الدستور وثيقة عظيمة الأهمية لتنظيم العلاقات في المجتمع وتيسير حصول كل مواطن علي حقوقه دون تمييز والقيام بواجباته دون تعسف أو تعنت ، لذلك فهي تستحق مايدور حولها الآن من جدل يكاد يصل الي درجة التصادم بين القوي السياسية الناشطة في هذا المجال . نظرا لأهمية تلك الوثيقة في تحديد مسار الدولة والمجتمع لوقت غير محدد في مستقبل البلاد نلتمس العذر لكل من ينظر برهبة لعملية كتابة الدستور الجديد لمصر في عهدها الجديد وهو الدستور الذي يؤسس للجمهورية المصرية الثانية علي أساس المباديء التي أرستها ثورة 25 يناير 2011 . الوقت يداهمنا وتلك هي المشكلة الحقيقية المتعلقة بكتابة الدستور ، فقد ضاع وقت طويل منذ تنحي الرئيس السابق في مجادلات لا طائل من ورائها كان من الممكن أن تستغل في اعداد وكتابة الدستور ، لكن تركيب وترتيب الاجراءات علي بعضها ضيع الوقت حتي أصبحنا علي مشارف انتخاب رئيس جديد للجمهورية الثانية دون أن يوضع الدستور . يري جانب من الناشطين والنخبة أن وضع الدستور يمكن أن يتم خلال فترة وجيزة ليلحق بانتخابات الرئيس فلا يجوز من وجهة نظرهم انتخاب رئيس بدون دستور ، بل ان البعض يري ومن بينهم أعضاء بالمجلس الاستشاري ، أنه يجب الانتهاء من كتابة الدستور قبل انتخابات رئاسة الجمهورية، مشيرا الي أنه يمكن الانتهاء من الدستور خلال ال 40 يوما المقبلة ، وأن المجلس الاستشاري قدم اقتراحا للانتهاء من كتابة الدستور قبل شهر أبريل المقبل . تستند تلك الوجهة الي أن الأحكام الواردة في مواد دستور سنة 1971 الملغي يمكن تقسيمها الي قسمين كبيرين، القسم الأول يشتمل علي مواد الأبواب الأربعة الأولي التي تنطوي علي المبادئ العامة الأساسية الخاصة بشكل وهوية الدولة، والحقوق والحريات العامة للمواطنين، مع المقومات الاجتماعية والاقتصادية، والأخلاقية للمجتمع ولا يوجد اعتراض علي أحكام هذه المواد، لذلك فإن الجهد الأساسي للجمعية التأسيسية لوضع مسودة الدستور الجديد سوف يكون للمواد المنظمة والمحددة لنظام الحكم وسلطات الدولة المختلفة ، وبالتالي فإن عملية صياغة مشروع الدستور لن تستغرق عدة أسابيع وقد تكون مدة شهرين كافية لإنجاز المهمة . بينما يري آخرون ان اعلانا دستوريا باختصاصات الرئيس قبل انتخابه يكفي لحين وضع دستور البلاد دون استعجال قد يترتب عليه أخطاء جسيمه أو يخل بمبدأ التوافق المجتمعي حول الدستور. مشكلة عدم الثقة وعدم الوضوح في ماذا تريده القوي الرئيسية مثل الأغلبية البرلمانية والمجلس العسكري وقوي الشباب التي لا تملك الا القدرة علي التعطيل ولا يلتفت اليها أحد بصورة جدية ، هي التي تسيطر علي مناخ وضع الدستور وتنعكس علي مشكلة تشكيل اللجنة التأسيسية ، وفي اعتقادي أنه لو تم تجاوز تلك المشكلة ، فان كتابة الدستور التوافقي لن تكون مشكلة .