بعد مرور عام علي الثورة السورية يبدو أن النظام الاقتصادي في البلاد لا يختلف كثيرا عن الوضع السياسي المضطرب.. ففي خلال الأسبوعين الماضيين حدثت تطورات استثنائية فيما يخص الاقتصاد السوري.. فبعد فرض حصار علي المصرف المركزي وتعاملاته وما سبق ذلك من إجراءات من قبل الدول العربية والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ونجم عقب تصريحات السيناتور جون ماكين بخيار التدخل العسكري عن ذلك تدهور قيمة الليرة السورية في شكل مفاجئ لتبلغ 100 ليرة في مقابل الدولار من نحو 75 ليرة كمعدل استقر لشهور في سوريا؛ وهو جعل سعر الصرف يخرج عن السيطرة واضطر البنك المركزي السوري إلي تعويم العملة وارتفعت نسبة التضخم لتصل إلي 6.6% بعدما كانت 4.4% عام 2010. ومن أبرز ملامح الاقتصاد السوري منذ اندلاع الثورة تراجع حجم الصادرات السورية وبالتالي حجم العملات الأجنبية المحصلة لنظام الأسد الذي يواجه بضراوة الاحتجاجات الواسعة التي تضرب مختلف المدن السورية منذ مارس 2011. وفيما يتعلق بالتحصل علي العملات الأجنبية تراجعت الصادرات السورية للخارج من 14 مليار دولار في عام 2010 إلي 7.2 مليار في عام 2011؛ بالإضافة إلي توقف الاستثمارات الأوروبية والخليجية. أما عن القطاع المصرفي فقد تراجعت الودائع في البنوك السورية بنسبة 30% وأكد مصرفيون أن العملاء يتحولون إلي الدولار أو يهربون مدخراتهم إلي أسواق تتمتع بأمان نسبي مثل تركيا ولبنان والأردن. وتواصل عمق الأزمة ليشمل كثيرا من القطاعات الحيوية الأخري، فقد تراجعت السياحة بنسبة 95% بعدما كانت توفر دخلا يقرب من 6 مليارات دولار سنويا، وهو ما وضع حياة قطاع كبير من السوريين المشتغلين في المهن المرتبطة بالسياحة علي المحك. وكان قطاع النفط في قلب الأزمة الاقتصادية حيث يشهد قطاع النفط أزمة كبيرة خاصة مع فرض العقوبات الدولية علي النظام السوري، فالعقوبات أوقفت تصدير نحو 130 ألف برميل من النفط كانت تصدر يوميا إلي أوروبا مما حرم دمشق من نحو 15 مليون دولار يوميا بالإضافة إلي اغلاق عدد من شركات النفط الأجنبية عملياتها في البلاد وبلغت الخسائر من سبتمبر إلي يناير الماضي نحو ملياري دولار. ولم يكن القطاع الزراعي بمنأي عن الأزمة، فكثير من الاقتصاديين يتوقعون أنه سيتراجع بنسبة 3% خاصة أن المناطق التي تشتد فيها الاحتجاجات تحوي مساحات زراعية شاسعة خاصة في محافظات حمص وإدلب، فضلا عن ارتفاع أسعار السلع الأساسية وتزايد معدلات البطالة مما دفع الخبراء إلي القول بأن العقوبات الاقتصادية المفروضة تضر بالشعب السوري أكثر من ضررها بنظام الأسد الذي سيتابع تمويل أجهزته الأمنية مقتطعا من نفقاته علي الخدمات والسلع الضرورية للمواطنين. لقد كانت السنة الماضية الأسوأ اقتصاديا في سوريا منذ عقود فما جري من تراجع في الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 3.4% بشكل غير مسبوق إذ تكبد قطاع السياحة خسائر فادحة فاقت المليار دولار وتوقفت الاستثمارات الأجنبية في سوريا خصوصا تلك الوافدة من دول الخليج والتي كانت تستهدف العديد من القطاعات. أما التجارة الخارجية التي كانت تتدفق إلي الدول المجاورة وتجارة الترانزيت من سوريا وإليها خصوصا تلك المقبلة من لبنان وتركيا فتوقفت تماما. ويري المحللون الاقتصاديون أن الاقتصاد السوري سيواصل انهياره ويواجه أزمة علي المدي القصير خاصة أن عجز الموازنة العامة سيرتفع إلي 10.8% حتي عام 2016 وأن الدين الخارجي قد تصاعد ليبلغ 9 مليارات دولار. ومع غياب الحلول السياسية واستمرار تمسك النظام بمقاليد الحكم واضح أن معاناة الاقتصاد السوري ستتفاقم ولعل المصرف المركزي السوري الخاضع للحصار أصبح يدرك أن رصيده من الاحتياطي الأجنبي الذي قدرته مصادر كثيرة في منتصف العام الماضي بنحو 17 مليار دولار بدأ يتآكل بمعدل نصف مليار كل شهر وكان يفترَض بهذا الرصيد أن يكفي لحماية الليرة نحو سنة. وكانت السلطات النقدية علي استعداد لضخ عملات صعبة حفاظا علي قيمة الليرة ولتجنب الدولرة إلا أن استمرار الأزمة وزيادة الطلب علي العملات الأجنبية وظهور آثار الحصار المفروض علي سوريا خفض قيمة الاحتياطي ولعل هذا يفسر سبب تجنب المصرف المركزي السوري خلال الأسابيع الأخيرة الإبقاء علي سعر الليرة مستقرا. مصطفي عبدالعزيز