بادئ ذي بدء، من حق أي حزب أو فصيل سياسي أو جماعة أو ائتلاف أو حتي طريقة صوفية، اختيار أي شخصية للدفع بها من أجل خوض انتخابات رئاسة الجمهورية القادمة، فهذا حقهم الدستوري، ما دامت تلك الشخصية التي تم اختيارها خالية من "الموانع" المختلفة التي تمنع ترشحه لهذا المنصب الخطير، بالإضافة إلي توافر الشروط الموضوعية والقانونية، التي تؤهلها إلي خوض غمار انتخابات الرئاسة. فقد تقدم حتي الآن إلي اللجنة القضائية المكلفة بإجراء انتخابات الرئاسة القادمة، أكثر من ألف مواطن مصري، لسحب الأوراق الخاصة بشروط الترشح لانتخابات الرئاسة، والغالبية العظمي من هؤلاء - والذين قد يتضاعف عددهم حتي إغلاق باب الترشيح الأسبوع القادم - لديهم آمال عريضة لرئاسة الجمهورية، ويرون أن لديهم برامج سياسية واقتصادية واجتماعية ستجعل مصر من الدول المتقدمة خلال سنوات قليلة، وستتحقق الرفاهية للشعب المصري في فترة قصيرة، وتلك وجهة نظرهم التي نحترمها، ولكن من تقدم بأوراق ترشيحه حتي الآن وتوافرت فيه شروط الترشيح وأصبح مرشحا محتملا لرئاسة الجمهورية، لا يتعدي أصابع اليد الواحدة. ومن بين الشخصيات التي أعلن مساء أمس الأول السبت أنها ستخوض انتخابات الرئاسة القادمة وأحدثت زوبعة سياسية كبري في مصر، المهندس خيرت الشاطر، مرشح جماعة "الإخوان المسلمون" في تلك الانتخابات، رغم وجود قرار سابق متفق عليه بين الجماعة والحزب، بعدم الدفع بأي مرشح "إخواني" في انتخابات الرئاسة خلال المرحلة الحالية، ترسيخا لمبدأ المشاركة لا المغالبة، الذي اتفقت عليه جماعة الإخوان مع أغلب القوي السياسية، بل وقامت بفصل الدكتور عبدالمنعم أبو الفتوح عندما خالف قرار الجماعة، وقرر خوض انتخابات رئاسة الجمهورية وأعلنت مرارا أنها لن تدعمه في تلك الانتخابات. وأنا أري من وجهة نظري أن هناك مخاطر عديدة قد تترتب علي قرار جماعة الإخوان باختيار خيرت الشاطر مرشحا محتملا لرئاسة الجمهورية، وقد تنعكس تلك المخاطر علي الجماعة بصفة خاصة، من حيث مصداقيتها ورصيدها السياسي في الشارع المصري ومدي صلاحيتها في تولي السلطة كاملة مستقبلا، بل بصفة عامة قد تمتد تلك المخاطر علي الوطن بأكمله، وندخل في مرحلة جديدة من عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي والأمني، بشكل حاد وأكثر خطورة من ذي قبل للأسباب الآتية: أولا: اختيار جماعة الإخوان لخيرت الشاطر كمرشح لرئاسة الجمهورية، سيزيد من الاحتقان السياسي الحالي، وسيكون تحديا لمعظم التيارات السياسية، وسيحدث مزيدا من الفجوة والجفاء بين الجماعة وباقي تلك التيارات، وسيدعم الآراء التي تتهم الإخوان "بالتكويش" علي السلطة والتراجع غير المبرر عن مبدأ المشاركة لا المغالبة، ولاسيما بعد انتخاب الجمعية التأسيسية للدستور، وسيطرة الإسلاميين عليها، والمطالبة بإقالة حكومة الجنزوري، وتشكيل حكومة من البرلمان الذي به أغلبية إخوانية. ثانيا - لو فاز مرشح جماعة الإخوان في انتخابات الرئاسة خلال الدورة الحالية، قد يشعل فتنة سياسية في البلاد، وسيتحالف كل المخالفين للجماعة سياسيا ضدها، وسيف الفلول والبلطجية وتلاميذ حبيب العادلي وزير الداخلية الأسبق وأصحاب المصالح في خندق واحد لزعزعة الاستقرر، وستعود الوقفات إلي ميدان التحرير من أجل المطالبة برحيل "الشاطر" والتي سينظمها بعض الثوار والمتحالفين معهم، والذين يرون أن الإخوان هم أكبر المستفيدين من ثورة 25 يناير. ثالثا - هذا الاختيار سيزيد من مخاوف الأقباط المتعلقة بسيطرة الإسلاميين تدريجيا علي السلطة في مصر، وتقويض جهود مدنية الدولة، ولاسيما بعد رحيل البابا شنودة، وقرب اختيار بابا جديد للكنيسة الأرذوكسية، قد لا يكون في حكمة وتسامح البابا الراحل الذي كان يطفيء نيران الفتنة الطائفية بحنكة سياسية وحس وطني عالٍ. رابعا - الدفع بخيرت الشاطر قد يؤثر علي علاقات مصر ببعض الدول العربية خاصة الخليجية التي تربطها بمصر مصالح اقتصادية حيوية، بدليل التوتر الحالي بين دولة الإمارات العربية وجماعة الإخوان، والتي يتهمها البعض بالسعي للسيطرة علي دول الخليج. خامسا- اختيار مرشح إخواني للرئاسة قد يؤدي إلي المزيد من التوتر عند حدودنا الشرقية، ويزيد من قلق إسرائيل، بسبب العلاقة "التنظيمية" بين حماس المسيطرة علي قطاع غزة، وجماعة الإخوان، وقد يضع ذلك معاهدة "كامب ديفيد" عي المحك، إذا فاز الشاطر برئاسة الجمهورية، ويعطي ذلك ذريعة لإسرائيل لاستغلال هذا الوضع لحصد المزيد من المكاسب السياسية والمالية والعسكرية من أمريكا ويهود الغرب، وإصابة مصر "بصداع" سياسي وعسكري.