هناك اختلافات كبيرة في تقديرات وتحليلات المسئولين الإسرائيليين في أجهزة المخابرات حول ما يجري في العالم العربي في السنتين الأخيرتين، فهناك من يراها فرصة للتحول إلي الديمقراطية، وهناك من يراها كارثة لإسرائيل وشعوب المنطقة. وبين هذا وذاك هناك عشرات التقديرات الأخري، وتنعكس هذه الاختلافات علي موقفي رئيس الحكومة بينيامين نتنياهو ورئيس الدولة شمعون بيريز، فالأول يعتبر ما يجري ارتدادا إلي الوراء وثورات لم تجلب سوي الفوضي وحكم الإخوان المسلمين، ويحاول استثمار ذلك مجددا لصالح إسرائيل التي تقول إنها الدولة الديمقراطية الحقيقية في المنطقة التي يسود فيها احترام حقوق الإنسان ومساواة المرأة. بينما يري الثاني أن هذه ثورات حقيقية في العالم العربي، ويدعو إسرائيل ألا تخاف من الإخوان المسلمين فهم أيضا يتغيرون ولديهم جيل من الشباب الذي يرفض الفكر التقليدي القديم للإخوان ويطالب بالتجديد والانفتاح. غير أن الرئيس السابق لجهاز المخابرات الخارجية الإسرائيلية "الموساد" مانير داغان جاء برأي انتقادي حاد للحكومة الإسرائيلية، لأنها لا تفهم حقيقة ما يدور حولها ولا تدري كيف تتعاطي معه، ويري أن إسرائيل تواجه تحديا غير بسيط لأنها لا تعرف ما تلده الأيام، وهناك تصدعات في كل واحدة من الدول المجاورة لإسرائيل، وليس هناك انسجام عشائري ولا ديني والتوازنات تختلف من بلد لآخر، وهذا يوفر لإسرائيل فرص ولكن أيضا مخاطر ينبغي الاستعداد لمواجهتها. فالانتفاضات الشعبية في العالم العربي فاجأت إسرائيل، مثلما فاجأت الدول التي انفجرت فيها، وهي حبلي بالمزيد من المتغيرات للأسوأ أو للأحسن، وهذا يحتاج إلي رصد ومتابعة إسرائيلية حتي لا تنشأ مفاجآت أخري بنفس المستوي. هذه عقيدة إسرائيل تجاه الربيع العربي المتفجر في المنطقة العربية، ومن هنا فإن نطاق عمل الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية قد اتسع مداه، وانضمت إليه جبهات جديدة مثل تركيا وسيناء المصرية، ففي هذه المناطق الثلاث يوجد ضعف شديد في قدرات الجيش الإسرائيلي علي رصدها، لذا قررت قيادة الجيش وضع حد لهذا الضعف. في سيناء توجد تنظيمات معادية لإسرائيل من وجهة نظر تل أبيب، تخطط لتفجيرات كبيرة وعمليات خطف ضد إسرائيليين داخل المنطقة المصرية أو علي حدودها، وتخطط لإطلاق صواريخ باتجاه إيلات وبلدات إسرائيلية أخري. أما تركيا فلم يفسر الجيش الإسرائيلي ماذا يريد منها. يقول داغان إن تسمية الربيع العربي خطأ كبير، حيث إن من اطلق التسمية استمدها مما جري في أوروبا عام 1848 حينما انتشرت الافكار الليبرالية في العالم، والحقيقة أنه لا وجود لأي بشري ليبرالية، فما يوجد في نهاية المطاف هو صراع للسيطرة علي مراكز القوي، مما يوجد كل الظواهر التي بدأت في تونس ومصر وليبيا وحتي سوريا هو حقيقة أنها مجتمعات إسلامية عشائرية تفضل الولاء علي الكفاءة وتمنع المبادرة للقيادة الاجتماعية. اعتبر داغان أن الأحداث في المنطقة العربية تبدد الخطر عن إسرآئيل لثلاث إلي خمس سنوات وطمأن إسرائيل بأن هذه الثورات أبعدت الخطر العسكري عن إسرائيل، فعلي المدي القصير اختفي الخطر العسكري عن إسرائيل للسنوات الثلاث أو الخمس المقبلة، غير أن ذلك لا يعني تجاهل المدي البعيد حيث إن الايديولوجيات الإسلامية يمكن أن تترجم لفعل عسكري ضد إسرائيل لكن احتمال حدوث ذلك حاليا يبدو متدنيا. فمصر بحاجة إلي توفير حلول لازمتها الاقتصادية التي لها أساس عالمي كما أن المصريين مطالبون بمراجعة مستوي تعلقهم بالمساعدة الأمريكية، وهناك كذلك تراجع الدخول وغياب السياحة، والأزمة في سوريا ليست مرتبطة بشخصية بشار الأسد وإنما بالصراع الدائر من عشرات السنين بين التيارات المختلفة أما الأردن فيهمه اتفاق السلام بقدر ما يهم إسرائيل والجامعة العربية أقل قومية مما كانت في السنوات الأخيرة. بيريز الذي تختلف رؤيته للربيع العربي عن قيادات كثيرة في إسرائيل، دعا إلي بذل كل جهد ممكن لوقف حالة الجمود في عملية السلام بين إسرائيل والفلسطينيين، ويعتقد أن اهمال ملف السلام في الشرق الأوسط يلحق الضرر ليس بالمنطقة ومصالح دولها وشعوبها فقط، بل بمصالح إسرائيل والولايات المتحدة.