الراقصة زينات علوي هكذا كانوا يقدمونها في اسكتشات الرقص التي تتخلل الأفلام التي شاركت فيها. انها تلك الفتاة السكندرية التي عاشت قصة تقليدية في بدايتها من أب قاس, أسرة فقيرة. هروب إلي المجهول, اللجوء لصديقة, العمل كراقصة افضل من الشارع. لكن تلك البدايات التقليدية قد تنتج راقصة درجة ثالثة ترتضي بالفتات من الحياة والعيش والكرامة والشرف, وقد تنتج زينات علوي, الراقصة التي اشتهرت بالجدية الكاملة والكرامة والشرف, شأنها شأن تحية كاريوكا وسامية جمال وفريدة وغيرهن ممن اقتنعن بأن الرقص فن, فقط فن. وزينات علوي المولودة في19 مايو1930 هي خريجة مدرسة أكاديمية او جامعة بديعة مصابني الفنانة اللبنانية التي استطاعت ان تخلق نهضة فنية في مصر أثناء الحرب العالمية الثانية, حتي إن المصريين أطلقوا اسمها علي أحد الميادين والكباري المهمة, وهوكوبري بديعة الذي غيرت يوليو اسمه فأصبح كوبري الجلاء, المواجه لقسم شرطة الدقي, وان كان المواطنون الآن لا يطلقون عليه اسما. ولأن كازينو بديعة لم يكن مجرد حانة وإنما مملكة لها قوانين ودستور, ونظام الحكم, فإن زينات تعلمت فيه الانضباط بالمعني الحرفي للكلمة, ولمن لا يعرف فإن بديعة كانت تحرم الحب في الكازينو, وتمنع اختلاط الفنانين والفنانات, وقد احترمت زينات هذا, وحافظت علي مبدأ العداء للرجال, ويقال إنها تزوجت مرة, ويقال إنها لم تفعل, لكن المؤكد انها ظلت بعيدة عن شباك الرجال حتي ان رشدي أباظة حاول معها مرة, فكان جزاؤه قاسيا, وهي تفاصيل لم نتعود الخوض فيها فابقوا معنا. عندما تركت بديعة مصر, عملت زينات في فرقة شكوكو, ولمن لا يعلم فإن شكوكوأحد مدربي الرقص المحترفين, وهو الذي تولي تدريب سهير زكي. المهم ان صاحبتنا نجحت, ودخلت عالم السينما, لكنها ظلت راقصة حتي في السينما, ولم تفلح محاولات صلاح ابو سيف وغيره ممن حاولوا تقديمها كممثلة, فقد ظلت الراقصة زينات علوي. اعتزلت زينات علوي مرتين, وكانت كل مرة تعتزل احتجاجا علي تعامل الدولة مع الراقصات, فيوليو تعاملت مع الرقص الشرقي بمنتهي العنف والاحتقار, وأطلقت يد بوليس الآداب للقضاء علي الراقصات إلا من كانت بالفعل لائقة ببوليس الآداب, وقد نجحت في ذلك إلا قليلا. وسعت زينات لإنشاء نقابة للراقصات تحمي حقوقهن, وعندما فشلت اعتزلت عام1965, فوجدت نفسها في دائرة من الديون اضطرتها للعودة بعد شهور, لتعتزل مجددا ونهائيا عام1967, لتتنحي عن عرش الرقص الشرقي للأبد. وإذا كانت علوي قد عاشت في عزلة حتي في عز مجدها الفني, فكيف كان حالها بعد أن دخلت عالم الوحدة التامة عقب الاعتزال, وظلت فيها21 عاما, لا رفيق لها سوي سيجارة وكأس, حتي إنها توفيت وحيدة شريدة وليس بجوارها أحد سوي قنينة خمر وطن من التبغ, وظلت ثلاثة أيام بلياليها لا يعلم بوفاتها أحد في16 يوليو1988 وربنا يرحم الجميع.