منذ عامين فقط كان اقتصاد أنجولا -الغنية بالبترول- يعد من أسرع اقتصادات العالم نموا. ففي كل من عام 2006 وعام 2007 كان معدل النمو في إجمالي الناتج المحلي الحقيقي لأنجولا نحو 20% سنويا. وكانت التوقعات تشير إلي أن معدلات النمو المكونة من رقمين ستظل سمة للاقتصاد الأنجولي حتي عام 2012 ولكن أسعار البترول هبطت بشدة تحت وطأة الركود العالمي، ولذلك فإن معدل النمو الاقتصادي في "أنجولا" خلال العام الماضي 2009 لم يتجاوز 5.1% وإن كان قد عاد إلي النهوض مرة أخري حيث يتوقع البعض أن تكون أنجولا هذا العام 2010 واحدة من أفضل خمس دول أداء علي مستوي العالم وأن يتجاوز معدل نموها الاقتصادي ال 8% سنويا. وتقول مجلة "الايكونوميست" إن أنجولا كانت قد تحولت بعد أربعة عقود متواصلة من المعاناة إلي دولة عاجزة. فبعد حرب الاستقلال عن البرتغال التي استمرت 14 سنة وانتهت عام 1975 دخلت أنجولا في سلسلة من الحروب الأهلية استمرت لنحو ثلاثة عقود بين الحركة الشعبية لتحرير أنجولا mpla وهى منظمة شيوعية وبين الاتحاد الوطنى لاستقلال أنجولا الشامل unita ذي الميول الغربية الذي كان يقوده جوناس سافيمبي حتي انتهت هذه الحروب عام ،2002 وقد مات في هذه الحروب 1.5 مليون مواطن من إجمالي عدد السكان الذي لم يكن يتجاوز ال 7 ملايين نسمة حسب إحصاء عام 1980 وتشرد أربعة ملايين آخرين وحرم جيل بأكمله من التعليم وبات متعينا علي أنجولا أن ترسي قواعد بنيتها الأساسية وتعيد بناء مؤسساتها السياسية من قلب هذا الحطام. ولكن عودة السلام مكنت أنجولا من تحقيق معدلات تنمية مذهلة خلال السنوات الثماني الأخيرة حيث كانت أرضها أشبه بموقع عملاق للبناء تقام فيها الطرق والمواني والسكك الحديدية والفنادق ومراكز التسوق والمستشفيات والجامعات بل المدن الجديدة كليا في قلب الأدغال وتغيرت عاصمتها لواندا تغيرا جذريا حيث اختفت العشوائيات وبنايات العهد الاستعماري لتحل محلها المباني الشاهقة من الفنادق والمكاتب والمساكن. ولولا البترول لما كان ممكنا تحقيق كل هذه الانجازات، فالاحتياطيات البترولية الأنجولية تناهز ال13 مليار برميل وقد جري اكتشاف البترول في أراضي أنجولا منذ خمسينيات القرن الماضي وظل من القطاعات الجاذبة للاستثمار الأجنبي حتي في أوج الحروب الأهلية وارتفع الإنتاج الأنجولي من البترول ليصل إلي 800 ألف برميل يوميا في عام 2008 بعد أن كان لا يتجاوز ال 172 ألف برميل عام 1975 أما الآن فقد وصل حجم الإنتاج إلي 1.9 مليون برميل يوميا ليجعل من أنجولا أكبر منتج للبترول في إفريقيا جنوب الصحراء بعد نيجيريا. ويشكل دخل البترول أكثر من نصف إجمالي الناتج المحلي الأنجولي ونحو 80% من الإيرادات الحكومية ونحو 90% من حجم الصادرات. وفي العام الماضي عندما هبط سعر برميل البترول من نحو 100 دولار ليصبح أكثر قليلاً من 50 دولاراً حدث عجز في الميزان الحسابي وفي ميزانية الدولة الأنجولية لأول مرة منذ انتهاء الحرب الأهلية. ورغم عودة أسعار البترول إلي الانتعاش فإن الحركة الشعبية لتحرير أنجولا التي تحولت إلي الالتزام بقواعد اقتصاد السوق تحاول خفض الانفاق العام ليصبح 37% من إجمالي الناتج المحلي بعد أن كان قد وصل إلي 50% ورغم أن هذه الحركة الحاكمة قد قاومت طويلاً أي تدخل أجنبي خاصة من الدول الغربية فإنها عادت لتقبل قرضا من صندوق النقد الدولي قيمته 1.4 مليار دولار علي 27 شهراً. وتقول مجلة "الأيكونوميست" إن هذا التدهور في ثروة أنجولا لم يمنعها من السعي إلي التقاط الأنفاس معتمدة علي ما يصلها من خطوط الائتمان الدولي لتحويل مشروعات البنية الأساسية التي تعد فيها الصين أهم الممولين فمنذ عام 2002 قام اكسيم بانك الصيني بإقراض أنجولا 4.5 مليار دولار أما صندوق الاستثمار الدولي الصيني فقد أقرضها 3 مليارات دولار وهناك من يقدر حجم قروض هذا الصندوق الذي يتكتم علي عملياته بنحو 9 مليارات دولار. وتقوم أنجولا بتسديد كل هذه القروض في صورة بترول خام حتي أنها تفوقت علي السعودية وإيران في حجم ما تورده للصين من بترول وتعد البرازيل والبرتغال أيضا من خطوط الائتمان الخارجي المهمة بالنسبة لأنجولا حيث قدمت لها الأولي 1.8 مليار دولار وقدمت لها الثانية 4.1 مليار دولار. أما حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة التي تدفقت علي أنجولا في عام 2008 فقد ناهز 15.5 مليار دولار بعد أن كان 6.8 مليار دولار في عام 2005 وهو يمثل أكثر من نصف إجمالي الاستثمارات الأجنبية المباشرة التي ذهبت إلي دول إفريقيا جنوب الصحراء في عام 2008 أما في عقد التسعينيات فلم يتجاوز نصيب أنجولا من الاستثمارات الأجنبية المباشرة 600 مليون دولار سنويا في المتوسط. ورغم ذلك فإن لواندا لا تزال أكثر مناطق العالم غدرا في مجال الأعمال كما أنها مدينة ذات معدل رطوبة بالغ الارتفاع وقذرة وتتسم بالفوضي كما أنها مكلفة جدا بالنسبة للزوار الأجانب ووسائل النقل فيها مروعة كالكابوس. ولأن أنجولا ليست لديها قاعدة صناعية ذات قيمة فإن كل شيء هناك مستورد وهو ما يجعل الأسعار عالية والموانيء مرتبكة والبيروقراطية قادرة علي تعويق كل نشاط ولكن أنجولا مع ذلك ذات معدلات ضريبية منخفضة، فنسبة الضرائب علي الدخل لا تتجاوز 17% وضرائب الشركات 35% ومع ذلك فإن تلك الدولة يسودها الفساد وتفتقر إلي العمالة الماهرة. وعلي عكس ما هو مفترض فإن دخل البترول لم يؤد إلي تحسن مستوي حياة المواطن العادي، صحيح أن متوسط دخل الفرد هناك بمعيار القوة الشرائية المكافئة للدولار يصل إلي 6300 دولار سنويا في عام 2008 أي ضعف ما كان عليه في عام 2002 ولكن تقرير الأممالمتحدة للتنمية البشرية يضعها في مرتبة متأخرة جداً بين دول العالم سواء في متوسط الأعمار أو معدلات الوفيات أو نسبة الأمية، ومع ذلك فإن الأحوال تتحسن حيث أجريت أول انتخابات ديمقراطية في أنجولا عام 2008 فازت فيها الحركة الشعبية الحاكمة بنحو 80% من الأصوات والصحف التي تسيطر عليها الحكومة صارت أكثر حرية والبيروقراطية يتم تقليص حجمها والموانيء يتم تحديثها إلي جانب مد مئات الأميال من الطرق الجديدة والسكك الحديدية وباختصار فإن كل شيء آخذ في التحسن بما في ذلك العمل علي مطاردة الفساد وهو الأمر الذي أعلنه الرئيس الأنجولي جوزيه أدواردو دوسانتوس بنفسه خلال الانتخابات.