الرئيس محمد مرسى.. مواطن مصرى بسيط، خرج من ريف مصر، ويملك طيبة وصفات الأرض المصرية، ومثله مثل ملايين من المصريين يحلم بمصر أفضل، وحياة أكثر عدلاً وأماناً للجميع.. وأن تكون لمصر مكانتها وقيمتها. والمواطن المصرى محمد مرسى، وجد نفسه فجأة رئيساً.. وعليه أن يحقق كل هذه الأحلام والأمنيات. والنوايا الطيبة جميلة وحلوة، ولكن الواقع شىء آخر مختلف تماماً، فهو واقع يجمع ما بين القبح وما بين التمرد والرفض وأسوأ ما فى النفس البشرية من تطلعات وطموحات قد تتجاوز كل الأخلاقيات والمبادئ. فالرئيس مرسى الذى كان يحلم بتجاوز كل الصعاب فى مائة يوم، وجد أن من يحيطون به، ومن يقدمون له النصيحة، ومن يفترض أنهم السند والقوة له هم مصدر الخطر والتهديد والإحباط أمام الرأى العام. فقد اعتقدوا أن الرئيس واجهة لهم.. وأنهم ماداموا قد رشحوه للرئاسة وأتوا به من مقاعد الاحتياطى فإن الكلمة كلمتهم، والمشورة مشورتهم. وأوقعوا بالرئيس فى موقفين بالغى الإحراج خرج منهما مهزوماً ويدفع وحده الثمن. وكان الموقف الأول عندما أقنعوه بأن يصدر قراراً بعودة البرلمان المنحل بحكم قضائي، فاجتمع القضاة بعد هذا القرار، وقاموا بالتصعيد ضده، ثم عقدت المحكمة الدستورية العليا اجتماعاً ألغت فيه القرار الجمهورى، وكان ذلك الصدام الأول مع القضاء الذى خسره الرئيس. ثم جاء قرار الرئيس بناء على نصيحة مستشاريه بتعيين المستشار عبدالمجيد محمود النائب العام سفيراً فى الفاتيكان، واجتمع رجال القضاء فى أعقاب القرار وأجبروا الرئيس بالتراجع عن قراره وأعادوا "الأسد" إلى عرينه سالماً كما قالوا، وكان ذلك هو الصدام الثانى مع القضاء الذى يخسره الرئيس. غير أن الخسارة الأكبر للرئيس لم تكن مع القضاء وإنما كانت يوم الجمعة الماضية فى ميدان التحرير عندما ذهب عدد من الإخوان المسلمين وادعوا أنهم أتوا لنصرة الرئيس واعتدوا على المتظاهرين من المعارضة الذين كانوا قد أتوا إلى الميدان لمساءلة الرئيس على إخفاقاته فى برنامج المائة يوم. فهذا الاعتداء الذى تم تصويره وشاهده العالم كله، لم يكن ضرره مقصورا على جماعة الإخوان وحزب الحرية والعدالة فقط بقدر ما أساء للرئيس كثيراً وأوضح أن الذين يساندونه يفتقرون إلى الإيمان بالمعارضة وأنهم على استعداد لاستخدام العنف لقمع أى نوع من الاحتجاجات. والواقع أن قائمة الذين يسيئون للرئيس ويعيقونه عن تنفيذ نواياه الطيبة رئيساً لكل المصريين قد أصبحت تضم أطرافاً عديدة. ولقد قلنا من قبل إن أسوأ الحلقات المحيطة بالرئيس هى التى تضم مستشاريه ومعاونيه، فقد أتى بهم الرئيس من "الفضائيات" ولم يكونوا من أهل الخبرة وذوى الاختصاص، فأوقعوه فى الكثير من المشكلات والمعارك التى أضرت بهيبة الرئيس وبمكانته الرفيعة. وكانت جماعة الإخوان بالكوكبة من المتحدثين الذين فرضوا ونصبوا أنفسهم أوصياء على الرئيس تمثل أكبر ضرر، جعل الناس تتساءل عن اللغة التى يتحدثون بها والنفوذ الذى حصلوا عليه. ونقول بكل الوضوح إن عدداً من الوجوه التى اعتادت الظهور فى الفضائيات من المحسوبين على جماعة الإخوان افتقروا إلى الكياسة والتواضع وتحدثوا بغرور واستعلاء وتعال مما أوجد حالة من الضيق والنفور من الجماعة وأهدافها وتطلعاتها. كما أن العديد من الفتاوى والآراء الفقهية التى صدرت من أشخاص محسوبين على التيار الإسلامى ساهمت فى مخاوف الرأى العام من تحول الدين إلى سلاح لإرهاب الآخرين وتكفيرهم، وإعلان الحرب ضدهم. ولهذا لم يكن إخفاق برنامج المائة يوم وحده هو ما يواجه الرئيس مرسى فى هذه المرحلة، إذ إن التراجع فى شعبية الحكم كان ملحوظاً رغم البداية المبشرة التى استقبل بها الرأى العام الرئيس الجديد وتطلع معه إلى بداية مرحلة الاستقرار وتعديل الأوضاع. ولزاماً على الرئيس المجتهد والمكافح لإثبات ذاته وشخصيته أن يعيد ترتيب الأوضاع داخل بيت الرئاسة أولاً، وأن يثبت أنه رئيس لكل المصريين، وأن يبدأ خطوات للمصالحة الوطنية الحقيقية بعيداً عن استمرار سياسات الإقصاء والتخوين والملاحقات التى تعنى فتح مزيد من الملفات، وإثارة ثورة مختلفة من الحقد والتربص والتشفى ستؤدى إلى المزيد من الانقسام والخلافات وهو ما لن يكون دافعاً إلى العمل والإنتاج بقدر ما قد يكون سبباً فى استمرار هروب الأموال والخبرات..!