بذلت إسرائيل جهودا محمومة لمنع المجلس العالمي لحقوق الانسان من إدانة سياسة الاستيطان، مستغلة بذلك ظهور مسئول من حركة حماس في المؤتمر لتحرض عليه وعلي أهدافه، لكنها فشلت في عرقلة قرار مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف بتشكيل لجنة تحقيق تبحث في أبعاد البناء في المستوطنات علي السكان الفلسطينيين، والذي تعتبره استمرارا لقرارات سابقة للمجلس من ضمنها قرار تشكيل لجنة جولد ستون للتحقيق في العدوان الإسرائيلي علي قطاع غزة، ولجنة لفحص الجهاز القضائي الإسرائيلي، ولجنة للتحقيق في مجزرة اسطول الحرية وغيرها من القرارات التي تسببت في اضرار شديدة لإسرائيل في الساحة الدولية. قرار إسرائيل بقطع علاقتها مع مجلس حقوق الإنسان جاء بعد فشلها في إثناء المجلس عن التحقيق في المستوطنات الإسرائيلية وتشكيل لجنة لتقصي الحقائق عن الاستيطان في الضفعة الغربية. وفي مواجهة هذا القرار الأممي أعلنت إسرائيل أنها لن تسمح للجنة تقصي الحقائق بالوصول إلي إسرائيل، ولن تتعاون بشكل مطلق مع هذه اللجنة أو مع مجلس حقوق الانسان، وامعانا في الوقاحة أعلنت إسرائيل أنها لم تعد تعمل مع اللجنة، فما كانت تقوم به من مشاركة في اجتماعات ومناقشات وترتيب زيارات لإسرائيل كل هذا قد انتهي. لقد أعلن المجلس الدولي الأسبوع الماضي عن تشكيل لجنة تحقيق دولية بشأن المستوطنات الإسرائيلية، ووقفت الولاياتالمتحدة معزولة حيث صوتت ضد المبادرة التي طرحتها السلطة الفلسطينية، وسارع قادة إسرائيل إلي إدانة المجلس التابع للأمم المتحدة واتهموه بالنفاق والانحياز ضد بلادهم. ومنذ لحظة اعلان اللجنة عن تشكيلها، اعتبرتها إسرائيل منحازة وغير موضوعية، وليس هناك سبب يدفعها للتعاون معها، ولن تكون طرفا في هذه المهزلة لأن 70% من قرارات هذا المجلس علي حد ادعائها معادية لإسرائيل. لكن ذلك لم يمنع من تبني قرار مجلس حقوق الانسان تشكيل لجنة تحقيق في المستوطنات الإسرائيلية بأغلبية 36 صوتا، وامتناع 10 عن التصويت بينهما إيطاليا واسبانيا، وكانت الولاياتالمتحدة هي الدولة الوحيدة التي صوتت ضد القرار، ولم يكن ذلك مستغربا أو غير متوقع! إن القرار الأممي والذي يعتبر الأول من نوعه يطالب بإرسال بعثة تحقيق دولية مستقلة لتقصي الحقائق بشأن تداعيات المستوطنات الإسرائيلية علي الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقفية للشعب الفلسطيني، كما اعتبر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن هذا المجلس الذي تعد غالبيته معادية لإسرائيل منافق ويجب أن يخجل من نفسه! ولم تكتف إسرائيل بذلك بل صعدت من لهجتها المنتقدة لمجلس حقوق الإنسان فقدمت احتجاجا ضد بلجيكا والنمسا وفي طريقها لتقديم دعوة احتجاجية ضد النرويج وسويسرا بعد التصويت في جنيف لمصلحة تشكيل لجنة تحقيق دولية في الاستيطان. رد الفعل الإسرائيلي المبالغ فيه يمكن استيعابه فهذه هي المرة الأولي التي يتم فيها إطلاق تحقيق دولي في الاستيطان، ومن هنا فإن حالة الغضب والهياج التي أصابت مسئوليها وقرارها بقطع الاتصالات مع مجلس حقوق الإنسان، ربما يكون مبرراً غير أن هذا التطاول والتجرؤ علي المجلس رغم أنها ليست عضوا فيه، بل يحق لها إبداء الرأي في بعض الحالات ولا يمكن التصويت فيه أو تقديم مذكرات، هو المستغرب فالاستقواء الإسرائيلي تزايد كثيراً مدعوما بالموقف الأمريكي المنحاز دائما، ووصل الأمر إلي اعتذار السفير الأمريكي في إسرائيل مبررا الموقف الإسرائيلي تجاه هذاالقرار، وهو بذلك يتفهم المشاعر الإسرائيلية تجاه المجلس لأنها مؤسسة مهووسة بإسرائيل وتركز بشكل غير عادل علي إسرائيل بل وتهاجم المجلس متهماً إياه بإهمال واستثناء العديد من القضايا المتعلقة بحقوق الإنسان التي تستدعي الاهتمام مندداً بالموقف الأكثر نفاقا الذي اتخذه المجلس. من الطبيعي أن تدعي إسرائيل أن الخطوة الفلسطينية للحصول علي قرار كهذا من المجلس يأتي علي خلفية الجمود السياسي المتواصل في المفاوضات بينها وبين السلطة الفلسطينية، وتصر إسرائيل علي اعتبار أن هذه الخطوة تأتي في إطار حملة دبلوماسية وقضائية مخططة ضد إسرائيل منذ فشل محادثات جس النبض في عمان وانتهائها من دون نتائج في يناير الماضي. غير أن هذه الادعاءات لا تنفي حقيقة إصرارهم علي مواصلة انتهاك حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ومن هنا يستعد الفلسطينيون لهذه الخطوة بإعداد الوثائق والصور الجوية والأرضية والخرائط عن الاستيطان اليومي في الأراضي الفلسطينية والتي سيقدمونها إلي لجنة التحقيق.