عندما وصل سعر برميل البترول إلي ذروة جديدة يوم 6 مايو الحالي ليصبح أكبر من 122 دولارا أشار الخبراء إلي الاضطرابات في كل من نيجيريا والعراق باعتبارها السبب المباشر وتقول مجلة "الايكونوميست" ان اي نقص ولو صغير في صادرات البترول من مثل هذه المناطق صار يؤثر علي أسعاره لان السعودية هي الدولة الوحيدة التي لديها طاقة انتاج قادرة علي تعويض مثل هذا النقص ولكنها لا تبدو ميالة إلي أن تفعل ذلك ولكن لنفهم سبب ندرة المعروض من البترول يجب أن ننظر في المقام الأول إلي روسيا ثاني أكبر منتج للبترول في العالم. وهنا يقول خبراء سيتي بانك ان روسيا قدمت في السنوات السبع الأخيرة 80% من الزيادة في انتاج البترول من خارج دول الاوبك وكانت الزيادة في انتاج روسيا خلال السنوات الأولي من هذا العقد تسابق الزيادة في الطلب علي البترول من جانب الصين والهند برميلا مقابل برميل ولكن شهر ابريل الماضي شهد وللشهر الرابع علي التوالي تراجعا في انتاج روسيا من البترول وأصبح هذا الانتاج يقل بنسبة 2% عن الذروة التي سبق ان بلغها في اكتوبر الماضي وكانت تناهز 9.9 مليون برميل يوميا وقبل ذلك كان الانتاج الروسي يقل بانتظام أي أن انخفاضه لم يكن مجرد مصادفة ويقول ليونيد فيدون نائب الرئيس في شركة لوكويل الروسية للبترول ان انتاج روسيا لن يزيد أبدا علي 10 ملايين برميل في اليوم وهذا معناه أن روسيا ليست مستعدة لزيادة انتاجها بالدرجة التي تسد شهية العالم المفتوحة لاستهلاك البترول ومعناه أيضا ان سعر البرميل سيواصل ارتفاعه إلي ارقام قياسية جديدة وهو ما حدث بالفعل يوم 12 مايو حيث تجاوز سعر البرميل 126 دولارا. وتجدر الإشارة هنا إلي أن البترول والغاز هما قاعدة انطلاق نظام فلاديمير بوتين الرئيس الروسي السابق ورئيس الوزراء الحالي وهما أيضا أهم مشغوليات خليفته في الرئاسة ديمتري بيد فيديف الذي كان رئيسا تنفيذيا لشركة جازبروم الحكومية وأكبر شركات البترول والغاز في روسيا والأمر الذي لاشك فيه أن تدفق البترودولارات علي روسيا قد أوجد احساسا بالاستقرار وخفف الاوجاع الاقتصادية وأعطي روسيا دورا أكثر تأثيرا علي المستوي العالمي ومع ذلك فإن صناعة البترول الروسية التي تعد أهم صناعة في تلك البلاد تعاني من مشاكل من صنع البشر وهنا تقول أنيسة ريدمان المحللة في بنك HSBC. كذلك فإن خبراء البترول يقدرون إمكانية العثور علي 100 مليار برميل بترول اخري تنضم إلي هذه الاحتياطيات حسب قول روبرت دوولي رئيس الشركة المشتركة بين BP ???? TNK الروسية والذي يري انها ستكون أكبر جائزة تفوز عمليات الاستكشاف البترولية علي مستوي العالم ولكن تنظيم روسيا لصناعتها البترولية تنظيم رديء إلي حد ان الانتاج يتناقص برغم زيادة الاسعار. وتقول الآنسة انيسة ريدمان ان الضرائب هي العائق الاساسي حيث ان الحكومة الروسية تحصل علي 65% من ثمن برميل البترول فوق 25 دولارا كضرائب اضف إلي ذلك اعباء الأجور وضرائب الانتاج واستيلاء الدولة علي 92% من ارباح الشركات ويذكر قادة شركة TNK-BP تنتج 20% من جملة انتاج بريتيش بتروليوم ولكنها لا تسهم إلا بنحو 10% فقط في أرباحها ولا احد يخفي ان الحكومة الروسية خفضت ضرائب الانتاج علي الآبار البترولية القديمة ولذلك فإن الشركات تركز علي استنزاف هذه الآبار وقد كان هدف الحكومة الروسية من ذلك هو احياء الآبار التي كان قد توقف انتاجها بعد انهيار الاتحاد السوفيتي في يناير عام 1992 وقد نجحت الشركات فعلا في إعادة تشغيل هذه الآبار والاعتماد عليها في زيادة انتاج روسيا من 6 ملايين برميل يوميا لتصبح نحو 10 ملايين برميل يوميا ويكفي ان نعرف ان انتاج هذه الآبار التي تتركز أساسا في سيبريا قد زاد بنسبة 12% في عام 2003 وحده. ولكن هذه الاستراتيجية كما تقول مجلة "الايكونوميست" لم تعد تجدي وأصبحت نتائجها طفيفة ويقول فيدون ان آبار غرب سيبيريا قد بلغ نهايته الطبيعية وان الابقاء علي انتاج البترول الروسي عند حجمه الراهن يحتاج الي استثمارات جديدة يتعين علي الشركات ان تنفقها أما زيادة الانتاج مرة أخري فانه يحتاج استثمارات ضخمة في شرق سيبيريا ومنطقة شمالية وغيرها وواضح ان الحكومة الروسية قد عاملت الاستثمار البترولي في هذه المناطق بشكل مختلف نسبيا ولكنها عادت عام 2006 لتحكم قبضتها مرة اخري علي الصناعة البترولية مما ادي الي تراجع الانتاج ويقول خبراء بنك سيتي ان انتاج هذه المناطق تراجع مرة اخري في شهر ابريل الماضي وهذا هو الامر الاسوأ وعلي سبيل المثال فان شركة لوكويل تنفق 10 مليارات علي عمليات الاستكشاف ولكنها تركز 30% من استثماراتها علي الغاز لأنه اكثر ربحية بالنسبة لها من البترول بسبب انظمة الضرائب المجحفة. ورغم ان الحكومة قدمت تخفيضات ضريبية بلغت 4.5 مليار دولار للشركات في العام الماضي فإن الشركات تري ان هذه التخفيضات تكفي بالكاد لابقاء انتاجها من البترول مستقرا.. وهكذا يمكن القول باختصار ان عدم اصلاح سياسة الانتاج الروسي من البترول لن يمثل مشكلة للعالم وحده وإنما سيكون مشكلة بالنسبة لروسيا ذاتها حيث تمثل عائدات البترول 50% من ايرادات الميزانية السنوية في روسيا ونحو 65% من جملة صادراتها فالحكومة الروسية إذن بهذه الطريقة تعرض للخطر الأوزة التي تبيض لها الذهب.