كلنا نعرف أسباب الارتفاع الكبير في أسعار البترول، ونعرف أن الطلب علي البترول يتزايد في المدي الطويل بأكثر من معدلات تزايد العرض وأن ذلك يرجع إلي تزايد الطلب الصيني والأسواق الناشئة الأخري، وتبدو سوق البترول العالمية مختنقة بسبب تناقص العرض علي المدي القصير إلي جانب أن إيران تثير قلق الجميع، وتقول مجلة "الأيكونوميست" إن السعدوية هي العضو الوحيد في منظمة الدول المصدرة للبترول الذي يملك طاقة إنتاج فائضة تمكنه من تعويض النقص في العرض وأنها الأمل الأفضل في حفظ استقرار السوق العالمية للبترول، ولكن السعوديين تراجعوا أخيرا عن وعدهم الذي سبق أن أعلنوه بتعويض أي نقص في المعروض ينجم عن العقوبات الأمريكية والأوروبية ضد إيران. ومع ذلك فإن دول الخليج الأخري تستطيع بمرور الوقت زيادة انتاجها من البترول فالعراق وحتي إيران ذاتها لديهما حقول بترولية هائلة تستطيع أن تمد الأسواق بملايين إضافية من براميل البترول يوميا، ولكن هذا باختصار هو التفكير الشائع عند النظر إلي قضية البترول. والحقيقة أن هناك متغيرات أخري مهمة يتعين وضعها في الاعتبار وعلي رأس هذه المتغيرات تزايد استهلاك دول الخليج والشرق الأوسط ذاتها من البترول الذي تنتجه وفيما بين عام 2000 وعام 2010 زاد استهلاك الصين من البترول بقدر يفوق الزيادة في استهلاك أي بلد آخر علي مستوي العالم وبلغ حجم هذه الزيادة 4،3 مليون برميل يوميا وهي نسبة زيادة تناهز 90 عما كان عليه الحال آخر تسعينيات القرن الماضي واليوم صارت الصين وحدها تستهلك 10% من إنتاج العالم البترولي والأكثر مدعاة للدهشة أن السعدوية صارت ثاني أكبر دولة بعد الصين في زيادة استهلاكها من البترول، فاستهلاك السعودية من البترول زاد بمقدار 1،2 مليون برميل يوميا ليصبح 2،8 مليون برميل يوميا أي أكثر من ربع إنتاجها البالغ 10 ملايين برميل يوميا. وتعد السعودية سادس أكبر مستهلك للبترول علي مستوي العالم أما من حيث نصيب الفرد من البترول المستهلك فإن السعودية تأتي في المركز الثالث بعد كندا والولايات المتحدة، وتقول الأرقام المستقاة من الأممالمتحدة وبريتش بتروليوم إن نصيب الفرد الكندي من استهلاك البترول عام 2010 بلغ 9،5 طن سنويا مقابل 7،5 طن للفرد الأمريكي ومثلها تقريبا للفرد السعودي وبعدها الفرد الروسي الذي يستهلك أقل قليلاً من خمسة أطنان يليه الفرد الياباني (4 أطنان) والفرد الإيراني (3 أطنان) ومثلها للفرد اليوناني ثم الفرد الماليزي أكبر قليلاً من طنين يليه الفرد الصيني أقل قليلاً من طنين سنويا ثم أخيرا الفرد الإندونيسي الذي لا يتجاوز استهلاكه نصف طن بترول سنويا. والحقيقة أن السعودية ليست هي المنتج الوحيد للبترول الذي يتزايد ما يستهلكه من هذا الإنتاج ففي الشرق الأوسط 6 دول من أعضاء منظمة أوبك زاد استهلاكها من البترول هي الأخري 56% في العقد الأول من القرن الراهن وهي نسبة تعادل أربعة أضعاف المعدل العالمي ونحو ضعف المعدل الآسيوية للزيادة في استهلاك البترول خلال الفترة موضع القياس. وتجدد الإشارة إلي أن حجم استهلاك الفرد من البترول والطاقة يزيد هو الآخر ففي عام 1970 كان نصيب الفرد في الشرق الأوسط من البترول سنويا نصف نصيب أقرانه في الدول النامية الأخري ولكنه في عام 2010 صار يستهلك 3 أضعاف ما يستهلكه الفرد في الأسواق الناشئة الأخري، وتقول أرقام بريتيش بتروليوم أيضا إن متوسط استهلاك الفرد من البترول سنويا علي المستوي العالمي كله ظل شبه ثابت عند 4،6 برميل، ولكن المتوسط العام لاستهلاك الفرد الإيراني والفرد السعودي صار أعلي 30% في عام 2010 عما كان عليه في عام 2000 فالفرد السعودي يستهلك 35،1 برميل، كما أن استهلاك الفرد السعودي من الطاقة يكاد يتساوي مع استهلاك الفرد الأمريكي كما سبق أن ذكرنا منذ قليل. وتقول مجلة "الأيكونوميست" إن هناك 3 تفسيرات لهذه الشهية المتزايدة لاستهلاك البترول الأول سكاني لأن عدد سكان دول الخليح ودول الأوبك عموما لا يزال يتزايد بسرعة فدولة صغيرة مثل قطر زاد سكانها 300% بين عامي 2000-2010 والسعودية زاد عدد سكانها من 20 مليون نسمة ليصبح 27،4 مليون بنسبة زيادة 37% خلال ذات الفترة كما أن الطلب علي الكهرباء والماء والبنزين يتزايد هو الآخر تبعا لذلك، فإنتاج الكهرباء في السعدوية تضاعف في العقد الماضي لتوفير متطلبات توقي حرارة الجو الشديدة ويذكر تقرير صادر عن مركز التفكير تشاتام هاوس أن أجهزة التكييف تستهلك وحدها نصف ما هو متاح من كهرباء في الشبكة السعودية خلال ساعات الذروة.