصات الفرقة يجمعن المعلومات من الضباط والعساكر الإنجليز ويبلغونها للدولة. وأن بديعة مصابني نفسها قامت ببطولة فيلم يحمل رقم 55 في تاريخ السينما المصرية تحت عنوان "ملكة المسارح" أخرجه لها المخرج اليوناني ماريو فولبي وشارك في بطولته بشارة واكيم ومختار عثمان وفؤاد الجزايرلي وكان أول عرض في سينما ديانا بشارع الألفي بالقاهرة في 27 فبراير 1935. ولعبت الراقصة حكمت فهمي دورًا مهمًا في الحرب العالمية الثانية حيث كانت عميلة للألمان في مصر وتعرفت بالرئيس الراحل أنور السادات والذي كان عميلا للألمان أيضا مع مجموعة عزيز المصري. وقامت ببطولة فيلم تحت عنوان "تيتاونج" أخرجته أمينة محمد وشارك في بطولته حسين صدقي واستر شطاح وعثمان أباظة.. ثم عادت بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية للوقوف أمام كاميرات السينما وتزوجت من المخرج محمد عبدالجواد في فيلم "المتشردة" وشاركها بطولته محسن سرحان وسراج منير وماري منيب ومختار عثمان وتم عرضه في نهاية أبريل عام 1947 وكانت تدور أحداثه حول بائعة يانصيب تتعرف علي امرأة تدفع بها للعمل كراقصة في إحدي الصالات وتحقق شهرة وثروة وتتعرف علي رجل تقع في حبه وتتصور أنه سوف يحقق لها المزيد من الحب لكن يسرق أموالها ويهرب فتقتله وتدخل السجن وعندما تخرج من السجن فلا تجد أحدا إلي جوارها.