في هذا الزمن الرمادي الذي يوزع حزناً علي الجميع وتقطف أعماقنا ثمار علقم نتيجة مسلسل الأطماع الصغيرة الموجعة، تأتي فكرة تغسل القلب بأمل غير محدود في أن نصنع بهجة جديدة. ففي مساء الجمعة الذي سالت فيها أطهر دماء أرادتها الجماعات المتأسلمة كي تعيد اتهام العسكرية المصرية بما لم تقم به وهو قتل المصريين الشباب، في مساء ذلك اليوم خرجت علي غير هدي أريد الهرب مما أراه علي شاشة التليفزيون، وتوقفت عند "جاليري بيكاسو" الذي يتوسط الزمالك ليبدو كواحة أري فيها ماذا يقدم إبراهيم بيكاسو من لوحات. وفاجأني الرجل بفكرته العبقرية الهائلة، وهو انهماكه الحالي في ترتيب معرض عن زيارة العائلة المقدسة لأرض مصر، فبعد عامين من ميلاد السيد المسيح، جاءت السيدة مريم حاملة السيد المسيح ومعها يوسف النجار الذي شاء أن يرتبط بالعذراء البتول، وجاءت العائلة هرباً من قسوة الرومان، وهي الرحلة التي خلدها السيد المسيح عيسي عليه السلام بقوله "مبارك شعبي مصر"، وكأنه من قبل أن تنزل الرسالة المحمدية بستة قرون قد انكشف غطاء بصيرته ليخبرنا أن مصر سيكون فيها أبناء ديانتين، أتباعه وأتباع نبي قادم، فصرنا في أدبيات كلمة الله المسيح عيسي بن مريم مباركين بقوله "مبارك شعبي مصر"، وكان ميعاد الزيارة التي قامت بها العائلة المقدسة هو الثاني من يونيو، وصار هذا التاريخ موجودا دون أن يحتفل به أحد إلي أن برقت في خيال إبراهيم بيكاسو أن يجعل من أيام يونيو المقبل مناسبة نري فيها إبداع فنانين مصريين عن تلك الزيارة، فوجه الدعوة لأربعين فناناً من عمالقة المصورين المصريين لوحاتهم وتماثيلهم كي يقيم بها الجاليري تلك المناسبة التي أري أن تراعها وزارة السياحة، وأن تكون مناسبة سنوية فيأتي السياح المؤمنون بالمسيحية ليزوروا أرض المحروسة التي تضج الآن بكساد السياحة وعدم وجود وفود تشغل الفنادق والمزارات السياحية المختلفة، والمعروف أن السياحة تحتل مكانة غير عادية في عالمنا، ولن أتحدث عن زيارتنا للعمرة، ولا عن زيارات كل زوار إيطاليا للفاتيكان، ولكنني أتحدث عن مناسبة حقيقية يترنم بذكرها ملايين البشر كل صلاة في أي كنيسة، حين يرددون قول السيد المسيح "مبارك شعبي مصر". واقترحت علي إبراهيم بيكاسو أن يحول فكرة معرضه الكبير هذا إلي مناسبة سنوية يتم منح شاب من شباب الفنانين جائزة عن تصوير أي مشهد مصري، قد يكون مرتبطاً بتلك المناسبة أو بغيرها، فالمسيح قد بارك أهل مصر أجميعن حين قال "مبارك شعبي مصر" تماماً كما ذكرها القرآن الكريم في محكم آياته. ومن الرائع أن نزرع فرحة أو بهجة في وسط هذا المناخ الرمادي الزاعق بالتوتر، وما أبسطها من فكرة وما أجملها من مناسبة إن أحسنا استغلالها بشكل يليق بها. شكراً إبراهيم بيكاسو.